المهرجاناتالمهرجانات العربيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان أبو ظبيمهرجاناتنقد

ليفياثان.. قصة الصراع ضد السلطة والكنيسة

أجمل الأفلام الروسية خلال السنوات الأخيرة
“ليفياثان”.. قصة الصراع ضد السلطة والكنيسة
أبوظبي ـ خاص “سينماتوغراف”
 
الفيلم الروسي “ليفياثان” وتعني ترجمة الكلمة “الحوت الضخم” والذي عرض ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الثامنه، قصة ملحمية تغوص في أعماق النفس الروسية حيث يسرد تفاصيل كفاح رجل عادي ضد السلطة والكنيسة، وقد منحته لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للدورة الأخيرة لمهرجان “كان” جائزة أفضل سيناريو، كما فاز كأفضل فيلم في مهرجاني “ميونيخ” و”لندن” السينمائيين، وأصبح حضوره في أي مهرجان مؤشراً لحصده المزيد من الجوائز، ومصحوباً بحفاوة نقدية لمنجز حاول قراءة الحالة الروسية كما أصبحت قصته الخاصة تشخيصاً للمجتمع الروسي، واستشرافاً للمستقبل.
 
حدثت القصة التي يرصدها بمهاره فائقة المخرج أندريه زفياكنتسِف عبر فيلمه في بلدة على شاطئ بحر بارنتس، ولكنها قابلة للحدوث في أي بلد حيث تتقاطع مصالح الإنسان مع مصالح السلطة، ومن الواضح سلفاً من سينتصر في المبارزة، حيث وضع رئيس البلدية الوقح عينه على البيت الذي يعيش فيه نيكولاس مع زوجته وابنه، وأراد أخذ هذه الأرض مقابل لا شيء تقريبا – أي أنه يريد، عملياً، سلبها، ويبدو رئيس البلدية الذي يتصرف كزعيم عصابة إجرامية، أنه يضع كل شيء تحت السيطرة، من الشرطة إلى المحكمة، وهو يعرف كيفية ترويض المتمردين. تغدو الدراما الحياتية مع عناصر كوميدية مأساة، موازية بإثارتها للسجلات الصحفية.
 
 
وقد تبدو بعض تفاصيل الفيلم مبالغ فيها – فعلى سبيل المثال، الشرب المستمر للأبطال، الذي يمكنه الإطاحة بفيل، ولكن لا أثر لذلك عليهم، والجمهور يضحك رداً على عبارة شرطي المرور الجالس خلف عجلة القيادة والذي ليس بإمكانه نطق جملة مفيدة، “لا بأس، ففي النهاية، أنا شرطي مرور”، يساعد هذا الحس الكوميدي على التخفيف مما يخلفه الانقباض والكآبة المحتّمان مع تصاعد الأحداث.
 
في الفيلم تم التعرض لجميع نقاط أمراض روسيا المعاصرة: الفساد المحصن وعجز الانسان العادي أمام المسؤولين والاتفاق القائم بين شركاء متواطئين في العمل الجنائي في الدولة والكنيسة المستعدة لتقديس كل ما يأتي بالمال. إن التشخيص مقنع ومعروف بكل تفاصيله. ولم يتطلب تصوير الفيلم زخرفة أي شيء، بل صوّرت هياكل المنازل والكنائس والسفن على الطبيعة القائمة، ولم يقوموا في الاستوديو وهذا واضح جدا في الفيلم إلا بصنع الهيكل العظمي للحوت الضخم المرمي على الشاطئ – استعارة موت الحياة بدون الأوكسجين.
 
وعلى الرغم من كل ما في العمل من أبعاد سياسية، ظل الشريط حريصاً على مرافقة التجربة الشخصية لرجل تمزقت عائلته وتحطمت حياته رغماً عنه. يتأنى سيناريو (أولغ نيغين وأندريه زفياكنتسِف) طويلاً للوصول إلى ذروة حدث يحمل في طياته تجليات ظاهرة أوضاع روسيا الحالية والتي تريد العودة بالبلاد إلى زمن القيصرية، وجاء مشهد صور زعماء روسيا ومحاولة استخدامهم كمنصه وعلامات لإطلاق النار عليهم مقاربة رمزية، أضافت الكثير من العمق والنقد الشديد لمراحل سابقة وآنيه.
 
 
قصة عائلة “كوليا” بطل الفيلم وما آلت إليه جعلت من “لفاياثان” عملاً مبهراً يعرف ما الذي يريد قوله وبأية لغة سينمائية يوصلها. لقد صنع أندريه زفياكنتسِف من حكاية المواطن “كوليا” فيلماً ملحمياً موجعاً عن المصير التراجيدي الذي وصله مواطن روسي، كان يقيم قريباً من شاطيء مدينة ساحلية ملامحها الخارجية أقرب إلى ملامح المدن الأسطورية المهجورة والتي لم يبق على سواحلها سوى آثار رحلات لبشر تقطعت بهم الطرق ورست سفنهم في مكان يجاور السماءـ تمزق شمل العائلة بفعل “الحوت الضخم” وضاع البيت وكل من كان فيه ليأتي العمدة ويأخذه من دون أن يدفع ثمنه محصناً بقوة الطغاه والمجرمين.
 
كل ما في مشهد النهاية يضع المواطن والسلطة في كفتين مختلفتين غير متساويتين ليضفي على فكرة الفيلم مزيداً من الإحساس بالعجز واللاعدالة السائدة وكأن اندريه زفياكنتسِف أراد أن يصور روسيا قيصرية معاصرة فيها كل الخراب الروحي والجشع المادي، مكونها الأساس قائم على تحالف ثلاثي تقليدي.. الكنيسة والحاكم والسلطة المفسدة.. مفردات اشتغل عليها “زفياكنتسِف” وقدمها بلغة غاية في الجمال ليضفي على مضمونه بعداً بصرياً يجعل منه واحداً من أجمل الأفلام الروسية التراجيدية بلمسة كوميديا خلال السنوات الأخيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى