«سينماتوغراف» ـ انتصار دردير
البدايات الفنية المتواضعة وهى تخطو خطواتها الأولى لا تعد مقياساً ولا مؤشراً لما حققته النجمة الكبيرة شادية من نجومية كبيرة كممثلة ومطربة استطاعت أن تؤدى أدواراً متباينة سواء التى جمعت فيها بين الغناء والتمثيل فى الأفلام الغنائية، أو التى اقتصرت فيها على الأداء التمثيلى لتؤكد موهبتها كممثلة بعيداً عن الغناء، وفى مذكراتها التى أدلت بها للناقدة والصحفية ايريس نظمى وأصدرتها مؤخراً مؤسسة أخبار اليوم ضمن سلسلة «كتاب اليوم» أكدت النجمة الكبيرة شادية التى رحلت عن عالمنا فى 28 نوفمبر 2017 أنها تمنت أن ينسى الجمهور ظهورها الأول فى فيلم «أزهار وأشواك» للمخرج حسين حلمى المهندس الذى ظهرت فيه ككومبارس هى والفنانة هند رستم، وتروى شادية ذلك قائلة : ذهبت يوم افتتاح الفيلم مع هند رستم، وجلسنا فى «اللوج» وجاءت بطلة الفيلم «سناء سميح» ورفضت أن تجلس بجوارنا نحن الكومبارس وشعرت بالاهانة الشديدة وبكيت، إلا أن هند رستم قالت لى «ماتزعليش بكرة تبقى أحسن منها»، وبدأ عرض الفيلم ووجدت نفسى لا أظهر إلا فى لقطة واحدة تصورنى وأنا أتظاهر بالغناء وافتح وأغلق فمى بينما صوت مطربة أخرى هو الذى نسمعه وهى تغنى باللغة الفصحى، وكان منظراً مضحكاً وضجت السينما كلها بالضحك فكيف تغنى هذه الفتاة الصغيرة التى هى أنا بهذا الصوت العريض للمطربة الأخرى، ووسط ضحكات الجمهور مال على أبى قائلاً: «يالا نخرج قبل الجمهور مايضربك»، لكن من حسن حظى أن هذا الفيلم الفاشل مر بسلام ولم يشعر به أحد وحاولت أن أنساه حتى أستطيع الاستمرار.
ومع فيلمها الثانى قفزت شادية إلى دور البطولة مرة واحدة، حينما سمع المخرج حلمى رفلة من صديقه المخرج أحمد بدرخان عن فتاة جديدة تجيد الغناء والتمثيل تدعى فاطمة شاكر، فالتقاها ورشحها لبطولة فيلم «العقل فى أجازة» أمام المطرب محمد فوزى، وهو الفيلم الذى أنقذها من أدوار الكومبارس فقد كانت قد تعاقدت على دوراً مشابهاً فى فيلم للمخرج محمد عبد الجواد وحينما أخبرت رفلة بذلك قال محتداً «مش معقول أرشحك لدور بطولة فى الوقت الذى تظهرين فيه كومبارس فى فيلم آخر»، وأشارت شادية إلى أن حلمى رفلة هو من اختار لها اسمها الفنى وليس يوسف وهبى كما ردد البعض قائلة : عندما وقعت على العقد باسمى الحقيقى فاطمة شاكر قال لى رفلة اكتبى الشهيرة بشادية وقال مبروك يا شادية، وفرحت جداً لأنى سأمثل أمام مطربى المفضل محمد فوزى فقد كان ذلك حلماً بالنسبة لى، ووجدته إنساناً رقيقاً مهذباً وكان يوجهنى بإرشاداته وانتزع من قلبى الخوف، وليلة العرض الأول للفيلم سمعت الجمهور وهو يهتف باسمى شادية، وكانت لحظة من لحظات العمر الرائعة وبكيت من شدة الفرح، ولم يكن آخر فيلم يجمعنى بالفنان محمد فوزى، بل التقينا فى ثلاثة أفلام هى (ياليلة العيد، الروح والجسد، وصاحبة الملاليم) وكانت أول أغنية يلحنها لى هى «وقفوا الخطاب على الباب يا أمه» وهى أول اسطوانة تحمل اسمى كمطربة.
درس سليمان نجيب
كان نجاح أفلامها الثلاثة مع محمد فوزى سبباً فى تسابق المنتجين لتكون شادية بطلة لأفلامهم، وأصبحت تمثل فيلمين وثلاثة فى وقت واحد، فكانت تخرج من استديو إلى آخر وأصبح ليلها ونهارها عملاً متواصلاً، وفى إحدى المرات بينما كانت تصور فيلمين فى نفس الوقت وما أن انتهت من تصوير بعض مشاهد الفيلم الأول حتى اتجهت إلى استديو آخر لتصوير مشاهد الفيلم الثانى ودخلت بسرعة إلى غرفتها لوضع الماكياج فإذا بباب غرفتها يدق ويطل منه وجه الفنان الكبير سليمان نجيب، كان وجهه كما وصفته غاضباً وثائراً ورفع صوته ليصرخ فى وجهها «إذا كنت عايزة تستمرى فى التمثيل فيجب أن تحترمى مواعيدك وأن تحترمى من تعملين معهم، أنت تأخرت عن موعدك نصف ساعة وهذا تعطيل لنا جميعا»، وقال كلماته الغاضبة ثم اختفى دون أن يمنح لها فرصة الدفاع عن نفسها، وتروى شادية عن ذلك : كان سليمان نجيب من الشخصيات التى أحب أن أتعرف بها ولابد أنه ظن أنى انسانة مغرورة وقد جعلنى هذا الموقف أبكى ودموعى تنهال على وجهى بغزارة وشاهدنى مدير التصوير الحاج وحيد فريد الذى تأثر كثيراً لدموعى، وذهب إلى سليمان نجيب وأوضح له أن تأخيرى جاء بسبب انشغالى بتصوير مشاهدى فى فيلم آخر، وفوجئت بالفنان الكبير سليمان نجيب يعود لغرفتى وتقدم منى معتذراً وهو يربت على كتفى قائلاً: «حد يزعل من عمه، أرجوك لا داعى للبكاء، أنا لم أقصد أبداً مضايقتك، ولكنى قلت هذا الكلام من أجل مصلحتك التى تهمنى»، ومنذ ذلك اليوم أصبحنا صديقين، وأصبح لا يحضر إلى التصوير إلا ومعه قطع الشيكولاتة التى أحبها واكتشفت أنه إنسان حنون ولطيف وجعلنى هذا الموقف أحضر فى مواعيدى ولا أسمح لنفسى بأى تأخير.
دويتو شادية والشناوى
مجموعة ناجحة من الأفلام جمعتها والفنان كمال الشناوى الذى كان زوجاً لشقيقتها، وكان استقبال الجمهور لهما سبباً فى أن يشكلا دويتو فنى فى أفلام (ليلة الحنة، ارحم حبى، فى الهوا سوا، عش الغرام، وداع فى الفجر)، وبعد خمس سنوات من الارتباط الفنى قررا الانفصال ورأى كل منهما ضرورة التغيير، لكنهما عادا للتعاون مرة أخرى فى نوعية مختلفة تماماً من الأدوار فكان (وداع فى الفجر، المرأة المجهولة).
ذكريات مع فاتن
كانت فاتن حمامة فى قمة نجاحها ولم يكن قد مضى على عملى الفنى سوى أربع سنوات حين التقيت بها لأول مرة لكنى لم أشعر بالخوف منها مثل الآخريات فأنا مطربة واللون الذى أقدمه يختلف عما تقدمه، واستطيع القول أن أحسن الأفلام التى استمتعت فيها بالتمثيل كانت مع فاتن حمامة فهى ممثلة كبيرة تدفع من يقف أمامها للإجادة وبذل المجهود الكبير، وجمعتنا أفلام (أشكى لمين، موعد مع الحياة، المعجزة)، وكنت مشغولة بتصوير فيلم آخر فقلت لها: أرجو أن تقرئى الدور الذى سأمثله، وتهتمى به وكأنه دورك بالضبط، اننى معتمدة عليك يافاتن فى ذلك، والحقيقة أن فاتن اهتمت بما طلبته بل أن اهتمامها بدورى فاق اهتمامى أنا فقد ناقشته مع المؤلف وناقشت تفاصيله مع المخرج ولذلك جاء الفيلم جيداً بل أننى اعتبره من أنجح أدوارى .
عماد حمدى وصلاح ذو الفقار
ارتبط اسم شادية بثلاثة أزواج الأول الفنان عماد حمدى الذى تعرفت عليه أثناء رحلات قطار الرحمة الذى كان يستقله الفنانون لجمع تبرعات للمجهود الحربى، وبعد زواجهما أسسا شركة للانتاج وقدما عدداً من الأفلام الناجحة، وكان فارق السن بينهما وغيرته الشديدة سبباً فى انتهاء زواجهما بعد أربع سنوات فقط، وعند طلاقهما طبع عماد حمدى قبلة على خدها وكانت قبلة الوداع، وقد عبر الشاعر عبد الرحيم منصور عن حكاية شادية مع عماد حمدى فى أغنية حزينة وضع ألحانها محمود الشريف وتقول كلماتها (حكايتى كانت وياك حكاية، قصة طويلة ملهاش نهاية، قضيت حياتي فى نار وغيرة وقلبى ياما حيرته حيرة)، ثم تزوجت المهندس عزيز فتحى بعد قصة حب جمعتها بالفنان فريد الأطرش وهو الحب الذى ملأ حياتها ولم يتوج بالزواج، فقررت الهروب من حبه بالزواج من عزيز فتحى الذى استمر لمدة تسعة أشهر فقط، أمضينا أربعة أشهر فقط كزوجين وخمسة شهور فى المحاكم حيث طلبنى فى بيت الطاعة وذهبت للوقوف أمام المحكمة، لقد كان عزيز فتحى يشعر بالغيرة من عملى ونجاحى الفنى، وكانت شهرتى تضايقه، وكان الفشل السريع نتيجة طبيعية للاندفاع الشديد، ثم كان زواجها الثالث والأخير من الفنان صلاح ذو الفقار الذى عرض عليها أن تلعب بطولة فيلم «أغلى من حياتى» من اخراج شقيقه المخرج محمود ذو الفقار وتحولت قصة حب البطلين منى واحمد إلى حقيقة خلال التصويروتزوجا وقدما معاً عدة أفلام ناجحة مثل (مراتى مديرعام، الزوجة 13، كرامة زوجتى)، ورغم أن حلمها بالأامومة كاد يتحقق إلا أنها فقدت جنينها مما أحزنها كثيراً وأصبح عدم التوافق بينما واضحاً، فطلبت الانفصال بهدوء لتتفرغ لفنها قبل أن تتخذ قرارها بالاعتزال وهى فى أوج تألقها مؤكدة أنها لن تنتظر حتى ينصرف عنها الجمهور.