الجزائر ـ «سينماتوغراف»: حسان مرابط
على الرغم مما تحققه أفلام الحركة والأكشن من اقبال جاهيرى كبير بين الشباب الجزائرى، الا أنها لاتجد أرضا لها فى الانتاج السينمائى الذى شغلته الظروف السياسية سواء بعد حرب التحرير أو خلال العشرية السوداء عن تقديم نوعية مغايرة من الأفلام لجمهور صار ينشد التغيير الذى يجده فى السينما الغربية ولايجده فى أفلامه المحلية، ومابين محاولات تطل برأسها وتجد تجاوبا من الجمهور وبين تعلل البعض بعدم توجه الانتاج السينمائى لهذه النوعية من الأفلام تطرح «سينماتوغراف» القضية على صناع الأفلام خاصة بعد تجربة مهمة للمنتج زكريا رمضان التى قدمها من خلال فيلم «أبواب الشمس.. الجزائر للأبد»، الذى حقق نجاحا كبيرا، فهل المشكلة فى غياب روح المغامرة عن الجهات الانتاجية؟ أسئلة كثيرة تحوم حول سينما الحركة أردنا أن نبحث عن إجابة عنها من خلال أمثلة حيّة وشهادات صناع السينما الجزائرية.
فلاش باك
تعد محاولات إنتاج أفلام الأكشن في الجزائر محدودة للغاية وقد تزامن ظهورها مع عودة الاستقرار إلى الجزائر نهاية التسعينيات من القرن الماضي، حيث ظهرت بعض الأفلام منها «شوارع الجزائر» 2011 للمخرج أمين قيس الذي صورّ أيضا بعدها بسنوات فيلمه البوليسي «قضية رجال» الذي تطرق فيه لقضية الهوية الجزائرية والعربية والمسلمة بالولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، وبطريقة هيتشكوكية صور قيس أحداث فيلمه بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، فنقل أوجه الحياة هنا وهناك وتأثيرات وتداعيات التفجيرات على الجالية الجزائرية والعربية بصفة عامة من خلال التعايش الذي بدا صعبا وقتها مع الأمريكيين. بالإضافة لفيلم «لعبة الحياة» الذى يعدّ تجربة أولى لشباب هواة منهم درنوني عبد الحق الذي اعتمد على تقنيات جد بسيطة، متمثلة في كاميرا سوني وجهاز حاسوب عادي للاستعمال الشخصي وكذا إمكانيات عقلية وبشرية يعكس مستوى اهتمام الجيل الحالي بالسينما وتحديدا بالأنواع التي لم تشهد انجاز تجارب كثيرة فيها كسينما الحركة والإثارة. وحول أفلام الأكشن التي عرفتها الجزائر المستقلة حاول موسى حداد ذو التجربة الطويلة في عالم السينما صناعة فيلم حركة بعنوان «صنع في» وبالرغم من انتشاره في المجتمع الجزائري بعد عرضه على شاشة التلفزيون الحكومي الوحيد آنذاك، إلا أنّ العمل تعرض لانتقادات لاذعة مست الإخراج وأداء الممثلين والسيناريو وطريقة التصوير التي أحالت إلى وجود تصنع وارتجالية في تقمص الدور وتقديم المشهد.
في 2014 قدم المخرج أحمد العطافي فيلم الإثارة «المهمة الأخيرة» والذى وصفه النقاد والمتابعين بأنه فيلم متواضع من ناحية البنية الدرامية والأداء الباهت للممثلين والحوار واللحظات الدرامية والشخصيات، كما أنّ الجانب المثير والحركي جاء نسخة طبق الأصل لما ينتج في أمريكا من أفلام أكشن وبالتالي وقع المخرج في فخ التقليد دون سعي منه لتقديم الإضافة والتجديد.
نظرة قاصرة
يقول المختص في السينما فيصل مطاوي أنّه منذ بدايات السينما الجزائرية صبّ المخرجون وكتاب السيناريو اهتمامهم على التاريخ وحرب التحرير الجزائرية وذلك خلال سنوات السبعينيات مشيرا الى أن السينما توجهت بعدها إلى الواقعية النقدية التى جسدها مرزاق علواش في فيلم «عمر قاتلاتو»، ثمّ ظهرت أفلام تعالج مشاكل المجتمع طوال فترة الثمانينات والتسعينات وذلك بهدف إبراز المعاناة والآلام والخوف والهواجس التي تربصت بالمجتمع الجزائري خصوصا في سنوات التسعينيات. مؤكدا أنّ السينما الجزائرية وقتها عانت من نقص الإمكانيات والوسائل والتقنية والغلق العشوائي لقاعات العرض.
