أحداث و تقارير

الحقيقة والخيال حول المخطط الانقلابي بالرئيس الأميركي في فيلم «أمستردام»

«سينماتوغراف» ـ متابعات

بدأ عرض فيلم “أمستردام” (Amsterdam) في دور العرض السينمائية حول العالم منذ أيام قليلة، وهو واحد من الأفلام المنتظرة في 2022، بالنظر لاسم مخرجه “ديفيد أو راسل” المرشح لجوائز الأوسكار 5 مرات من قبل، وطاقمه الذي يحتوي على أسماء لامعة للغاية مثل روبرت دي نيرو، وكريستيان بايل، ومارغو روبي، وجون ديفيد واشنطن.

فيلم “أمستردام” مبني على قصة حقيقية لخديعة كادت أن تحول الولايات المتحدة من الديمقراطية إلى الدكتاتورية في ثلاثينيات القرن الماضي، في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. لكن هل التزم الفيلم بالدقة التاريخية، أم كانت هناك بعض التحريفات لإثراء الدراما؟

تدور أحداث فيلم “أمستردام” حول صديقين بدأت علاقتهما خلال الحرب العالمية الأولى؛ أحدهما الطبيب برت (كريستيان بيل) الذي فقد عينه خلال معركة، والآخر المحامي من أصول أفريقية هارولد (جون ديفيد واشنطن). في إحدى الأيام، يتم تكليف المحامي بتنظيم تشريح جثة جنرال أميركي متوفى كان قائد البطلين المباشر خلال الحرب، للتأكد من وقوع جريمة وراء وفاته المفاجئة، وبالفعل يكتشف الطبيب وجود سم في معدته أدى لقتله.

بعد ذلك تتصاعد الأحداث سريعاً، فتقتل ابنة الجنرال التي طلبت التشريح، ويتهم برت وهارولد بالجريمة، فيصبحان هاربين من العدالة، ويحاولان في نفس الوقت اكتشاف السبب وراء هذه الجرائم المتتابعة، ليجدا أنهما وقعا على طرف الخيط لمؤامرة عملاقة تهدف إلى قلب نظام الحكم في الولايات المتحدة، فيضطران للتعاون مع صديقتهما القديمة التي أنقذتهما خلال الحرب الممرضة فاليري (مارغو روبي) والتي تنتمي إلى عائلة ثرية ونافذة.

تستند أحداث فيلم “أمستردام” إلى مؤامرة سياسية حقيقية وقعت في العام 1933 بهدف الإطاحة بالرئيس فرانكلين روزفلت والاستعاضة عنه بدكتاتور بالقوة، وذلك عبر انقلاب يقوده المحاربون القدامى في الحرب العالمية الأولى، بدعم من رجال أعمال أثرياء رغبوا في سيادة السياسات الفاشية، لاتباع خطى كل من ألمانيا وإيطاليا اللتين كانتا على رأس قيادتهما في هذا الوقت كل من أدولف هتلر وبينيتو موسوليني.

وكان من المفترض أن يؤدي هذا الانقلاب إلى وضع اللواء المتقاعد في مشاة البحرية اللواء سميدلي باتلر في البيت الأبيض، وقد تغير اسمه في الفيلم إلى جيل ديلينبيك وقام بدوره الممثل روبرت دي نيرو.

وعلى الرغم من إثبات أن المخطط الانقلابي كان حقيقياً بالفعل، لم تتم مقاضاة أي من رجال الأعمال الأثرياء كما ورد في الفيلم، بما فيهم جيه بي مورغان، وقد نفوا علاقتهم بهذا التخطيط.

ولم يقتصر التغيير على اسم الجنرال الانقلابي فحسب، فالمشاهد التي تصور حياته الخاصة وعلاقته بزوجته، وكذلك حفل لم الشمل الذي أعلن فيه عن المخطط؛ كلها خيالية من إضافات صنّاع الفيلم لخلق مشاهد ختامية مثيرة أكثر.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن كل من برت وهارولد وفاليري شخصيات غير حقيقية، إلا إنها مبنية بشكل فضفاض على أشخاص حقيقيين. فعلى سبيل المثال، تستند شخصية برت إلى الدكتور شيلدز وهو ضابط طبيب عسكري، بينما تستند شخصية فاليري إلى عدد من الفنانات في ذلك العصر، بما في ذلك جورجيا أوكيفي وميري أوبنهايم. ولا توجد شخصية حقيقية تستند إليها شخصية هارولد، ما اضطر الممثل جون ديفيد واشنطن للبحث في حياة الأميركيين الأفارقة في الولايات المتحدة خلال تلك الحقبة الزمنية للمساعدة على التعرف على الشخصية.

