«سينماتوغراف»: أحمد شوقي ـ برلين
13 دقيقة فقط من مساء 9 نوفمبر 1939 كانت كافية لإنقاذ العالم من حرب راح ضحيتها الملايين. 13 دقيقة تأخرت فيها القنبلة التي زرعها جورج إلسر لاغتيال الزعيم النازي هتلر، الذي كان قد بدأ قبل شهرين فقط حملته المجنونة لاجتياح العالم.
من هذا الحادث ينطلق الفيلم الألماني «إلسر» أو «13 دقيقة» حسب العنوان الإنجليزي. أحدث أعمال المخرج أوليفر هيرشبيجل، الذي يعرفه الجميع بفيلم «السقوط» «Downfall»، الذي رصد فيه آخر أيام النازية قبل سقوطها بنهاية الحرب العالمية.
هذه المرة يعود هيرشبيجل في فيلمه المعروض بالبرنامج الرسمي خارج المسابقة لمهرجان برلين الخامس والستين، يعود إلى بدايات النازية، وصعود شعبية الرايخ الثالث بدعواه العنصرية ضد اليهود والشيوعيين وأصحاب أي دين أو جنس أو معتقد مخالف. الدعوى التي انتشرت كالنار في الهشيم وأودت بالعالم لأسوأ حرب في تاريخه.
روح حرة رافضة
الفيلم يبدأ من ذروته، بالتحديد من محاولة الاغتيال التي فشلت بسبب تأخر جهاز التفجير الميكانيكي الذي صممه إلسر عن الموعد المحدد، لتنفجر القنبلة الضخمة في مبنى بميونخ بعد 13 دقيقة فقط من مغادرة هتلر للمكان الذي ألقى فيه إحدى خطبه الحماسية.
إلسر يقع في أيدي الشرطة قبل حتى أن تنفجر القنبلة، يتماسك في الاستجواب رافضا الكشف عن سبب وجود المحتويات الغريبة في جيوبه، حتى يسمع دوي الانفجار الهائل فيعتقد أن مهمته قد نجحت، قبل أن يكتشف نجاة الفوهرر فيبدأ في استعادة كل شيء، منذ أن كان شابا عاديا يعيش ويعمل ويبحث عن الحب والسعادة وسط أزمة اقتصادية طاحنة تضرب بلاده، حتى تسبب ما يحدث حوله في دفعه لاتخاذ قرار بحجم زعيم الحزب وقائد البلاد.
البطل ليس مسيسا ولا ينتمي لأي حزب أو جماعة، هو فقط يميل فطريا نحو اليسار، وهو ما حماه من التنكيل الذي يتعرض له أصدقاءه من أعضاء الحزب الشيوعي، والذين يساقون إلى معسكرات العمل بالسخرة وسط ترحيب مجتمعي بما يحدث لهم ولليهود ولكل من يقفون في وجه النازية.
فرصة أهدرها الفيلم
في الوصف السابق تكمن أكبر نقطة ضعف في الفيلم، أو للدقة أكبر فرصة أهدرها هيرشبيجل لعمل فيلم إنساني لأعمق من مجرد فيلم سيرة ذاتية جيد الصنع، وهي فرصة تفهم الأسباب التي أدت بالشعب الألماني لهذه الحالة، حتى لو اختلفنا معها. ففي النهاية الألمان لم يكونوا شعبا من مصاصي الدماء والقتلة، هم فقط خاضوا تجربة إفلاس وكساد إقتصادي ومجتمعي عنيفة، أنقذهم منها هتلر بإصلاحه المالي وإعلاءه للنزعة الوطنية، فساروا خلفه إلى حتفهم بسبب التصديق والتعاطف وليس لمجرد الرغبة في الشر وغزو الغير، كما يظهرهم الفيلم وتظهرهم كل الأفلام التي تتناول الحقبة تقريبا.
الطريف أن هيرشبيجل لم يقع في هذا الفخ بفيلمه الأشهر «السقوط»، بل كان أكثر حرصا وقتها على إظهار الجانب الإنساني في حياة سكان مخبأ هتلر خلال أيامه الأخيرة، وحتى في حياة هتلر نفسه، ولكن المخرج وقع هذه المرة في فخ التنميط المعتاد لصورة النازيين وأتباعهم، فأضاع فرصة ذهبية لصناعة عمل عظيم.
هذا لا يعني أنه فيلم سيئ أو حتى متوسط، فهو بالفعل فيلم جيد الصنع، متماسك ومحكم في السرد والإخراج والتمثيل، وهو ما ينتج عنه فيلما قابلا للمشاهدة والإمتاع، لكنه إمتاع في حدود التوقعات، إمتاع مماثل لأي فيلم سيرة ذاتية أمريكي عن حدث تاريخي وصاحبه، وهو هدف كنّا ننتظر من مخرج بحجم أوليفر هيرشبيجل أن يتجاوزه بكثير.