اغتالوا ناجى.. وظلموا نور

«سينماتوغراف» ـ نعمة الله حسين

ولدت حيث ولد المسيح بين طبرية والناصرة بقرية الشجرة فى الجليل الأعلى، أخرجونا عام 1948 وعمرى 10 سنوات الى مخيم عين الحلوة بلبنان، اذكر هذه السنوات العشر أكثر مما أذكر بقية عمرى، أعرف العشب والحجر .. والظل والنور هناك، لاتزال صورها ثابتة فى محجر العين وكأنها حفرت حفرا، أرسم لا أكتب أحجبة، لا أحرق البخور، فقط ارسم، اذا قيل أن ريشتى تشبه مبضع الجراح أكون قد حققت ماحلمت به طويلا بتحقيقه، لست مهرجا ولست شاعر قبيلة، لست محايدا وانما منحازا لمن ينامون فى مصر بين قبور الموتى، ومن يخرجون من حوارى الخرطوم ينزعون بأيديهم سلاسلهم، ولمن يقرأون كتاب الوطن بالمخيمات، أنا ناجى العلى رسام الكاريكاتير العربى الفلسطينى مبدع شخصية حنظلة هكذا يقدم ناجى العلى نفسه فى بداية الفيلم الذى يحمل سيرته الذاتية ومعه حكاية الشعب الفلسطينى، وهو من اخراج عاطف الطيب وتأليف بشير الديك والاشراف السياسى لوليد الحسينى، موسيقى مودى الامام وتصوير محسن أحمد.

نجح عاطف الطيب فى تقديم أحد أفضل أفلام السيرة الذاتية حيث حرص على كل التفاصيل الدقيقة التى لازمت الشخصية منذ طفولته وحتى اغتياله فى لندن على يد “بشار سمارة “.

ناجى العلى الذى عرف حياة المخيمات فكانت رسوماته أقوى من القنابل وقد انتقد سلبية الأنظمة العربية تجاه القضية الفلسطينية، انتقد من باع الارض وخان ووضع يده فى يد العدو الصهيونى فكان لابد من اسكاته من قبل فلسطينين وأنظمة عربية واسرائيل. كان شجاعا فى الحق، وكذلك كان نور الشريف، هذا الفنان المصرى، العربى، المثقف الذى استطاع أن يتقمص روح ناجى، قابضا على الشخصية بأدق تفاصيلها، متقنا للهجة الفلسطينية، فأعاده للحياة، رغم انه لم يمت ومازال حيا فى قلوب وعقول كل من عرفوه.

 

وايمان نور بالقضية الفلسطينية كان وراء موافقته على القيام بهذا الفيلم حتى أنه شارك فى الانتاج ليعانى من صعوبات مالية بعد ذلك وبسببه تعرض لهجوم حاد لمدة خمس سنوات بعد ان تم منع عرض الفيلم فى مصر عقب عرضه الاول فى مهرجان القاهرة، وكذلك منع عرضه فى أغلب الدول العربية حتى قيل ان ياسر عرفات كان أحد قادة هذا الهجوم وأنه جاء الى مصر من أجل ذلك. لم يلتفت نور الشريف لهذا الهجوم رغم الألم الذى عاشه والظلم الذى تعرض له، لأنه كان يؤمن بما يقدمه ومن مناصرته لحرية الابداع، وشنت مؤسسة أخبار اليوم عليه حملة شرسة قادها ابراهيم سعدة رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم فى ذلك الوقت ارضاء للسلطة السياسية فى مصر. لقد حاربوا نور الشريف وحاولوا اغتياله معنويا وتجاهلوا اعماله الفنية الجدية وسعوا لتشويه تاريخه الفنى. تألم نور الشريف كثيرا لكنه لم ينكسر وقاوم نظاما سياسيا كان فى عنفوانه، وذلك لايمانه بحرية الفن والتعبير وان هناك فرقا بين الخلاف والاختلاف والخيانة. بقى نور صلبا مدافعا عن ناجى  وحنظلة .. ليترك مع عاطف الطيب ملايين من المخلصين الشرفاء المحبين والعاشقين لفن التمثيل، الذى أعطاه نور حياته واستحق التكريم فى كثير من المهرجانات وأحدثها مهرجان دبى السينمائى 2014.

Exit mobile version