قبل أربع وعشرين عاماً من الآن، وفي ليلة صاخبة جداً، صعد جيمس كاميرون ليتسلم جائزة الأوسكار لأفضل مخرج عن رائعته «تيتانيك»، وصرخ بعدها: (أنا ملك هذا العالم). كيف لا يقول ذلك وقد فاز فيلمه بإحدى عشرة جائزة أوسكار، وبعدها باثني عشر عاماً، أحدث زلزالاً في صناعة الفن السابع بفيلمه «أفاتار»، وها هو يعلن من جديد عن قفزة سينمائية مقبلة نهاية عام 2022.
فيلم «أفاتار» بما قدمه من إبداع تكنولوجي في نسخته الأولى التي حرّكت سقف الإبهار البصري إلى آفاق جديدة جعلت المهمة صعبة جداً على القادمين بعده، وساهمت بلا شك في منح مخرجه جيمس كاميرون لقب أستاذ الأساتذة، وبالتالي لم يكن غريباً أن يترقب الجمهور وصناع السينما في جميع أنحاء العالم عرض الجزء الثاني باهتمام ورغبه، وما سيعرضه يوم صدوره بتاريخ 16 ديسمبر القادم من تقنية لا نعرفها ولم نراها من قبل.
بالفعل كان الجزء الأول سحرياً بكل المقاييس، فهل ستكون التجربة الثانية فريدةً تأخذ المشاهد من عقله وتدخل به إلى دنيا أخرى يستمتع بها ويغرق فيها ولا ينساها، وتبقى عالقة في ذهنه عن عالم غير مسبوق يتجاوز الحدود الفكرية والثقافية ويُرضي كافة الأذواق ونوعيات البشر.
بعد نحو 13 عاماً، حيث عرض الجزء الأول من الفيلم يوم 18 ديسمبر عام 2009، وحقق إيرادات هائلة بلغت 2.8 مليار دولار، ورشح لـ9 جوائز مختلفة في الأوسكار، حصد 3 منها عن أفضل سيناريو وأفضل إخراج وأفضل مؤثرات مرئية، ما الذي تخبئه النسخة الثانية، وهل تملك عناصر مختلفة ستدهشنا، وما الرسالة الجديدة التي ستقدمها، بعد أن تطرق الفيلم من قبل لرسالة بيئية قوية.
كان ولا يزال جيمس كاميرون مصمماً على الذهاب إلى أماكن لم يتجرأ أي مخرج من قبل الذهاب إليها، وساهم بإحداث قفزة كبيرة للأمام في عالم صناعة الأفلام، فقدم حقيقة «بديلة»، عالم واقعي بديل غير الذي نراه، كوكب «باندورا» من خلال مكوناته المبهرة، كائنات مخيفة ومرعبة، غابات تتألق بنباتات مضيئة، بيئة قد تثير الخوف لدى بعض الناس لكنها خليط من الدراما والعلم بنظام ثلاثي الأبعاد، وكما انتظر من قبل أكثر من عشر سنوات لصدور تقنية جديدة تتلائم مع ما يريده في الجزء الأول، أعاد الانتظار مرة أخرى حتى يتم صنع تقنية ثلاثية الأبعاد دون نظارات، وكذلك تكنولوجيا التقاط الحركة البحرية، حيث قرر كاميرون تصوير الفيلم الثاني جزئياً تحت الماء، لأن أحداثه تقع في المحيط الشاسع المليء بالوحوش الذي يغطي معظم «باندورا»، وأبطاله يسكنون الشعاب المرجانية، وبالتالي ستكون الأحداث في أعماق المياه وفيها مقاطع حركة متميزة، مما يخلق ديناميكية تتوسع عن موضوعات الفيلم الأول، وقد جري تصوير أغلب المشاهد، في خزان سعته 900 ألف جالون ماء، وعرضه 13 متراً، تم تصميمه لمحاكاة تيارات ودوامات المحيط وأمواجه المتلاطمة.
وكشفت شركة «ديزني» المنتجة للعمل الذي تجاوزت ميزانيته 400 مليون دولار، إلى أن الفيلم تطلب سنوات من البحث التقني، لتصميم أجهزة تسجل أدق حركات وتعبيرات الممثلين تحت الماء، وشهوراً لتدريب الممثلين على الغوص والرقص في أعماق بعيدة، بعد أن رفض كاميرون التصوير في الاستديو، واستخدام المؤثرات التي تجعل الأحداث تبدو وكأنها تجري تحت الماء، لأن ذلك كما يقول لا يحقق النتيجة التي يريدها.
ومن المعلومات التي أعلنها نجوم الجزء الثاني، إن «سيغورني ويفر»، البالغة من العمر 72 عاماً، ستعود في دور جديد بعد وفاتها في الفيلم الأول، وأنها استطاعت حبس أنفاسها تحت الماء لمدة ست دقائق ونصف الدقيقة، أما كيت وينسلت (نجمة تيتانيك)، التي تظهر في أول تعاون لها مع مخرج فيلم «تيتانيك» منذ عام 1997، فقد أذهلت الجميع عندما حبست أنفاسها لمدة سبع دقائق ونصف الدقيقة، وأوضحت «ديزني» أنها وظفت مدربين للغوص، وأن العديد من أعضاء فريق التمثيل حصلوا على شهادة الغوص، كما وظفت خبراء في الرقص تحت الماء.
يعترف كاميرون أن صناعة جزءٍ ثانٍ من «أفاتار» يعد نوعاً من الجنون، رغم أن الفيلم الأول لا يزال العمل الأكثر ربحاً في تاريخ السينما العالمية متفوقاً على أفلام مثل (تايتانيك، وأفنجرز)، لكن بعيداً عن التكنولوجيا، ما الذي يمكن أن تطرحه النسخة الجديدة من أفكار؟!.
يشير جيمس كاميرون، إلى أن أحداث «أفاتار» ستتطور خلال تكميلات الأجزاء المقبلة، حيث تتكشف الملحمة على الأرض وكذلك على «باندورا» ونمو نسل جيك سولي (سام وورثينغتون) ونيتيري (زوي سالدانا) مع كل فيلم من السلسلة، والتي ستمتد إلى 5 أجزاء، ومن المقرر أن يعرض الجزء الثالث الذي وصلت نسبة إنجازه إلى 95% يوم 20 ديسمبر 2024، الجزء الرابع 18 ديسمبر 2026، والخامس 22 ديسمبر 2028، وستحمل العناوين التالية: «أفاتار: مسار الماء»، «أفاتار: حامل البذرة»، «أفاتار: تولكون» و«أفاتار: البحث عن أياوا».
تتمة الجزء الثاني الجديد، ستلقي الضوء على أولاد جايك ونيتيري، وهي الشخصيات الأساسية لفيلم «أفاتار2»، ومن ضمنها طفل بشري يدعى (مايلز سوكورو، المعروف أيضًا باسم سبايدر)، يؤدي دوره «جاك شامبيون»، وُلِد مايلز في قاعدة عسكرية في «باندورا»، وكان صغيرًا جدًا بحيث لا يتمكن من العودة إلى الأرض، لذلك تبناه جيك ونيتيري، اللذان لديهما أيضًا أطفال نافي، وهم (نيتيام «جيمي فلاترز» ولواك «بريطانيا دالتون»، وتوكتيري «ترينيتي بليس»).
ومن ثم سيكون عنصر العائلة ومعركة أطفالهما مع البشر جانبًا مُلهمًا للفيلم، جايك يأتي من العالم البشري، نيتيري من عالم نافي. لذا، فهما مثل زوجين من أعراق مختلطة، يربون أطفالًا ربما يشعرون أنهم لا ينتمون إلى عالم أو آخر، وستكون هناك أيضًا بعض الدراما العائلية الحقيقية، شيء يمكن التعرف عليه من بين جميع العوالم الخيالية.
لذلك ننتظر أن نرى ما إذا كان «أفاتار2» سيبقى هجيناً بين الواقع والخيال، ويمكنه التقاط أذهان الجماهير بالطريقة التي فعلها في المرة الأولى، وما إذا كان ذلك كافياً لضمان تكميلات أخرى بشخصيات وأحداث وتكنولوجيا جديدة، وأطفال جدد.
أعتقد أنه إذا كان هناك شيء يمكننا الاتفاق عليه جميعًا بعد العامين الماضيين على الأرض وما تعرضنا له من هجمة فيروس كورونا، فسيكون من الجيد جدًا العودة إلى آفاق «باندورا» المتوهجة قريبًا، ليرى العالم الوجبة التي طبخها جيمس كاميرون، وهل ستكون كصفعة قوية لمن يحاولون الفصل بين جمال الصورة وعمق القصّة وصناعة فيلم مُمتع؟!.