وحول ما إذا كانت سينما الحركة محل اهتمام المنتجين ردّ مطاوي أنّ المنتج السينمائي يعتقد أنّ سينما الأكشن لا تهمّ الجمهور ولا يمكن تقديم أعمال منافسة ورائعة مثل تلك التي تنتج في هوليوود وفي أوروبا لأنها تتطلب إمكانيات ضخمة مادية وتقنية. أمّا عن دور المخرجين في هذا الغياب فيؤكد أنّ المخرج الجزائري يظنّ أنّ سينما الأكشن ثانوية أو بالأحرى تجارية وبالتالي يتفادى الإشتغال عليها خشية الفشل وخسارة الأموال سيما وأن الجزائر لا تملك مخرجين متخصصين في سينما الحركة، فضلا عن انعدام التمويل وصعوبة إيجاد الممثلين الذين يمكنهم تقمص أدوار الحركة والإثارة بدقة عالية.
في السياق يأمل مطاوي أن يتغير الوضع نحو الأحسن، مستدلا بفيلم المنتج زكريا رمضان ومخرجه الفرنسي جون مارك مينيو «أبواب الشمس..الجزائر للأبد» الذي يعدّ أولّ فيلم أكشن حقيقي في الجزائر، جسد بطولته كل من الفرانكو جزائري اسماعين فيروز، نجم الملاكمة العالمي مايك تايزون، المغنية الفرنسية لوري باستر، وبهية راشدي وأحمد بن عيسى وعبد القادر جريو وغيرهم. معتبرا أنّ زكريا رمضان فكّ شفرة «العقدة» بعدما صور الفيلم في وهران غرب الجزائر بقيمة 4 مليون يورو وعرض بأكثر من 200 قاعة سينمائية في العالم.
تخوف المنتجين
من جهته يرى السيناريست رابح ظريف أنّ تطور السينما مرتبط أساسا بسوق الإنتاج والصناعة السينمائية، إذ لا يمكنُ بأي حال من الأحوال الوصول إلى إنتاج سينمائي متنوّع دونَ التأسيس لواقع سينمائي متحرّر من دعم الدّولة. موضحا: لا أنكرُ أبدا جهود الدولة في تطوير الإنتاج السينمائي في الجزائر، فلقد أثبتت التجربة أن الخطوات الهامة التي قامت بها وزارتي الثقافة والمجاهدين في الإنتاج السينمائي من شأنها أن تعيد الجمهور إلى السينما، لذلك فإن أفلام الأكشن والحركة مرتبطة بسوق سينمائية موازية للإنتاج الرسميّ، ولا يمكنُ أبدا إنتاج أفلام من هذا النوع في ظلّ حذر وتخوف المنتجين من الفشل المسبق، وأكدّ رابح ظريف أنّ أفلام الأكشن مكلفة جدا لكن الحاجة تكمن في جرأة حقيقية مع منظومة قانونية تحمي المنتج من القرصنة وتوفر سوق لبيع المنتج السينمائي.
مؤكدا أن الإمكانيات والكفاءات موجودة، غير أنّ المعضلة تقتصر في الجو السينمائي العامّ الذي لا يشجع على أي مبادرة.
ويرى كاتب السيناريو عبد الحميد إبن باديس أن جهود وزير الثقافة في استعادة قاعات السينما وإدخال المستثمرين على خطّ الدعم والإنتاج من شأنه تقديم الإضافة اللازمة في هذا الموضوع لأنّ المشاكل التقنية والفنية يمكنُ أن تحلّ مع مرور الزمن.
صناعة سينما الحركة والإثارة تسجلّ اليوم في العالم تقدما مذهلا خاصة في هوليود وبوليود وأوروبا، بينما تبقى حبيسة أفكار مخرجين وتقنية ومغامرة مهنية لا يريد لها البعض أن تنطلق بمبررات مختلفة انعكست سلبا على واقع الفن السابع في الجزائر، وعليه تشدد الممثلة الجزائرية بهية راشدي على ضرورة دعم أفلام الأكشن ماديا ومعنويا من خلال المخرجين الشباب بالنظر إلى التكاليف المالية الباهضة التي يتطلبها هذا الصنف السينمائي. وتدعو مسؤولي الثقافة إلى الالتفات لسينما الحركة ومنحها مكانة في المشهد السينمائي العام إلى جانب الأفلام الثورية والاجتماعية التي تعب منها الجمهور نوعا ما، وترى بطلة «إمرأتان» أنّ المخرجين الجزائريين «الكبار» لم يبادروا بتقديم أفلام الحركة لأنهم يركزون على أفلام مستمدة من صلب الواقع. لكن ترى أنّ الأكشن بات ضرورة ملحة في حياة الشباب شريطة وجود فكرة جميلة وسيناريو جيد وانتاج كبير مع الاستعانة بالخبرة الأجنبية.