اكتشاف سينمائي فلسطيني بديع في أبوظبي السينمائي

 

اكتشاف سينمائي فلسطيني بديع في «أبوظبي السينمائي»
عامر الشوملي… يتألّق مبدعاً في «المطلوبون الـ18»
“سينماتوغراف” ـ أبوظبي: بشار إبراهيم
 
حمل اليوم الثاني من الدورة الثامنة لـ«مهرجان أبوظبي السينمائي» اكتشافاً سينمائياً فلسطينياً بديعاً، من خلال فيلم «المطلوبون الـ18»، الذي يصعب تصنيفه على مستوى النوع، ما بين الفيلم الوثائقي، وفيلم الـ«دوكيودراما»، وفيلم التحريك، وفيلم الدمى، ليمكن الانتهاء إلى أنه من النوع الإبداعي، الذي يمزج ما بين الأنواع جميعها، دون أن يأبه بالحدود الفاصلة بين هذا وذاك، بما يخدم فكرته وهدفه ومقولته.
 
في الندوة التي أعقبت العرض الدولي الأول للفيلم، في «مهرجان أبوظبي السينمائي» (مساء 24 أوكتوبر 2014، في قاعة سينما فوكس4، بمارينا مول أبوظبي)، بعد عرضه العالمي الأول في تورنتو (6 أيلول/ سبتمبر)، لم يكن سؤالنا للمخرج عامر الشوملي عابراً، إذ كان هاجسنا التساؤل عن الضرورة الفنية والتقنية التي دفعت هذا المخرج الفلسطيني الشاب، ابن بلدة «بيت ساحور»، وخريج جامعة «بير زيت»، لاعتماد هذا الأسلوب الفني والتقني، الذي قال إنه استغرق منه قرابة 5 سنوات من الجهد والعمل، لينتهي الفيلم إلى الصورة التي شاهدناها خلال 75 دقيقة.
 
وفي حين أكّد انتشال التميمي، مدير البرامج العربية في «أبوظبي السينمائي»، ومدير منحة «سند»، خلال تقديمه للعرض أن هذا الفيلم نال الدعم خلال مرحلتي التطوير والإنتاج أو ما بعده، يبقى السؤال قائماً عن الاختيار الفني والتقني الذي شاءه المخرج، ووافقه المنتجون والداعمون، خاصة وقد علمنا من مصادر متعددة أن ميزانية الفيلم تجاوزت المليون ومئتي ألف دولار، تكاتف جهات إنتاجية متعددة عربية أجنبية على توفيرها لتحقيق هذه الفيلم.
 
لابد من الاعتراف هنا، أنها كانت المرة الأولى التي نسمع بها باسم هذا الفنان الشاب؛ عامر الشوملي، وكنا بحاجة لمشاهدة متأنية لفيلمه الأول، لإدراك مدى قدرات وإمكانيات هذا المبدع الفلسطيني، بما يضعنا أمام حقيقة أن المعرفة المستقرة إنما هي شكل من أشكال الجهل، إذ سنجد أنفسنا أمام جيل جديد يخرج من بيننا الآن، له رأيه وصوته واقتراحاته التي ينبغي الانتباه إليها، والانحناء احتراماً أمامها.
 
 
يشير موقع جامعة بيرزيت (http://alumni.birzeit.edu/ar/node/28156)، إلى أن عامر الشوملي قد تخرج في جامعة بيرزيت عام 2003، بتخصص الهندسة المعمارية، وحصل على شهادة ماجستير في الفنون الجميلة، تخصص رسوم متحركة من بريطانيا. وأن له العديد من الأعمال الفنية، ويستخدم الرسوم المتحركة والكاريكاتير، بالإضافة إلى الملصقات، للتفاعل مع المحيط السياسي والاجتماعي الفلسطيني اليومي. وله كتاب «كومكس»، ومنشورات وقصص أطفال. وقد أسس لبرنامج دبلوم الرسوم المتحركة في جامعة بيرزيت، وهو أحد مؤسسي «زان ستوديو» في رام الله.
 
