«اشتباك».. الفيلم الأكثر اثارة للجدل فى 2016

ـ يرفع اسم مصر عاليا فى أكبر مهرجان عالمى ويواجه اتهامات عديدة داخل بلده

ـ هل ينحاز للاخوان أم يهاجمهم، ومع الدولة أم ضدها؟

ـ توم هانكس يطالب الجمهور بمشاهدته وخالد يوسف ينحني لصناع الفيلم

ـ يحقق 2 مليون جنيه في أقل من أسبوع وصناعه يحذرون من مخطط لمنعه

بقلم: إنتصار دردير

لكل انسان نصيب من اسمه، ولكل فيلم أيضا.

وفيلم «اشتباك» الذى بدأ عرضه التجاري قبل أسبوع أثار كثيرا من الاشتباك والجدل منذ عرضه الأول بمهرجان كان السينمائى «مايو 2016». 

التليفزيون المصرى كان أول من ضرب «كرسى فى الكلوب» قبل عرضه وقالت مذيعته أمانى الخياط فى برنامج «أنا مصر» أن الفيلم  يشوه مصر، فى الوقت الذى  كان يرفع اسمها فى أكبر وأهم مهرجان سينمائى عالمى بعد غياب سنوات ويحصد اشادة كبيرة من الصحافة العالمية.

وتوقعنا أن يحدث الاشتباك الأكبر مع عرضه الجماهيرى، وقد حدث..

البعض أتخذ موقفا مسبقا من الفيلم قبل أن يشاهده، واختلفت آراء من شاهدوه – ولاشك أن اختلافهم رحمة – ففريق يراه يمجد الداخلية والبعض يراه يسيئ اليها، وهاجمه الاخوان باعتباره ينتقدهم بعنف، وقال عنه الثوار أنه ينحاز للاخوان، وهناك من يراه ضد الدولة، وآخرين يؤكدون أنه «يدافع عن الدولة قلبا وقالبا»، وهناك من يحسبونه على ثورة يونية وكثير يرونه ضد ثورة 25 يناير، بل الاعجب وجود جمهور يخاف مشاهدته، وتبدو حالة من الترقب بين الكتابات النقدية، تنتظر حتى تتأكد بوصلة الاتجاه العام للفيلم، خصوصا أن الرقابة التى أجازته دون ملاحظات سلبية ودون حذف مشهد واحد منه، عادت، مع عرضه الجماهيرى وطالبت بكتابة عبارة فى مقدمة التتر «بعد ثورة 30 يونية قام الاخوان باشتباكات دامية لايقاف الانتقال السلمى للسلطة».

لماذا كل هذا اللغط؟

منذ فجر تاريخ السينما المصرية والفيلم السياسى يواجه كثير من التعنت والاضطهاد، لأننا لانعترف بثقافة الاختلاف «من حقك أن تختلف مع الفيلم وصناعه، أن تصعد به الى عنان السماء أو تهبط به للأرض دون أن تتهمه بالعمالة والخيانة والتشويه والتحريض».

من «لاشين» الى «زائر الفجر» الذى مات مخرجه ممدوح شكرى كمدا بسببه، ومن «شئ من الخوف» الى «الكرنك» حتى «زوجة رجل مهم» و«هى فوضى»، لابد من تدخلات عليا تتم للافراج عن الفيلم، أشاعوا أن عتريس هو عبد الناصر فإذا بالرئيس يتدخل ويمنح الموافقة بعرضه، وأعطى السادات الضوء الأخضر لعرض «الكرنك»، وبعد سنوات من عرضها نكتشف قيمتها.

ورغم كل التغيرات التى طالت المجتمع المصرى، وبعد ثورتين متتاليتين لاتزال فكرة «التخوين» تسيطر على الكثيرين.

«اشتباك» هو فيلم سياسى، ولأن السياسة صارت طعام الناس فى كل وقت، فقد ناله كثيرا من التشويه دفع مخرجه الشاب محمد دياب ليقول «هناك مخطط لمنع عرض الفيلم بطرق احترافية».

لماذا اختاره مهرجان كان؟

لم يأت اختيار ادارة مهرجان كان السينمائى العريق للفيلم ليشارك فى مسابقة «نظرة ما» وتفتتح به هذه التظاهرة المهمة الا لأنه فيلم جيد توافرت له عناصر التميز شكلا ومضمونا، يلامس انسانيا مع البشر فى كل مكان، واختارته «هوليوود ريبورتر» واحدا من أفضل عشرة أفلام بمهرجان كان 2016، وقالت «سكرين انترناشيونال» أن «اشتباك» سيكون واحدا من أكثر الأفلام الجذابة لمديرى المهرجانات السينمائية فى العالم هذا العام، وقال النجم الأمريكى توم هانكس «يجب عليك مشاهدة الفيلم وسيحطم قلبك لكن سينيره».

