«أمال متجددة».. حلقة وصل سينمائية بين القاهرة وطوكيو

القاهرة ـ خاص «سينماتوغراف»: محمد عاطف

تشهد مصر في الآونة الأخيرة تحديا ملحوظا لنفوذ الفيلم الهوليوودي وسط جمهور الأفلام الأجنبية، وذلك بفعل التظاهرات والمهرجانات السينمائية المهتمة بالأفلام الأوروبية والإفريقية. لكن يظل الفيلم الأسيوي بعيدا عن الجمهور المصري لولا اهتمام مؤسسة اليابان- مكتب القاهرة بعقد أسبوع الفيلم الياباني الذي أتم دورته التاسعة عشرة منذ أيام تحت شعار «أمال متجددة»، وسط إقبال واحتفاء جماهيري واسع.

 

رسالة من اليابان

حملت الدورة التاسعة عشرة لأسبوع الفيلم الياباني هذا العام عدة دلالات لافته تعبر عن اهتمام اليابان بتقديم رسالة دعم وتضامن ثقافية إلى مصر. ولعل أهم هذه الدلالات هي إصرار مؤسسة اليابان – الذراع الثقافي لدولة اليابان في القاهرة- على إقامة هذه الفعالية الثقافية السنوية الهامة برغم عدة ظروف كادت تعرقلها، حيث تسببت حالة حداد مصر على رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز (رحمه الله) في توقف فعاليات الأسبوع بعد يوم واحد من افتتاحه، ثم تلا أيام الحداد ارتباطات أخرى لمركز الإبداع الفني – مكان العروض- أدت إلى إرجاء استئناف الأسبوع حتى منتصف شهر مارس. وما أن جرى ذلك حتى ظهرت أزمة جديدة تقنية كادت تؤجل العروض لمرة أخرى لولا تقديم مؤسسة اليابان لنسخ مختلفة من الأفلام تلائم إمكانات العرض المتوافرة.

الدلالة الثانية تعكس وعي مؤسسة اليابان- مكتب القاهرة بالمناخ العام في مصر، ورغبتها في تشجيع الشباب نحو مجابهة المشكلات والعوائق، وأهمية عدم اليأس، وإيجاد الحل لهذه المشكلات عبر رفع العوائق بالتدريج. وتبدو هذه القيم واضحة في شعار دورة هذا العام «أمال متجددة» واختيارات تيمة الأفلام وفقا له. فقد اهتم أسبوع الفيلم الياباني هذا العام بتقديم أفلام تمتلىء بروح التحدي والمثابرة، وتجاوز الأزمات العامة والخاصة في سبيل تحقيق النجاح، وذلك إلى جانب مراعاته المعتادة لتنوع الأفلام بما يقدم صورة متكاملة عن الانتاج السينمائي الياباني.

وبالرغم من أن فعالية «أسبوع الفيلم» بطبيعتها العامة تعد تظاهرة سينمائية منخفضة التكاليف للجهة المنظمة قياسا للمهرجان السينمائي، لكن ظهر تحمل مؤسسة اليابان لتكاليف كبيرة في دورة هذا العام حيث تم عرض أفلام يابانية حديثة تعرض لأول مرة في مصر مترجمة إلى اللغتين العربية والإنجليزية، وربما أيضا قامت المؤسسة بدفع مبالغ مالية للشركات المنتجة للأفلام السبعة نظرا لحداثتها وتوازي عرض بعضها تجاريا بدور العرض والمهرجانات السينمائية بالخارج.

بين الملاكمة والحب

أفتتحت عروض أسبوع الفيلم الياباني بفيلم «جو بطل الغد» إخراج فوميــهيـــكو ســـوري، وبطولة مغني البوب الياباني الشهير توموهيسا ياماشيتا الذي قام بدور الملاكم جو يابوكي، والممثل الياباني العالمي يوسكيــــه إيســـيا الذي قام بدور منافسه العنيد تورو ريكيــشي، وتدور أحداث الفيلم حول تطور نزاعهما حيث يجيد كلاهما الملاكمه ويحاولان فرض السيطرة داخل الإصلاحية من خلالها وتنافسان على حلبات الملاكمة في اليابان لحصد البطولات والألقاب الرياضية.

 الفيلم مأخوذ عن سلسلة مشهورة لقصة مصورة «مانجـــا يابانية» تتمحور حول الملاكمة وحققت نجاحا عظيما في اليابـــان منذ بداية صدورها في الستينيات وحتى الآن، مما يعد انجازا متميـــزا في تاريخ المانجـــــا اليابانيـــة، حيث مازالت تطبع حتى الآن. ويحمل الفيلم نفس عنوان القصة المصورة «البطـــل جو» أو «جـــو بطل الغـــد»، وهو النسخة الروائيــــة من فيلم كارتون «انيميشن» انتج عن هذه السلسلة أيضا.

يعكس الفيلم الصورة الذهنية للبطل في اليابان التي تمزج بين الصراع شديد الشراسة على الفوز، ربما إلى حد قتل الخصم، لكن مع مراعاة شرف المنافسة والتحلي بخصال وتقاليد مقاتل الساموراي القديم. وهو ما يستدعي المقارنة مع البطل الأميركي في مثاله الأشهر «رامبو». فالبطولة في نظر جو يابوكي، أو منافسه يوسكيــــه إيســـيا لا تعني لديهم سوى إثبات المهارة، وإثبات الشرف في آن واحد بما يجعل للفوز قيمة معنوية في حد ذاته حيث يعتبر وسيلة لتأكيد الفخر التقليدي المعروف عند الشخصية اليابانية. بينما تعني البطولة لـ «رامبو» قيم مادية مثل الشهرة والمال وتحقيق الذات.

ومن الإصرار على البطولة إلى الإصرار على تجاوز العقبات التي تفرق الحبيبين، وذلك من خلال أحداث الفيلم الرومانسي «هانا ميزوكي» أو «أزهار الحب» إخراج ســـوري فوميــهيـــكو الذي عرض في ختام أفلام الأسبوع. والفيلم مأخوذ عن أغنية حققت نجاحا كبيرا عند اصدارها في 2004 للمطربة «يو هيتوتو»، وتحكي عن قصة حب جارف بين شاب وفتاة تواجههما عقبات مختلفة، وعبر دراما رومانسية مداها الزمني عشر سنوات يختار الحبيبين أن يظلّا على صلة ببعضهما طوال تلك الفترة، لكن الحياة في النهاية تأخذ كل منهما في طريق.

«هانا ميزوكي» من بطولة الممثلة والمغنية اليابانية الملقبة بمعبودة جمهور الشباب «يوي  أراجاكي» وهي أيضا عارضة أزياء ومقدمة برامج إذاعية.

وبين بساطة محددات الإنتصار في الملاكمة من خلال أحداث فيلم الافتتاح «جو بطل الغد»، وتعقد معادلة الحفاظ على الحب من خلال أحداث فيلم الختام «هنا ميزوكي»، شاهد جمهور أسبوع الفيلم الياباني عدة قصص أخرى عن التحدي والأمل، من تحدي نقص عدد الأطباء في مستشفى قروي يدفع عدد الأطباء المحدود الموجود بها نحو العمل بجد أكبر لتعويض المرضى عن هذا النقص في فيلم «يوميات طبيب» إخرج يوشيهيرو فوكاجاوا، إلى أمل «ساتشي» صاحبة المطعم الياباني في فنلندا الذي لا يستقبل سوى زبون واحد يوميا في أن يصبح مطعمها هو الأشهر في مدينة هلسنكي، فتستعين على تحقيق هذا الهدف بتقديم أفضل خدمة لهذا الزبون اليومي الواحد حتى قرر في يوم أصدقائه للاستمتاع بالخدمة الجيدة التي دفعتهم بالتبعية للقيام بدعوة أصدقائهم، وهكذا، حتى تحقق لـ «ساتشي» أملها بفعل العمل الدؤوب والمثابرة، وذلك من خلال أحداث فيلم «مقهى النوارس» إخراج ناؤوكو  أوجيجـــامي.

 

فرص أسيوية

وهكذا خلال أسبوع واحد قدمت مؤسسة اليابان- مكتب القاهرة إلى الجمهور المصري عرضا جامعا لملامح الإنتاج السينمائي في دولة اليابان، وقامت بتعريف أبرز صناعه إليهم، بشكل أثار تساؤلات حول أسباب عدم وجود مهرجان للفيلم الأسيوي في مصر على غرار مهرجان الفيلم الأوروبي ومهرجان الفيلم الأفريقي، لاسيما وأن الدراما اليابانية والكورية عندما عرضت على القنوات التليفزيونية لاقت نسب مشاهدة عالية، مما لا يشير بأن هناك مغامرة كبرى جراء استقدام الفيلم الأسيوي إلى مصر. وذلك فضلا على إقبال شريحة واسعة من المشاهدين المصريين على الأفلام الهندية، وعشقهم لأشهر نجومها بأجيالها الثلاثة بدءا من سنجام وأشا بوسلي، مرورا بأميتاب باتشان وأمجد خان، وحتى أشويا راي وشاروخان.

يذكر أن النشاط السينمائي الذي تقوم به مؤسسة اليابان بالقاهرة لا يقتصر على أسبوع الفيلم الياباني الذي يقام سنويا، حيث تقيم دوريا عروض لكلاسيكيات السينما اليابانية، وعروض خاصة لتعريف الجمهور المصري بأبرز نجوم وصناع السينما اليابانية، ويحرص على حضورها ورعايتها بنفسه ماساكازو تاكاهاشي رئيس المؤسسة، كما يقوم بمناقشة هذه العروض كبار النقاد السينمائيين في مصر.

Exit mobile version