كان ـ «سينماتوغراف»
اختيار “أسبوع النقاد” لتقديمه، في بداية الدورة الـ75 (17 ـ 28 مايو 2022) لمهرجان كانّ السينمائي، متأتٍّ من أسبابٍ عدّة، أوّلها متمثّل بأهمية هذا البرنامج، في مهرجان مُصنَّف فئة أولى، لاهتمامه (أسبوع النقاد) بالأفلام الأولى والثانية لمخرجين/مخرجات من دول العالم. كأنّ البرنامج (3 جوائز تمنحها لجنة تحكيم، أحدها خاصّ بالفيلم القصير) مدخلٌ إلى المشهد السينمائيّ، صناعة واقتصاداً وفنّاً وثقافة. أهميته تتضاعف لارتباطه بـ”الاتحاد الفرنسي للنقاد السينمائيين”، المُكلَّف بتنظيمه والإشراف عليه، وجعله مرآة تعكس شيئاً، ولو قليلاً، من راهنٍ، لعلّ بعضه يكون تأسيساً لاشتغالاتٍ سينمائية جديدة، ومُجدِّدة.
التعريف الرسمي به واضحٌ ومُختَصر: منذ تأسيسه في الدورة الـ15 (7 ـ 23 مايو 1962) للمهرجان، يجهد “أسبوع النقاد” في اكتشاف المواهب الجديدة في الصناعة السينمائية. هذا يقول مسائل عدّة: مهرجانٌ منضو في الفئة الأولى، يهتمّ في كشف نتاجاتٍ سينمائية لافتة للانتباه، ومحرِّضة للمُشاهدة والتمتّع، ومُثيرة لنقاشاتٍ مختلفة؛ هذا المهرجان نفسه، المهتمّ بالسينما صناعة وتجارة وتوزيعاً، من دون إغفال الجماليّ والدراميّ والفني فيها، يمنح للنقد السينمائي حيّزاً لممارسة أحد جوانب مهنته الثقافية والصحافية: البحث عن جديدٍ، يتمثّل هنا بمخرجين/مخرجات، لديهم جديد ما. الجديد هنا مزدوج: أي أنْ يكون المخرج/المخرجة في بداية مساره المهني، وأنْ يكون في النتاج شيء من الجديد، على الأقلّ، سينمائياً وجمالياً ودرامياً.
الدورات السابقة تؤكّد أنّ خياراتٍ كثيرة صائبةٌ، فسينمائيون عديدون يختبرون الخطوة الأولى/الثانية في “أسبوع النقاد”، قبل وقتٍ، قصير أو طويل، على إثباتٍ حضورٍ عميق ومهمّ ومختلف ومُجدِّد، في اشتغالاتٍ تفرض أسئلتها وتحثّ على التأمّل والتفكير بها، وتمنح مُتعاً عند مُشاهدتها: كريس ماركر، برناردو برتولوتشي، فيليب كوفمان، جان أوسْتاش، أنييسكا هولاند، مرزاق علواش، أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، غاسبار نُوِي، جاك أوديار، وآخرين كُثر.
في الدورة الـ61 (20 ـ 27 مايو 2022) لـ”أسبوع النقاد”، هناك سبعة أفلام طويلة وعشرة أفلام قصيرة، بالإضافة إلى فيلمي الافتتاح (“عندما تنتهي من إنقاذ العالم” للأميركي جيسي أيزنْبُرغ) والختام (“سُهِ التالية” للكورية الجنوبية جولي جونغ). هناك أيضاً فيلمان طويلان يُعرضان في “حفلات خاصة”، هما: “قطرة من ذهب” للفرنسي كْلِمان كوجيتور، و”الجميع يُحبّون جانّ” للفرنسية سيلين دوفو؛ و3 أفلام قصيرة: “آمو” للفرنسي إيمانويل غْرا، وHideous للفرنسي يان غونزاليس، وScale للبريطاني جوزف بيرس.
أيزنْبُرغ يُصوّر كوميديا عاطفية، عن أمٍّ وابنها، يظهر أنّ كلّ شيءٍ ضدهما، بينما يشبه أحدهما الآخر، أكثر بكثير من اهتمامهما بالاعتراف بهذا التشابه. أما جونغ، فتروي حكاية التلميذة سُهِ، التي تختار تدريباً مهنياً عملياً، بهدف الحصول على وظيفة جيدة، فتبدأ التمارين في مركز للاتصالات. بعد وقتٍ، تعاني ضغوطاً كبيرة بسبب المهنة، إلى درجة غير مُحتَملة بالنسبة إلى تلميذة ثانوية مثلها، فتموت. المحقِّقة أوه يوو ـ جِنّ، التي لها جانب مشتركٌ مع سُهِ، تبدأ تحرياتها لمعرفة كيفية موتها.
في “قطرة من ذهبٍ”، يمتلك رمسيس (35 عاماً) مركزاً للاستبصار في باريس. متلاعبٌ وذكيّ وشاعرٌ إلى حدّ ما، يؤسّس “شركة مواساة” متينة وفاعلة. ذات يوم، يصل أولادٌ مُراوغون ومحنّكون، لعيشهم طويلاً في شوارع طنجة، فيُهدّدون عمله ويُثيرون فيه قلقاً وارتباكاً. أمّا سيلين دوفو، فتختار جانّ، المرأة التي يُحبّها الجميع، دائماً، لكنّها تكره نفسها، فهي مُثقلة بالديون، وعليها السفر إلى لشبونة لبيع شقّة والدتها، المتوفاة قبل عامٍ. في المطار، تلتقي جان زميلا قديما في الليسيه. فهل تتبدّل حياتها؟
في “آمو” هناك عالمٌ يبدو كأنّه لا شيء، وهناك كائنان حيّان يبدوان كأنهما غير موجودَين إلاّ لتواصل أحدهما بالآخر. مع يان غونزاليس، يُلبّي أوليفر سميث، نجم الـ”بوب”، دعوة إلى المشاركة في برنامج تلفزيوني حواريّ، يتحوّل سريعاً إلى رحلة سريالية مليئة بالحبّ والعار والدمّ (فيلمٌ قصير مؤلّف من 3 فصول). أمّا بيرس، فاختار التحريك أداة لسرد حكاية ويل، الذي يكاد يفقد إحساسه بكلّ شيءٍ، عند قيادته سيارته على الطريق السريعة. مُدمن على المورفين، يُكافح من أجل كشف الأحداث التي أوصلته إلى هذه الحالة، قبل أنْ يضيع نهائياً.