المشاهدات الغربية للفيلم تشاهد الصورة من الخارج، تراه صادقا وصادما مصنوعا بشكل جيد، لكننا نراه بحسبة أخرى، هو عمل جرئ، متوازن بشكل كبير يرسل رسائل مباشرة وأخرى رمزية، ومابين السطور اشارات قد تحمل أكثر من معنى، أسئلة كثيرة تبحث عن اجابة لدى الجمهور.

هل الفيلم يهاجم الداخلية؟

لايهاجمها، لكنه يدينها ضمنيا فى بعض مشاهد لطريقة تعاملها مع المتظاهرين (هناك قضايا عديدة أدين فيها ضباط)، لكن الفيلم لاينفى جهود الشرطة عموما ومافقدته من شهداء فى صفوفها سالت دمائهم وهم يؤدون واجبهم بشجاعة، وفى أحد مشاهد الفيلم يقوم قناص باطلاق الرصاص على عميد الشرطة خلال المظاهرات، يسقط مضرجا فى دمائه، يحمله الجنود الى السيارة، يمسك أحدهم بتليفون الضابط ويتحدث: حضرتك حرم سيادة العقيد؟ البقية فى حياتك، يؤكد الفيلم أن الدماء التى تسقط واحدة، دماء المصريين.

وهل ينحاز للاخوان؟

 لاشك ان «اشتباك» هو أول فيلم يتعرض للاخوان المسلمين بعد أن أنهت ثورة 30 يونية حكمهم وعزل الرئيس السابق محمد مرسى، والبعض يرى أنه ينحاز لهم، لكن من وجهة نظرى يكشف كثيرا من أساليبهم فى التنظيم والتفكير بعد أن يتم القبض على مجموعة منهم سرعان ما يقومون بتنظيم صفوفهم واختيار احدهم وينصبونه قائدا لهم فى سيارة الترحيلات يأتمرون بأمره ويتبعون فتواه، ويتخذون جانبا لهم داخل العربة الضيقة «الناس دى مش بتلعب».

ويعزز هذا الاتجاه وجود اسم الداعية الاسلامى «معز مسعود» خريج الجامعة الأمريكية ضمن الجانب المصرى المشارك فى انتاجه مع المنتج محمد حفظى – الى جانب مشاركة كل من فرنسا والامارات – وقد آثار ظهوره خلال عرضه الاول بمهرجان كان كثيرا من التكهنات حول دخوله الانتاج السينمائى، وتعرض بعدها لهجوم شديد من الاخوان والثوار على السواء.

وهل يدعو لفكرة المصالحة؟

يرصد الفيلم حالة الانقسام بين الفرق المتناحرة والمتصادمة، داخل السيارة وخارجها، يبدأ الاشتباك بينهم لفظيا، تتصاعد حالة التربص، يقول قائد مجموعة الاخوان لرفاقه بصوت مسموع للفريق المنحاز للثورة «لما نرجع للحكم كل حاجة هترجع زى ماكانت»، ولذلك فإن العمل يدين فكرة الانقسام، وينحاز للانسان فى المقام الأول، فيعرض لمواقف انسانية، الممرضة نجوى «نيللى كريم» التى خرجت تقذف سيارة الشرطة بالطوب حتى يأخذونها ضمن المقبوض عليهم لتلحق بزوجها الموظف «طارق عبد العزيز» وابنها الصبى «أحمد داهش»، ورغم أنهم جميعا شاركوا فى مظاهرات مناهضة للاخوان الا أنها لا تتوانى عن علاج أحد مصابيهم فى السيارة الذى يشترط «بس من غير لمس»، كما تجمع المتظاهرين لحظات انسانية حينما يتشاركون فى شرب زجاجة مياه واحدة، ويغنون ويضحكون مع «مطرب الغاز» الاخوانى السمين الذى يؤدى دوره  بخفة ظل «محمد جمال»، وجاء مشهد النهاية شديد الاتقان مستعينا فيه المخرج بإضاءة الليزر وهى تبرق فى ظلمة الليل حينما يقوم أحدهم باختطاف السيارة وتتعرض للانقلاب، وهنا يحذر من حالة الانقسام فى المجتمع ويطرح انه لابديل عن توقف العنف، بل يرسل برسائل رمزية ليستنتجها المشاهد ويعمل عقله، ليست صريحة ولا مباشرة وإلا تحول الفيلم الى منشور سياسى، وهو ليس كذلك.