وعلى الرغم من استناد فيلم “أمستردام” إلى أحداث وقعت بالفعل، فإن معظم الأحداث الخاصة بالحبكة الدرامية جاءت ملفقة وتمت كتابتها كمقدمة للخطاب الأخير للجنرال الذي أوضح فيه المؤامرة، بل إن بداية القصة نفسها ليست حقيقية، فلم يوجد مطلقا جنرال يدعى بيل ماكينيز قُتل خلال الثلاثينيات.

وبما أن العديد من أسماء رجال الأعمال المتورطين في محاولة الانقلاب ظلت مخفية، فلا يوجد دليل يشير إلى تورط الشخصيات التي يؤديها كلٌّ من أنيا تيلور جوي ورامي مالك، ولم يحدث حفل لم شمل كما في الفيلم، بل طُلب من الجنرال إلقاء خطاب في مؤتمر الفيلق الأميركي الذي كان للمحاربين القدامى.

وفي “أمستردام” كذلك، تم الإعلان عن خطاب الجنرال في الكونغرس لكن لم يتم تقديمه على الشاشة، ومع تترات النهاية تم عرض مشاهد وثائقية حقيقية لهذا الخطاب. وفي الحقيقة، أبدى الجنرال سميدلي موافقته على المؤامرة حتى يتمكن من جمع المعلومات الاستخبارية عنها قبل الخطاب الشهير.

وتلعب “لجنة الخمسة” المؤسسة لفكرة الانقلاب والتي شكلها مجموعة من الأثرياء محبي الفاشية دوراً مهما في فيلم “أمستردام”.

و”لجنة الخمسة” كانت موجودة بالفعل، لكن النسخة الواقعية لم تكن لها علاقة بالفاشية أو برجال الأعمال في الثلاثينيات. بل يبدو الاسم وكأنه إشارة إلى لجنة الخمسة؛ جون آدامز، وبنجامين فرانكلين، وروبرت ليفنجستون، وروجر شيرمان، وتوماس جيفرسون، الذين صاغوا إعلان الاستقلال كجزء من المؤتمر الوطني الثاني.

نسخة الفيلم من “لجنة الخمسة” تتناقض مع نسخة الحياة الواقعية، التي كان أعضاؤها يؤيدون الديمقراطية، في حين عارضها توم فوز ورجال الأعمال الأثرياء في “أمستردام” بشدة.

ويجمع الفيلم بين اللجنتين لإظهار التناقض بين صعود الفاشية وتهديدها للديمقراطية، وعلى الرغم من أن أحداث “أمستردام” تدور في ثلاثينيات القرن الماضي، فإن موضوعاته وما ترمز إليه “لجنة الخمسة” -في الخيال وفي الواقع- تظل مسألة يمكن ربطها بأي زمن، ويمكن أن تكون “لجنة الخمسة” أيضا إشارة إلى “رابطة الحرية الأميركية”، التي يعتقد سميدلي بتلر أنها كانت وراء الانقلاب.

وعلى عكس “لجنة الخمسة”، تم الاعتراف علنا بـ”عصبة الحرية الأميركية”، وكان أحد أهدافها هو وضع حد لرئاسة الرئيس روزفلت.

فيلم “أمستردام” من الأفلام المستندة إلى قصة حقيقية، ولإضافة الإثارة الضرورية على الأفلام السينمائية تم إجراء بعض التغييرات، لكن في النهاية قدم الفيلم فصلاً مثيراً للغاية من تاريخ الولايات المتحدة، لا يعلم عنه الكثيرون، ويستحق إلقاء الضوء عليه، وفي نفس الوقت لم يجر تغييرات راديكالية أدت إلى تغيير الحقائق أكثر من اللازم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى