القاهرة ـ «سينماتوغراف»
تمتلئ المكتبة السينمائية المصرية بعشرات الكتب والدراسات والأبحاث التي تناولت السينما المصرية وتحولاتها عبر أزمنة مختلفة، ومن أبرزها التي انشغلت بالتحولات التي طرأت عليها من نهاية القرن العشرين الى سنوات العقد الأول من القرن الجديد، وانضم إلى هذه المكتبة مؤخراً واحد من الكتب المهمة للكاتب والناقد والباحث الدكتور وليد سيف، وحمل عنوان «السينما المصرية.. الواقع والآفاق»، وصدر عن سلسلة «آفاق السينما» في الهيئة العامة لقصور الثقافة.
ولم تكتف الدراسة التي جاءت في شكل موسع ومستفيض، واتضح كم المجهود الذي بذل فيها، وبدت وكأنها موسوعة شارك في إعدادها عشرات الباحثين، بتحليل الظواهر السينمائية التي شاعت خلال فترة معينة وتسعى إلى بحث أسبابها ووسائل علاجها، ولكنها تبني نتائجها على متابعة نقدية وتحليلية لمسيرة أفلامنا الروائية الطويلة عبر عقد ونصف العقد، وفقاً للترتيب الزمني لتاريخ عرضها من بداية 1997، وحتى نهاية 2011، كما أنها تعمل في نفس الوقت على عقد ما يمكن اعتباره دراسة، مقارنة بين أفلام فناني السينما الجدد والقدامى، وهى في طموح أكبر تسعى إلى تحديد وضع السينما المصرية في موقعها، ووفقاً لتفاعلاتها مع السينما العالمية، وما جد عليها من تغيرات وتطورات تقنية، وما أضيف إليها من إبداعات مضيئة ونماذج فنية مؤثرة على الفيلم في العالم، ورأى المؤلف أنه من الواجب إلقاء الضوء على فناني الفيلم الجدد في السينما المصرية في مجال الإخراج بوجه خاص، حيث إنهم وعلى الرغم مما تفرض تجارة السينما في مصر من منح النجم مساحة أكبر من التأثير، إلا أن البعض منهم استطاعوا أن يفرضوا بصمتهم، وأن يحققوا مستوى متقدماً للفيلم المصري في أعمالهم من الناحية السينمائية والفكرية قدر استطاعتهم.
وأشار سيف إلى أن الكتاب احتوى على بابين، الأول تضمن الجانب البحثي والظواهر الجديرة بالتأمل والحلول والمقترحات التي تمهد السبيل لخروج الفيلم المصري من أزمته، والتي بإمكانها أن تجعله يلاحق ثورة مجتمعية وفكرية يمكن أن يصحبها تغير جديد في النظام نحو دولة حضارية تؤمن بقيمة الفن ودوره في نهضة المجتمع، وتمنح السينما مزيداً من الاهتمام والدعم كفن جماهيري حقيقي يمكن أن يلعب دوراً كبيراً ومهماً في معركة التنوير وتنمية الوعي.
أما الباب الثاني، فتضمن القراءة التفصيلية التحليلية لأفلام الأعوام الـ15 بكل ما أحاط بها من ظواهر وظروف فنية واجتماعية وسياسية، وبكل ما شكلته قراءتها وقراءة ما أحاط بها من رؤية، وجاء هذا الباب بمثابة مرجع ومرشد للتأكد مما تم التوصل إليه، والتعرف على واقع السينما عبر قراءة شاملة لإنتاجها السنوي، مع التوقف أمام أهم نماذجها وأكثرها دلالة، وتعبيراً عن حالنا السينمائي بالسلب والإيجاب، وتم تقسيم الباب الثاني الى أربعة فصول، حيث كانت السنوات الخمس الأولى هي بداية لمرحلة، بينما شكلت السنوات الخمس التالية في رأي المؤلف ملامح ومتغيرات جديدة للمرحلة، وجاءت السنوات الثلاث التي أعقبتها لتشهد حالة جديدة من التوتر وتلون جديد للفيلم المصري، أما العامان الأخيران، فكان أحدهما هو العام السابق للثورة، والذي كانت بعض أفلامه رغم مشكلات السينما الاقتصادية الأكثر تعبيراً ووضوحاً وإرهاصاً بالثورة، أما العام الأخير وهو عام الثورة ذاتها، فهو امتداد لسابقه عبر ملامح مشتركة كثيرة، من أهمها صعود تيار السينما المستقلة وتواجدها في دور العرض لتشكل بحضورها ثقلاً وتزايداً لمساحة الفن الجاد والخارج عن الأنماط التجارية المعتادة.