ولكن سنبقى بحاجة لمشاهدة «المطلوبون الـ18»، لندرك أن هذه المعلومات المصمتة تخفي خلفها وبين أسطرها فناناً شاباً مبدعاً من الناحية الفنية والتقنية، منتمياً في شكل جوهري من الناحية المضمونية والموضوعية، إلى درجة أن يؤكد في تقديمه لفيلمه أنه يسعى لكي تتعرّف الأجيال الراهنة والمقبلة على مراحل وفترات عاشتها أجيال سابقة، وسطرت من خلالها ما ينبغي أن يستعاد، للاستذكار، والفهم، والاتعاظ، والاقتداء.
 
سرعان ما سيتبدى لنا أن الغاية والهدف من فيلم «المطلوبون الـ18»، تقديم تحية إكبار وإجلال، وإبداء وقفة احترام، واستعادة لجوانب مضيئة من نضالات أهالي بلدة «بيت ساحور» خلال الانتفاضة الفلسطينية الشعبية الكبرى (1987 – 1993)، تلك الانتفاضة التي كان لها، وبما يتناقض من عظمة أدائها، ورقيّ أفعالها، أن ترسو على شواطئ اتفاقيات أوسلو (سبتمبر 1993)، التي وجد فلسطينيون كثيرون فيها خيبة لا تضاهى.
 
من عايش تلك المرحلة الباهية من نضالات الشعب الفلسطيني، يدرك ما معنى «الانتفاضة»، وما الذي حققته على الصعيد الذاتي الفلسطيني، والمحيط العربي، والمستوى العالمي، إلى درجة أن أدخلت كلمة «انتفاضة» في قواميس اللغات العالمية. ومن عايش تلك المرحلة الزاهية من أشكال النضال الشعبي، يعرف أي نموذج قدمته بلدة «بيت ساحور»، والإبداعات التي سطّرتها، في إثراء للُّحمة الوطنية الفلسطينية، وإغناء لمعنى الثورة والمقاومة، خاصة بمعناها السلمي.
 
 
يرصد عامر الشوملي فيلمه «المطلوبون الـ18» وقفة وفاء لأبناء بلدته «بيت ساحور»، ويمنحهم الفرصة لقول جوانب من تجاربهم التي حققوها، خلال الانتفاضة الكبرى، متخذاً من حكاية فريدة متكئاً وذريعة لقول الكثير. لن يتردد الشوملي في القول إنه اختار الحديث على لسان البقر للدفاع عن حقوق البشر، فربما ثمة من هناك، في الغرب، من يتضامن مع البقر أكثر من البشر.
 
حادثة حقيقية حصلت إبّان الانتفاضة يستعيدها الشوملي، دون أن يكتفي بها، ففي حين عمد من خلال التحريك والدمى إلى «أنسنة البقر»، لم ينس أبداً التوقف أمام إنسانية الإنسان الفلسطيني الحقيقي؛ الشهيد أنطون الشوملي (ابن عمه الذي لم يعرفه إلا من خلال ملصقاته كشهيد)، ونضالات رجال ونساء من أبناء البلدة، لا يفرّق بينهم دين أو مذهب، أو شهادة علمية، أو مستوى خبرة، إذ باندماجهم جميعاً في سياق نضال وطني سلمي لا عنفي، يغدون على قدر من التعاون والمساواة، لا يرتقي فوقهم إلا الشهيد الذي يثبت أن للحرية ثمن غال، لابدّ من دفعه.
 
«المطلوبون الـ18»، رهان سينمائي للعام المقبل، سيحظى بالكثير من الحضور، والقبول، والاحتفاء، ففيه من الجهد الفني والتقني ما هو جدير بالاعتبار والتقدير، وفيه من الفكرة والموضوع قدر من توازن ذكي سوف يمرره إلى شاشات وعقول وأفئدة، لم تتخرّب بعد.
 
 
Exit mobile version