لأن السينما هي فنا جماهيريا بالدرجة الأولي فلابد أن يصافح الفيلم أي فيلم الجمهور، ويجد فيه متعة حتي يقبل عليه، ليمنح صانعه فرصة الإستمرارية في تجارب أخري، فكرت في ذلك وأنا أشاهد فيلم “أخضر يابس” للمخرج محمد حماد الذي عرض للمرة الأولي في مصر من خلال مهرجان أسوان لأفلام المرأة، جاء الفيلم للمهرجان وهو يحمل شهادة نجاحه وتميزه بعد مشاركته في مهرجان لوكارنو السينمائي بسويسرا بعد غياب السينما المصرية طويلا عن هذا المهرجان، ثم مشاركته في مهرجان ستوكهولم كما حصل علي جائزة الاخراج من مهرجان دبي الماضي برغم حدة المنافسة، ليقتنص المخرج جائزة مهمة من مهرجان كبير في أولي أفلامه الطويلة، لكن هل تكفي الجوائز المخرج أو الفيلم؟.
فيلم “أخضر يابس” سبقته دعاية كبيرة تؤكد تميزه وأنه يمثل تجربة جديدة في السينما المصرية، لذا كنت أعد نفسي لمشاهدة شيئا مختلفا، وبالفعل جاء الفيلم مختلفا، لكن أي اختلاف، فمنذ اللقطات الأولي تشدك بطلة الفيلم إيمان العاملة الشابة في متجر حلوي، المنكسرة في نظرة عينيها، التي تعيش حياة بائسة ليس بسبب الفقر المادي فقط، بل لفقر المشاعر أيضا، فهي تعيش مع شقيقتها فقط، لكن علاقتهما يشوبها جفاء غريب لايليق بشقيقتين تعيشان في بيت واحد بعد رحيل والديهما، كما تعاني من أزمة شخصية تدفعها الي نهاية مفاجئة.
الفيلم الذي ينتمي الواقعية السوداء يتجاهل تماما الإيقاع ويسقط في عمق الملل والرتابة، فالمشاهد بطيئة للغاية، تعكس بطء وترهل حياة البطلة الكئيبة، يعززها عناصر كثيرة في العمل الفني مثل الإضاءة الباهتة والظلمة التي تظلل بيتها والترام الذي يتحرك ببطء، وقد عبر عنه المخرج في مشاهد السلحفاة وكانت تكفي للتعبير عن إيقاع حياة أبطاله المملة، لكنه أضاف إليها المشاهد الصامتة التي تخلو من الحوار ويسود الصمت فيها مثل البطلة وهي تقلب الشاي مع غياب شبه التام الموسيقي التصويرية، وحوائط المنزل الآيلة للسقوط التي لاتتحمل دق مسمار لتعليق الستائر استعدادا لإستقبال عريس الشقيقة الصغرى، وغياب الاحساس بالجمال داخل البطلة والتي عبرت عنها عناصر الفيلم مجتمعة، ليغيب الأمل عن كل شئ، ويبدو الشريط السينمائي حالة من الإحباط والكآبة، فلا البطلة ولا شقيقتها العروس ابتسمت في أي لقطة، ولا جملة حوار تكشف لماذا تباعدت علاقتهما علي هذا النحو، الي حد أن تغيب الفرحة عن وجوههما حتي والبطلة تحمل تورتة الفرح التي أهداها لها صاحب المحل الذي تعمل به، ثم في محاولتهما للاستعانة بأعمامهما لحضور الاتفاق مع أسرة العريس وتهرب العم بإيعاز من زوجته وتهرب العم الآخر ومرض الثالث بما يهدد إتمام الزواج.
تأتي نهاية الفيلم موجعة ومفاجئة، وغريبة أيضا، ينحاز فيها المخرج لأزمة البطلة إيمان حين يخبرها الطبيب بعد أن طالع تحاليلاتها الطبية بأنها تمثل حالة نادرة من إنقطاع الطمث في مرحلة مبكرة من عمرها، تفقدها الصدمة عقلها وتزيد من وطأة إحساسها بالمآسي التي تحاصرها والكآبة التي تظلل حياتها فتقدم علي إنهاء عذريتها بنفسها، وهو مايبدو مبالغ فيه دراميا في رأيي فلا البطلة راودها الحب ولا عاشت حلما بالحب والزواج ولا لقطة عبرت ولو عن طريق الفلاش باك عن أي تطلع لذلك بدليل أنها لم تتأثر لظهور عريس لشقيقتها الصغري.
لعل أبرز ما في الفيلم الأداء الصادق لبطلته هبة علي، في أول تجاربها كممثلة والتي كشف عنها المخرج في مؤتمره الصحفي عقب عرض الفيلم بأنه أجري بروفات معايشة كاملة في أماكن التصوير لجميع ممثلي الفيلم وهم من غير المحترفين استمرت علي مدي تسعة أشهر وهو ماجعلهم جميعا في حالة توحد مع الشخصيات التي يؤدونها ويكشف ذلك قدرة المخرج الشاب علي ضبط أداء الممثل وهو ماإنعكس علي أدائهم، ويحسب لمخرج الفيلم ومجموعة العمل تقديمهم لهذه التجربة اعتمادا علي جهودهم الشخصية دون وجود تمويل، ولذا استمر تصوير الفيلم علي مدي أكثر من عام، وذلك بعد ثلاث أفلام روائية قصيرة هي “الجنيه الخامس” 2006، “سنترال” 2006، “أحمر باهت” 2009 .
لاشك أن تجربته الروائية الطويلة الأولي في “أخضر يابس” تؤكد موهبته، ولكن هل كان كل مايعنيه تقديم تجربة إستهوته متغافلا عن الجمهور، وهل يمكن أن يجد الفيلم صدي لدي الجمهور عند نزوله صالات العرض. أتذكر مقولة لأحد كبار السينمائيين العالميين إذا نظرت الي ساعتي خلال عرض الفيلم فهذا معناه أنه فيلم ممل، وقد نظرت أنا الي ساعتي عدة مرات أثناء متابعة هذا الفيلم.