الأفلام السعودية في دبي السينمائي: مخرجون مبدعون.. وآخرون تائهون

 

دبي ـ رجا المطيري

عرض مهرجان دبي السينمائي خلال اليومين الماضيين ستة أفلام لمخرجين سعوديين، ترواحت في قيمتها بين الجيد والرديء، وفي شكلها بين أفلام بسيطة تروي حدثاً بسيطاً بوعي وإدراك، وبين أفلام مركبة تذهب نحو الجانب الشكلي الجمالي؛ بعضها ممتاز والبعض الآخر تائه لا يعرف ما الذي يريده. وهنا قراءة لهذه الأفلام، مرتبة من الأفضل إلى الأسوأ:

بدر الحمود.. الأكثر نضجاً

رغم بساطته الشكلية إلا أن فيلم “فضيلة أن تكون لا أحد” يعد الأفضل والأعمق والأذكى ليس بين الأفلام السعودية فقط بل أيضاً بين مجمل الأفلام الخليجية التي عرضت في مهرجان دبي السينمائي. يروي الفيلم قصة رجل –يؤدي دوره إبراهيم الحساوي- يقف في عرض الطريق بحثاً عن سيارة تلتقطه وتوصله إلى وجهته، فيقف له شاب –يؤدي دوره مشعل المطيري- ويركب معه، وينشأ بين الاثنين حوار صريح حول أدق تفاصيل حياتيهما.

https://www.youtube.com/watch?v=WqpTZHGuOs8

الفيلم عبارة عن مشاهد “حوار” طويلة بين هاتين الشخصيتين، وعلى مستوى الشكل الخارجي لا يبدو أن الفيلم يقدم أبعد من اثنين يقولان لبعضهما أحاديث عابرة، لكن بدر الحمود يذهب لمنطقة أعمق تدور في قلب “الحوار” ذاته؛ يديره بذكاء، ويجعله ميداناً للحدث، تتطور من خلاله الفكرة حتى تصل إلى مستوى النضج مع لحظة النهاية التي تلتقي هي الأخرى مع عنوان الفيلم “فضيلة أن تكون لا أحد”.. أي أن تكون شخصاً مجهولاً بالنسبة للآخر حتى تستطيع أن تبوح بأسرارك العميقة بصراحة وبلا خوف.

محمد سلمان.. يفكك الأسطورة

في فيلمه المعنون بـ”ثوب العرس”، يذهب المخرج محمد سلمان نحو أسطورة شعبية في المنطقة الشرقية تقول إن “المرأة التي تفصل ثوباً في ليلة زفاف ابنتها.. تموت”، مصوراً حكاية أم تعمل “خياطة” في حي شعبي، وتسمع أن اثنتين من نساء الحي انتهت حياتيهما بعد تفصيلهما لـ”ثوب العرس”، لتدخل البطلة بسبب هذه الحقيقة المفزعة في صراع داخلي، نظراً لأنها هي الأخرى تستعد لتفصيل ثوب في زواج ابنتها القريب، وستواجه بالتالي خطر الموت.

https://www.youtube.com/watch?v=xkfmcLuKu-U

يعد محمد سلمان أحد أفضل المخرجين السعوديين في الفترة الأخيرة، بمواهبه الفنية المتعددة التي تشمل الرسم والتأليف الموسيقي والعزف كذلك، وقد انعكست مهاراته هذه في شكل السرد الجريء الذي اختاره لفيلمه هذا والذي استغل فيه كل محتويات الكادر، من صورة وصوت وإضاءة ولون وموسيقى، ليقول المعنى عبر مسارات مركبة ومتناغمة يندر أن نشاهدها في فيلم سعودي، خاصة في “ألوان” الصورة التي جعلها تحكي جانباً مهماً من المعنى، خاصة بين اللونين الأخضر والأحمر وما لهما من دلالات نفسية وجمالية. سيناريو الفيلم فاز بالجائزة الذهبية في مسابقة السيناريو في مهرجان أفلام السعودية، وهو من تأليف شابة سعودية صغيرة تدعى زينب الناصر، ونفذه المخرج محمد سلمان بشكل جمالي جيد، رسم من خلاله معاناة المرأة التي تريد الانعتاق من وهم هذه الخرافة لكنها مع ذلك –وبلا وعي ربما- ترضخ للواقع. والفيلم رغم دخوله منطقة سردية جريئة، وتمكنه من إدارة فكرته بشكل واع، إلا أنه مغرق في محليته ولم يكن دقيقاً في تعريف الأسطورة التي يتناولها ومدى أهميتها بالنسبة للشخصيات التي تسبح في فضاء الحكاية، وهذا له أثر في إدراك المتفرج لأهمية الحدث الذي يجري أمامه وللخيارات الجمالية التي اختارها المخرج.

محمد الهليل.. “300 كم” بلا هدف

تمكن المخرج محمد الهليل من صناعة أجواء جميلة في فيلمه “300 كم” لكنها –للأسف- افتقدت للهدف. يروي الفيلم قصة شاب –يؤدي دوره خالد صقر- يقوم بتوصيل امرأة مع طفلها الصغير إلى وجهة بعيدة تستغرق 300 كم. وفي الطريق لا يجري شيء بين الاثنين، حتى تصل المرأة إلى وجهتها.. ثم لا شيء أيضاً. لم يقل الفيلم من هذين؟ وإلى أين يتجهان؟ ولماذا يذهبان في هذا الاتجاه؟. وهذه عناصر مهمة في بناء الحدث –أي حدث- ولا يمكن إخفاؤها عن المشاهد إلا إذا كان هذا الإخفاء متعمداً من المخرج ولهدف محدد، لكن هذا لم يحدث أيضاً.

https://www.youtube.com/watch?v=0q-96ZlpuG8

ملاحظة أخرى تتعلق بأسلوب التصوير الذي اتخذه المخرج، حيث نرى محمد الهليل وهو يعتمد على التصوير المتحرك من داخل السيارة، فالكاميرا تجلس في الغالب في مقعد الراكب الأمامي وتتابع الشخصيات من هذه الزاوية، فتتحرك حيناً باتجاه السائق، وتلتف حيناً آخر باتجاه المرأة الجالسة في المقعد الخلفي، كما تلاحق الشخصيات الخارجية التي تقترب وتبتعد من السيارة بحسب حالة الحدث. هذه الطريقة في التصوير مضللة ويشعر معها المتفرج أن ثمة “شخصية” ثالثة في المشهد وأنه ينظر بعينيها الآن وليس بعدسة الكاميرا التي يفترض أن تكون محايدة. وعندما يشعر المتفرج بهذا الشعور فإنه حتماً سيتوه عن الغاية الفعلية التي يريدها المخرج، وهذا خلل كبير في التعبير. هناك قانون غير مكتوب يقول إن الكاميرا في أي فيلم الأصل فيها أن تكون ثابتة وأن لا تتحرك إلا لهدف، ولو أن المخرج محمد الهليل التزم بهذه القاعدة المهمة من قواعد “لغة الصورة” لربما أصبح لفيلمه شأن أفضل.

وعلى أي حال، ورغم هذه الملاحظات، يظل الفيلم جميلاً ويغري بالمشاهدة حتى النهاية، واحتوى على لقطات مميزة، خاصة لقطة الختام “المدهشة” التي دمجت بين سيارتين سائقهما واحد بلا قطع، والتي كانت رغم جمالها وصعوبة تنفيذها بلا هدف هي الأخرى!. فما هي دلالة هذا الدمج وما هو معناه بالنسبة للمعنى العام للفيلم؟.

“مدينة تسمى ثيوقراطية”..

من حيث الشكل يعتبر هذا الفيلم أكثر الأفلام الخليجية إتقاناً، أظهر من خلاله المخرج جهاد الخطيب إمكانيات كبيرة تبشر بمستقبل مخرج واعد وجاهز لصناعة الأفلام باحترافية. الضوء، القطع الناعم، زاوايا التصوير، والصوت وجميع التفاصيل الدقيقة في الصورة ظهرت هنا بشكل مثالي جداً. لكنه مع ذلك يفتقر للروح رغم أنه يتحدث عن هموم سينمائية تتعلق بصاحب دار عرض للأفلام محبط من واقعه.

السذاجة عنوان “البجعة العربية”

يذهب المخرج فهد الجودي إلى قضية المرأة في فيلمه “البجعة العربية” مصوراً قصة فتاة مبتعثة لأميركا تدرس الطب وتحلم بأن تصبح راقصة باليه. وقصة كهذه لا يكفيها فيلم مدته عشر دقائق حتى تظهر بشكل مقنع للمتفرج ومنصف للشخصيات. إن الحدث في الفيلم القصير له عناصر محددة ولا يمكن التقاط أي حكاية وحشرها في هذا القالب الصغير، وإلا سيصبح الفيلم مختزلاً وناقصاً بشكل واضح، وهذا ما فعله الجودي في فيلمه حيث اضطر لاختزال القصة ولجأ إلى التنميط الجاهز للشخصيات كي يتغلب على مأزق الوقت، فجعل الشاب –أخو الفتاة- شيطاناً بالمطلق لا يتورع عن ضرب أخته بمطرقة حديدة، وجعل الفتاة حالمة يستحوذ عليها حلم الرقص، كما اضطر للقفز ثلاث سنوات للأمام لإظهار نجاح الفتاة في تحقيق حلمها. هكذا فجأة، قرر المخرج مصير شخصياته ونفذه دون اعتبار لاقتناع المتفرج بتقلبات الحكاية التي تجري أمامه.

أيقظني”.. تجربة سيئة

لم توفق المخرجة ريم البيات في فيلمها الجديد “أيقظني” في تجربة سيئة شكلاً ومضموناً. تروي البيات هنا قصة سيدة تعاني بين رغباتها وبين متطلبات محيطها، وذلك في قالب حاولت أن يكون أقرب للقصيدة –ربما محاكاة لأسلوب المخرج الأميركي تيرنس مالك- لكن دون نجاح. حيث ظهر الفيلم مفككاً مهلهلاً بلا ترابط وبلا سياق وبلا معنى في كثير من مشاهده. شخصيات تظهر فجأة وتختفي فجأة دون تسويغ لوجودها ولأهميتها للحدث، ومشاهد رقص، ورجل يصيح “اقتلوها”، ونار كبيرة تشتعل في العراء، قد تبدو كلها ترجمة حرفية لمشاعر صاخبة تغلي داخل “المرأة/ البطلة” لكنها ظهرت تماماً مثل “ترجمة غوغل” مفككة وبلا سياق يجمعها وفق نغمة واحدة متناسقة.

https://www.youtube.com/watch?v=vFQDOdcm9dM

Exit mobile version