إضاءات

الفن والحب وأشياء أخرى في ذكري رحيل ممدوح عبد العليم  

القاهرة ـ «سينماتوغراف»

تحل اليوم ذكرى رحيل الفنان ممدوح عبدالعليم، الذي توفاه الله في 5 يناير عام 2016، عن عمر يناهز 60 عاماً، ونسلط الضوء في هذا التقرير على علاقتة بالفن والحب وأشياء أخرى في مسيرته مع عالم الشاشة الكبيرة والصغيرة.

بعد سرقة سيناريو فيلمه، ينطلق المؤلف الساذج “رامي قشوع” (الفنان ممدوح عبد العليم) في رحلة مثيرة لإيقاف الإرهابي من تنفيذ قصته وقتل الأبرياء، ليلتقي بالصحفية سوسن (آثار الحكيم) ويرتبطان معاً في شوارع القاهرة ويتعاونان مع الشرطة ضمن أحداث الفيلم الكوميدي “بطل من ورق” من إخراج نادر جلال.

كانت شخصية “رامي قشوع” واحدة من شخصيات مختلفة متنوعة تميز في أدائها الفنان ممدوح عبد العليم، وكأنه يتحول من شخصية لأخرى بسهولة ليقدمها ببراعة على شاشة التلفزيون أو السينما، فهو عمدة المصراوية وكبير العزايزة، فتى الأحلام في “ليالي الحلمية”، الفنان الفقير في “الحب وأشياء أخرى”، أو الراقص الصعلوك في “سمع هس” والقائد العربي طارق بن زياد في “الطارق“.

ولد ممدوح عبد العليم في 10 نوفمبر 1956، وبدأ التمثيل منذ صغره في برامج التلفزيون، حيث شجعه والداه على دخول مبنى ماسبيرو والتقديم في برامج التلفزيون، ليبدأ مسيرته في سن الثامنة من العمر، بدأ التمثيل في مسلسل “الجنة العذراء” مع الفنانة كريمة مختار والمخرج نور الدمرداش، ثم قدم مسلسل الأطفال “وليد ورندة في الفضاء“.

يحكي عبد العليم أن التمثيل كان له أهم من أي شيء آخر، منذ أن توسم فيه والده موهبته، عندما كون مع شقيقيه فرقة سموها بالكتاكيت، وأخذه والده إلى مبنى ماسبيرو لدخول اختبارات التمثيل.

حصل على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية، وفضل الاستمرار في التمثيل الذي يعشقه، وقدم مسلسل “أصيلة” مع المخرج نور الدمرداش في بداية الثمانينيات، ثم شارك في فيلم “قهوة المواردي”، وفي عام 1983 اختاره المخرج حسين كمال للمشاركة في فيلم “العذراء والشعر الأبيض” مع محمود عبد العزيز ونبيلة عبيد، ويحكي عبد العليم أنه مدين بالفضل لكمال لأنه قدمه للجمهور بعد أن كبر.

ورغم تألقه في بداياته في السينما، فإنه كون شعبيته بين الجمهور في أدوار الدراما التلفزيونية حيث سرعان ما اختاره الكاتب أسامة أنور عكاشة والمخرجة إنعام محمد علي عام 1986 ليلعب بطولة “الحب وأشياء أخرى” مع آثار الحكيم وزهرة العلا وجلال الشرقاوي وصلاح قابيل، مقدما دور مدرس الموسيقى الفقير “سامح” الذي يرتبط بالطبيبة الثرية “هند” رغم اعتراض أسرتها، لتتحول قصة الحب الجميلة إلى خلافات كبيرة تنتهي بفراق مر، ويستحوذ “سامح” على إعجاب الجماهير بشخصيته المعقدة ومحاولاته أن تبقى قصة الحب مستمرة.

وعاد عكاشة ليمنحه فرصة عمره بتقديم شخصية علي البدري، الشاب الأرستقراطي الذي ينطلق في عالم رجال الأعمال الباحث عن المال، في المسلسل التلفزيوني الشهير “ليالي الحلمية”، ليحقق عبد العليم شعبية كبيرة ويخوض مباراة في التمثيل إلى جوار عمالقة التلفزيون يحيي الفخراني وصلاح السعدني وجيل جديد من الشباب.

حكي عبد العليم أنه أحب شخصية علي البدري، لأنه أدخله جيل الستينيات الذي يراه غنيا في ثقافته وطموحاته، وأن وجوده في ليالي الحلمية كانت فرصة عظيمة، “هذه هي حلاوة التمثيل، أن أعيش حيوات كثيرة لن أستطيع أن أعيشها، هذه هي عظمة الفن بشكل عام“.

في 1998 قدم عبد العليم شخصية رفيع العزايزي في مسلسل “الضوء الشارد”، حول الصراع الطبقي بين طبقة الإقطاعيين التي تمثلها عائلة العزايزة وطبقة الملاك الجدد في عائلة السوالم، ليتأثر الجمهور بقصة الحب بين رفيع العزايزي بشخصيته الصلبة العنيدة وأرملة شقيقه فرح (منى زكي).

وعن رائعة الكاتب بهاء طاهر، أجاد عبد العليم شخصية “حربي” في الدراما الصعيدية “خالتي صفية والدير”، كما قدم شخصية القائد المسلم طارق بن زياد في مسلسل الطارق من إخراج أحمد صقر عام 2004، ولعب بطولة مسلسل “المصراوية” عام 2009 عائدا لعالم أسامة أنور عكاشة والمخرج إسماعيل عبد الحافظ.

كما تنوعت أدواره في السينما، فهو بكر الابن المدلل للفتوة سليمان الناجي في “الحرافيش” عن رائعة نجيب محفوظ، والطالب الجامعي اليساري حسين وهدان صديق المجند أحمد سبع الليل في “البريء”، والضابط يوسف في “كتيبة الإعدام” إلى جانب أدواره في “الحب في طابا” و”سوبرماركت”، وكان دوره الأبرز في “بطل من ورق” الذي حقق نجاحا كبيرا وظل عالقا في أذهان الجمهور.

قرر عبد العليم دخول الإنتاج السينمائي بفيلم “سمع هس” عام 1991 مع المخرج شريف عرفة، ليعود عبد العليم لشغف الطفولة في تقديم الاستعراضات، يرقص ويغني مع ليلى علوي في فيلم عن الزوجين حمص وحلاوة اللذين يقدمان استعراضاتهما الغنائية في الشوارع والساحات، لتتعرض ألحانهما للسرقة.

مع بداية الألفية، وتغير شكل الإنتاج السينمائي، قرر عبد العليم الابتعاد عن السينما بعد أن قدم 30 فيلما، معتزلاً ما سماه بـ”سينما البهلوانات”، وركز على الدراما التلفزيونية حتى قدم آخر أعماله “السيدة الأولى”، مجسداً دور رئيس الجمهورية عام 2014.

يقول عبد العليم إنه لم يكن مضطرا إلى الابتذال في السينما، وقرر بمحض إرادته ألا يشارك في أي عمل فيه إسفاف حتى لا تكون نقطة سوداء تحسب عليه، وذلك بعد أن سيطر جيل الشباب الجدد على السينما، وخص عبد العليم بالذكر فيلمي “سمع هس” و”بطل من ورق” كأهم أدواره السينمائية، ولم يعد يجد نفسه إلا في الدراما.

أثناء تصويره مسلسل “ليالي الحلمية”، جاءته دعوة من لندن للقاء تلفزيوني مع الإعلامية شافكي المنيري، وذهب لإجراء اللقاء في لندن ليتعرف عليها، لينبض قلبه بالحب للمذيعة التي لم يعرف في البداية كيف ينطق اسمها، ولم يلبث أن تزوجها، ورفض الإقامة في لندن، مصمماً على البقاء في مصر ليواصل شغفه في التمثيلـ وبعد وفاته كتبت شافكي رحلتها مع ممدوح عبد العليم في كتاب حمل عنوان “أيام في بيتك المحترم”.

لم يبتعد الفنان مرهف الحس عن الواقع السياسي في مصر، إذ حكى عن مشاركته في اللجان الشعبية أيام ثورة 25 يناير 2011، رغم تجنبه المشاركة مباشرة في أحداث الثورة، ثم دفعته الأوضاع السياسية المضطربة عقب الثورة للابتعاد عن الفن. وفي مارس 2014 خلال لقاء تلفزيوني سأله الإعلامي عمرو الليثي عن سر اختفائه، فبكى عبد العليم موضحاً أن “مصر كانت موجوعة”، وأنه لم يستطع أن يمثل في هذه الظروف.

توفي عبد العليم بصورة مفاجئة أثناء ممارسته التمارين الرياضية في 5 يناير 2016  في نادي الجزيرة بوسط القاهرة، بعد تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة، تاركاَ لجمهوره أدواراً لا تنسى ابتعد فيها عن الإسفاف والابتذال، وحافظ على تنوع الأداء وبراعة تقمص الشخصية المصرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى