نعمة الله حسين تكتب عن الفيلم الفائز بالجائزة الكبرى فى «كان»
ما أكثر المذابح التى ترتكب فى حق عالمنا العربى دون أن يرمش للعالم جفنا، ودون أن تهتم وسائل الإعلام العالمية بالمجازر التى تحدث فى حق الأطفال والنساء والعجائز فى فلسطين و العراق وسوريا وليبيا، وما أكثر ماعانت منه دولنا العربية من الخليج الى المحيط من بطش المستعمر، لكن لم نرى أو نسمع من يتحدث عن هذه الوحشية القمعية كما يحدث مع اليهود وحرق النازية لهم، نحن لسنا ضد اليهود ولا مع التعذيب أو الحرق، لكن قضيتهم أصبحت «ماسخة» تناولتها مئات الأفلام .. وباتوا يتاجرون بها فى كل مكان.. وأصبحت جواز مرور للجوائز فى المهرجانات العالمية.
وفى دورة مهرجان كان هذا العام عرض داخل المسابقة الرسمية الفيلم المجرى «إبن ساول» للمخرج «لازلو نيمس»، ومنذ عرضه الأول كان الجميع يرشحونه للفوز بالسعفة الذهبية، ليس لمستواه الفنى المتميز، لكن لقضيته التى يطرحها وأهميتها لدى المشاهد والسينمائى الأوروبى الذى لازال يشعر بالذنب الشديد لما إقترف فى حق اليهود.. بينما يغمض عينيه ويسد أذنه لما يحدث من مجازر فى بقية أنحاء العالم، لذلك لم يكن من قبيل المفاجاة أن يحصل «ابن ساول» على الجائزة الكبرى خاصة وانه حصل على جائزة «الفيبرسى» التى يمنحها الاتحاد الدولى للنقاد.
تقع أحداث الفيلم فى أكتوبر 1944 داخل أحد معسكرات اعتقال اليهود، حيث يجمعونهم لقتلهم بالغاز وبعد ذلك يقومون بحرق جثامينهم، فى هذا المعسكر يعمل بعض اليهود على تنظيف المكان وحرق جثث زملائهم.. وهم فى نفس الوقت يحاولون الحصول على أسلحة للفرار.. وفى أحد الأيام يعثر ساول على جثمان فتى فى العاشرة فى نفس عمر إبنه المفقود، ويجد الفتى لازال يتنفس رغم خنقه بالغاز، يقرر عمل المستحيل للإحتفاظ بالجثمان لكي يقوم بدفنه، وبالفعل ينجح فى الخروج بالجثمان من المعسكر، لكنه أثناء عبوره النهر يغرق الجثمان، ويقوم جنود النازى بتعقبه.
الفيلم ملئ بالمشاهد العنيفة لجثث وأجساد اليهود أثناء إعدامهم عرايا وقبل حرقهم فى الأفران، ومنذ بداية الفيلم تعمد المخرج أن تبدو الصورة «مشوشة» وبلا ملامح واضحة، لكى يشعر المتفرج أنه داخل الصورة ويشكل جزءا منها .
ويقول «لازلو» أنه منذ عدة أعوام عثر على رواية «أصوات تحت الرماد» والتى تتضمن إعترافات بعض العمال اليهود الذين نجوا من المحرقة، وكانت مهمتهم تجهيز بنى جنسهم للإعدام بالغاز، بخلع ثيابهم وتنظيف المكان بعد إعدامهم، ويؤكد المخرج أن أفراد كثيرة من عائلته تم قتلهم وإعدامهم وأن ذلك يمثل «ثقب فى ذاكرة» كل يهودى.
كما يعترف لازلو أنه يدين فى كتابة السيناريو للرواية الأصلية لأنها قامت بأبحاث عديدة لتصل فعلا الى مجموعة كبيرة من الأسماء التى مثلت شخصيات الفيلم، وكان البعض شاهدا على ماحدث، واستطاع أن يخفى شهادته.
وبطل الفيلم ليس ممثلا محترفا بل هو فى الأصل كاتب روائى وشاعر يعيش فى نيويورك التقى به المخرج منذ عدة سنوات وظل وجهه محفورا أمام عينيه، وعندما بدأ التجهيز للفيلم قفزت صورته الى ذاكرته ووجد أنه أفضل من يجسد الشخصية الرئيسية فى الفيلم.
الفيلم هو العمل الروائى الرابع لمخرجه المولود عام 1977 فى بودابست، وبعد الإنتهاء من دراسته الجامعية للتاريخ والعلاقات الدولية، سافر الى باريس، وبدأ العمل كمساعد فى اخراج لعدد من الأفلام القصيرة والطويلة، ولمدة عامين كان مساعدا اللمخرج المجري بيلا تار ثم اتجه لدراسة الإخراج، وقدم بعدها عددا لابأس به من الأفلام القصيرة التى حصلت على العديد من الجوائز الدولية.