كان ـ «سينماتوغراف»: عبد الستار ناجي
يعود المخرج الفرنسي الجزائري الأصل رشيد بوشارب إلى الفيلم السياسي وتفكيك التاريخ الفرنسي عبر فيلمه الجديد «إخواننا»، بعد مسيرة سينمائية حافلة بالإنجازات التى تميزت دائماً بالعزف على إيقاع الألم ومقام العلاقات الجزائرية – الفرنسية، ومن بين تلك الأفلام (زر أحمر، شيب، السنغال الصغيرة، اندوشين، خارجون عن القانون، البلديون، شرطي بلفيل، ومثل النساء) وغيرها .
وفي «إخواننا» يأخذنا إلى أحداث الخامس من ديسمبر 1986 حينما اجتاحت فرنسا تظاهرات طلابية خاصة بطلبة الجامعات والكليات، في تلك الليلة قتل الطالب الفرنسي الجزائري الأصل عبدل بن يحي وهو يشارك في التظاهرات .. وبعد لحظات قليلة من ذلك الحادث يتعرض شاب جزائري الأصل آخر للإغتيال وهو في طريق عودته من إحدي السهرات الموسيقية وليس له اي علاقة بالتظاهرات والمتظاهرين الذين أشعلوا باريس والضواحي، يأتى اغتياله بعد تعرضه للعنف المجاني على يد ما سمي يومها – شرطة الموتسيكل – ويكلف ضابط الأمن دانييل ماثيو بالتحقيق ومتابعة الحادث وتفاصيلة، حتى يصل إلى القاتل من رجال الشرطة ويتم الحكم عليه بسبعة أعوام من السجن، وتظل أحداث الفيلم تتحرك في محور أساسي هو التفاصيل الدقيقة لذلك الحادث الذى تعرض له شاب أعزل يعشق فرنسا وينتمي إليها، وهو من أسرة جزائرية هي الأخري عاشت وتأقلمت وأصبحت جزءاً اساسياً من مكونات المجتمع الفرنسي.
فيلم يجمع بين ما هو وثائقي ودرامي، في قراءة وتفكيك ذكي عميق وثري وبحث سينمائي عال المستوي قام به رشيد بوشارب على صعيد الكتابة بمساعدة كوثر عظيمي، حيث الاستعانة بالأرشيف التلفزيون الفرنسي والتصريحات الخاصة بتلك الحادثة بالذات من قبل الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران ورئيس الوزراء يومها جاك شيراك، كتابة سينمائية لا تهادن وقراءة متأملة وتحليل ثري للتاريخ وإستعاده عميقة للحادث التى هز المجتمع والشارع الفرنسي.
«إخواننا» ليس مجرد فيلم بل وثقية الدم الذى شوه دور وممارسات الشرطة الفرنسية والإعتداءات الصريحة والواضحة، بل إن العمل يذهب بعيداً حينما يشير إلى أن تلك الفرقة – شرطة الموتسيكل – التى كانت قد أوقفت بعد تلك الحادثة تم استعادتها واستخدمها مجدداً في أحداث «الستر الصفراء» منذ ثلاثة أعوام .
مع رشيد بوشارب على الصعيد التقني مدير التصوير جويلمو دوفونتين، والموسيقي لأمين بوحافة، وإن نأخذ عليه الإستخدام المجاني وغير المبرر لمقدمة موسيقي أغنية «بتونس بك» لوردة الجزائرية.
عودة متميزة للسينما السياسية، حيث تظل الحادثة هي المحور والأساس بعيداً عن كل الهوامش التى عودتنا السينما أن تزدحم بها، حكاية الاغتيال وأدق التفاصيل الخاصة بالأسرة وأفرادها، وكذلك ظروف تلك الليلة سياسياً واجتماعياً، سينما لا تهادن كما هو شأن أفلام رشيد بوشارب الذى يظل يمثل شوكة في البلعوم حينما تعلق الأمر بقضايا الإنسان الجزائري والعربي والأفريقي، وفي فيلمه حضور لتلك الشخصيات يتجلي السنغالي الذي يعمل في ثلاجة الموتى والذى توقف عنده العمل بكثير من الاحتفاء.
رشيد بوشارب من تلك النوعية من المبدعين التى أمنت بدور وأهمية حرفته في التحول إلى سلاح مواجهة وتعرية ضد ملامح العنف التي قامت بها الشرطة الفرنسية في تلك الأحداث.
فيلم «إخواننا» بعنوانه يقول الكثير .. ولكن هل تبيح الظروف مهما بلغت وعصفت أن نغتال اخوتنا .. وهم جزء أساسي منا . إنها إشارات ودلالات مخرج نزق لا يري السينما إلا مخرز في العين من أجل تبيان الحقيقة بكل تفاصيلها وأسرارها الموجعة.