الجزائر ـ «سينماتوغراف»: فاطمة عبد الرزاق
تعكف إدارة مهرجان “إيمدغاسن” للفيلم القصير على تحضير النسخة الثانية المزمع تنظيمها مطلع شهر مارس المقبل بمدينة باتنة في شرق الجزائر، على أمل إرساء تقليد سينمائي جديد في البلد، وتقديم إضافة جديدة تغطي على التذبذب الذي يعيشه القطاع، خاصة التظاهرات المحلية والدولية الكبرى، التي تراجعت خلال السنوات الأخيرة لأسباب متباينة، على غرار الوضع الصحي العالمي، وتراجع إمكانيات الدعم الحكومي، ممّا أثّر على الحضور والهوية السينمائية للبلاد، رغم الأعمال والروائع التي وشّحت صدر الشاشة الفضية الجزائرية، خاصة في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
ويرى مدير الإعلام في مهرجان “إيمدغاسن” للفيلم القصير عبدالحميد بوحالة، بأنه “في بلد كالجزائر من المفروض أن تكون لديه العديد من المهرجانات السينمائية في كل الاختصاصات على غرار الدول العربية المجاورة، فرغم قلة التظاهرات والمهرجانات، كمهرجان وهران للفيلم العربي ومهرجان عنابة للفيلم المتوسطي ومهرجان الجزائر الدولي للفيلم الملتزم، إلاّ أنها توقفت لأسباب مختلفة وتأثّرت بالأوضاع السياسية التي وقعت في البلاد، وكذلك جائحة كورونا التي ساهمت كثيرا في شل النشاط الثقافي على وجه الخصوص”.
وعن كيفية تعامل إدارته مع المعطيات المذكورة في تنظيم مهرجان الفيلم القصير، يقول بوحالة “في ظل كل هذه الأحداث وفي عزّ أزمة كوفيد – 19 يتصدّر المشهد السينمائي بالجزائر مهرجان سينمائي جديد، تم تنظيم طبعته الأولى في أحسن الظروف وببرتوكول صحي محترم، مماّ جعل النسخة التأسيسية تكلّل بالنجاح ويصبح حديثا وحدثا سينمائيا لدى نجوم الفن السابع وفي القنوات والصحف”.
تحمل هوية وشعار المهرجان العديد من الدلالات الفنية والثقافية والتاريخية الراسخة في المجتمع الجزائري، فصاحب المبادرة هو المخرج السينمائي المتخصّص في الفيلم القصير عصام تعشيت، وهو شخصية سينمائية تملك في رصيدها خبرة واحتكاكا بالعديد من المهرجانات العالمية، وحائز على العديد من الجوائز والتتويجات في تظاهرات سينمائية محلية وإقليمية ودولية.
وأولى مؤسّس مهرجان إيمدغاسن وداعمه أهمية للفيلم القصير انطلاقا من رؤيته وتخصّصه، ورغبته في تحقيق حلم قديم من أجل لمّ شمل هواة هذا النوع من الأفلام، وعليه كانت غالبية أعمال الطبعة الأولى لمخرجين شباب، وهو ما يراه رهانا لخلق تميّز عن بقية المهرجانات الأخرى.
وتمّ توطين المهرجان في مدينة باتنة عاصمة منطقة الأوراس التاريخية، وجاءت التسمية لتخلد أول ضريح نوميدي في شمال أفريقيا، وهو قبر إيمدغاسن الموجود في المنطقة، وقد تمّ تنظيم النسخة الأولى في شهر مارس 2020 في أجواء خيّم عليها شلل غير مسبوق في النشاط السينمائي، لاسيما في ظل المصير المجهول للتظاهرات العريقة في البلاد.
ويذكر بوحالة في هذا الخصوص “لقد كنا على يقين أننا سننجح في هذه التجربة الحديثة، وكنا على يقين أيضا بأننا سنكسب الرهان، والأصداء الإيجابية التي خلفتها الطبعة الأولى شجعتنا على مواصلة العمل رغم قلة الإمكانيات المادية، وتواضع الدعم الذي نحصل عليه من قبل بعض المؤسّسات والشركات المحلية، غير أن تفاعل الناشطين والمهتمين في القطاع يعتبر ورقة هامة بين أيدينا للمضي قدما في التظاهرة وإرساء قواعد تقليد سينمائي في الجزائر”.
ويحمل المهرجان كأي تظاهرة سينمائية في العالم رسائل ومغزى ترويجيا تسويقيا لصورة معينة، وهو يريد أن يبرز قدرات الشباب الجزائري على إنجاز وتنظيم أي محفل يكون في مستوى صورة البلاد، كما يسعى من خلال توطينه في منطقة باتنة التاريخية لتعريف العالمين العربي والغربي بما تزخر به المنطقة من معالم وتراث وتاريخ عميق، وما اختيار الضريح النوميدي “إيمدغاسن” إلاّ دليلا على ذلك.
ويرى بوحالة أن المعالم السياحية المحيطة بالضريح كالمدينة الأثرية تيمقاد، هي موروث تاريخي وإنساني عميق، بإمكانه أن يحقّق للجزائر ما حقّقه مهرجان قرطاج لتونس، وجرش للأردن، والجونة لمصر، وأن الصورة والنجوم هما وسيلتان مهمتان لصناعة أي هوية فنية أو سياحية أو قيمة فنية لأي حدث في العالم.
ويبدو أن إدارة المهرجان أمام تحدّ حقيقي من خلال رغبتها في الاضطلاع بمختلف الأدوار والمهام التقليدية للتظاهرات الفنية في ظل الافتقاد إلى تجارب سابقة في هذا الصدد، فرغم الأموال الضخمة التي رصدت للعديد من المهرجانات، لم يجر تسويق الصورة اللازمة للبلاد، ورغم إسهام المؤسّسات الحكومية في تمويل مختلف التظاهرات، إلاّ أن القطاع الخاص بقي بعيدا عن المعادلة، ممّا خلق مشهدا مشوها لم تستفد منه لا السينما ولا القطاعات الشريكة لها.
وعن الإضافة المنتظرة من المهرجان في السينما الجزائرية يرى بوحالة بأنه “فضلا عن القطاعات الشريكة، فإن الإضافة المنتظرة من مهرجان إيمدغاسن السينمائي تتمحور في التخصّص في الأفلام القصيرة، والوصول به إلى مستوى التقليد السنوي يجعله مصدرا لاستقطاب العديد من المخرجين من الجزائر والعالمين العربي والغربي، فهناك العديد من المخرجين في بلادنا أنتجوا أفلاما قصيرة ولم يتمكّنوا من تسويقها وعرضها على الجمهور، وعامل الاستقرار والثبات سيكسبه مصداقية لدى كبار الفاعلين والنجوم، الأمر الذي سيسمح باستقطاب فرص استثمار ورؤوس أموال للنهوض بالإنتاج السينمائي في البلاد”.
أما عن حظوظ صمود المهرجان وثباته في ظل التذبذب الذي يخيّم على المشهد الثقافي والفني بشكل عام في الجزائر يقول بوحالة “الصمود والثبات هما هاجسنا مند اللحظة الأولى لميلاد المهرجان، لاسيما وأن أغلب المهرجانات في الجزائر متوقفة ومتذبذبة التنظيم مع اختفاء البعض منها ليس في السينما فقط، حتى في المجال الفني، وهذا راجع إلى عدة اعتبارات منها الأحداث التي وقعت مع بداية الحراك وكذالك الظروف السياسية التي عرفتها البلاد، كما أن أغلب المهرجانات كانت تحت وصاية وزارة الثقافة والفنون التي عجزت عن تنظيم أي مهرجان منذ سنوات لأسباب معروفة وأخرى غير معروفة، ونحن نأسف لهذا الوضع”.
واستقبل المهرجان إلى الآن أكثر من ألفي فيلم من شتى أنحاء العالم، وهو لديه كباقي المهرجانات شروط معينة لا بد أن تتوفّر في أي فيلم يشارك في المسابقة، منها ألاّ تتعدّى مدته الثلاثين دقيقة، وأن يكون تاريخ تصويره أقل من سنة وألاّ يكون قد عرض من قبل في أي مهرجان، كما تمّ إطلاق بانوراما الأوراس الخاصة بالمخرجين الشباب من المحافظة المحتضنة للمهرجان، فضلا عن الكشف قريبا عن مسابقة لمصمّمي ملصقات المهرجان للمساهمة في إبراز القدرات التشكيلية والتصميمية لدى الشباب الموهوب.
وعن تفاصيل برامج المهرجان المذكور، يضيف بوحالة بأنه يتضمّن “السجاد الأحمر، واللقاءات السينمائية والندوات والتكريمات، فضلا عن أفلام طويلة خارج المسابقة الرسمية، على غرار ‘يد مريم’ للمخرج يحيى مزاحم، و’هيليوبوليس’ للمخرج جعفر قاسم، أما الجوائز فهي أفضل فيلم قصير، وأفضل إخراج، وأفضل سيناريو، وأفضل تصوير إلى جانب جائزة لجنة التحكيم”.