من حق صناع الفيلم أن يطرحوا رؤيتهم ومن حق المتفرج أن يقبلها أو يرفضها، ولكن هل المجتمع مهيأ لطرح دعوة المصالحة الآن، أشك فى ذلك تماما.

وبعيدا عن كل مايحمله من رسائل رمزية، فان الفيلم يتعرض لقضية تهم المجتمع، بعد ان عانينا لسنوات طويلة من سينما سطحت العقول، والأهم انه يحقق متعة المشاهدة فطوال 97 دقيقة يحتفظ بايقاع لاهث، خاطف، مثير، تتوالى مشاهد الفيلم فى قسوة وعنف تدفعك لتعيش حالة من حبس الأنفاس، تخترق أذنيك أصوات الرصاص الحى وتختنق لزحام سيارة الترحيلات ولهيب الجو، وتنهال عليك خراطيم المياه الساخنة فى الحر القائظ، وتجد نفسك محاصرا مثل أبطاله لتكتشف مع الوقت انك صرت جزءا من تلك الرحلة المرعبة التى يعيشها أبطال الفيلم فتقاسمهم الوجع والألم، والخوف جراء الخطر –داخل العربة وخارجها- الذى يحدق بالجميع، والرعب الذى يسكنهم، انها لحظات شديدة الانسانية ترصد حالة من الفوضى اختلطت فيها كل الأشياء.

ماهي عناصر تميزه؟

تتحرك الكاميرا طوال مشاهد الفيلم فى مساحة لاتتجاوز ثمانية أمتار لترصد حركة 25 ممثل وممثلة، يستعين فيها المخرج بكاميرا دقيقة بمواصفات خاصة، لتتمكن من المناورة فى هذا الحيز الضيق الذى تستعرضه مع أول المشاهد والسيارة لاتزال فارغة قبل أن تمتلئ بالمقبوض عليهم، وهو ليس أول عمل سينمائي يجرى تصويره فى حيز ضيق فقد فعلها المخرج الكبير صلاح ابو سيف فى فيلمه «بين السماء والارض» 1959 الذى جرى تصويره داخل مصعد معطل.

وتتفوق عناصر عديدة فى الفيلم فى مقدمتها التصوير الذى تتحرك فيه الكاميرا بتسارع شديد تلاحق حالات الاشتباك داخل وخارج السيارة، تراقب مايجرى فى الخارج من نافذة العربة وأبوابها التى تفتح بين وقت وآخر، بمدير التصوير المبدع أحمد جابر، وتختفى الموسيقى التصويرية لخالد داغر وسط أصوات الرصاص، وتظهر على استحياء فى مشاهد مؤثرة، ويبرع مونتاج أحمد حافظ محافظا على ايقاع الفيلم منذ اللحظة الاولى، حوار الفيلم الذى كتبه المخرج وشقيقه خالد دياب كان يحتاج تكثيفا اكثر فى بعض المشاهد خاصة قبل مشهد النهاية، أما التمثيل فقد أجاد المخرج اختيار ممثليه بعيدا عن حسابات النجومية.

الجمهور عايز كده

في أقل من أسبوع من بدء عرضه حقق الفيلم ايرادات بلغت 2 مليون جنيه، وهو نجاح كبير يحسب له، واذا سار على هذا المعدل يستطيع أن يحقق طفرة ، خاصة وهو يلعب بمفرده، اذ يأتى عرضه بعد موسم عيد الفطر ولاينافسه الآن سوى فيلمي «سطو مثلث» و«الباب يفوت أمل» ولهما جمهورهما المعروف، لكن هل يستطيع «اشتباك» الذى بلغت تكلفته (20 مليون جنيه) أن يحقق نجاحا تجاريا؟.

الفيلم يعول كثيرا على نجاحه فى مصر وسط جمهوره الأساسى، فرغم مشاركة دولة الإمارات فى انتاجه وترقب عرضه بها ودول عربية وخليجيه أخرى الا أنه ثبت بالتجربة أن الجمهور العربى لايقبل سوى على الأفلام الكوميدية أو الأكشن المصرية، وماعداها لايحقق نجاحا، اذن فالجمهور المصرى هو الأساس، والمقياس، والحكم، المهم أن يذهب الناس لمشاهدة الفيلم دون أفكار مسبقة ليحدد كل منهم رأيه بعيدا عن أى توجيه أو تأثير.

https://www.youtube.com/watch?v=trE96oADTpc

 

Exit mobile version