خاص ـ «سينماتوغراف»
«الانفجار الكبير أو A Bigger Splash» فيلم من (إنتاج 2015) وهو عنوان الحكاية القادمة إلى السينما الإيطالية، من شاشة إيطالية فرنسية قديمة قُدمت عام 1969 بعنوان «المسبح»، ذلك الفيلم الشهير للمخرج الإيطالي جاكس ديراي، أعاده المخرج الايطالي لوكا غوادانينو بنظرة جديدة، حيث اتجه نحو الحديث عن مرحلة ما بعد الخمسين من العمر، حياة الرجال والنساء في تلك المرحلة هي بالنسبة للبعض مرحلة «ناقوس خطر» يدق أبواب الرحيل، لكنها بالنسبة للمخرج الإيطالي محطة جديدة لحياة أجمل وطيش أكبر ورغبة لامتناهية في الجنون وعشق الحياة، كما أوحت شخصية «هاري» في الفيلم (جسدها الممثل البريطاني رالف ناثانييل فاينس الذي سبق أن رُشح مرتين لنيل جائزة الأوسكار عن أدوار أخرى).
يقدم الفيلم 4 شخصيات متناقضة، متناولا حكاية العشق ومشاعر المراهقة وكيف تكون الخيانة حلا للنسيان؟ عندما يلتقي الجميع في رحلة صيفية على شواطئ جنوب إيطاليا، يقود الموسيقى «هاري» الحكاية الأولى، وهو مولع بالرقص والغناء وشرب الكحول، ولا يزال مراهقا «بنيران الحب» التي تسكنه تجاه حبيبته السابقة المغنية «مارين» (أدت دورها الممثلة البريطانية تيلدا سوينتون)، هذه الأخيرة التي بح صوتها العذب وهي في أعز مجدها وشهرتها، لم يستطع «هاري» بحيويته وجنونه واعترافه بالهزيمة أمام حبه لها أن يدفعها نحو خيانة «بول» (جسده دوره الممثل ماتياس شونارتس) الذي منح الفيلم روح العاشق المسئول الذي لا يتوتر ولا يرقص ويستطيع التركيز في قراءة كتاب تحت شمس المصيف الإيطالي، غير مبالٍ في البداية بجمال المسبح الذي تسللت إليه فتاة جميلة، لكنه يستسلم في النهاية للخيانة ويسقط ضحية جمال ذات الشخصية الرابعة ابنة «هاري» الشابة «بينيلوبي» (جسدت دورها الممثلة داكوتا جونسون).
حافظ المخرج الإيطالي على قواعده في «الحب» منذ عام 2009 عندما قدم فيلم «أنا الحب»، ليعود مع «الانفجار الكبير» ليقول إنه الحب.. جنون وصداقة وخنوع، وإنه قاتل وإنه مقتول، فعندما التقى «هاري» مجددا بحبيبته السابقة «مارين»، كانت هي في مرحلة متقدمة جدا من النسيان، وقد مضت في علاقتها العاطفية الجديدة مع حبيبها القادم هو الآخر من علاقة صداقة جمعته مع «هاري»، قبل أن ينتهى الفيلم بجريمة قتل كشفت عن الحكاية الثالثة.
يتميز الفيلم بثلاث حكايات، حكاية الاقتباس السينمائي وحكاية الحب وحكاية المهاجرين غير الشرعيين. هذه الحكاية الثالثة تبدأ عندما يمنح المخرج الإيطالي لواحدة من أكثر القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية التي تقلق أوروبا، تأشيرة التسلل إلى الفيلم بين حكاية جميلة مليئة بالرقص والموسيقى والمتعة، فعندما طفت جثة المهاجرين غير الشرعيين في قوارب الموت على شواطئ لامبيدوزا الإيطالية، طفت أيضا إلى ذهن المخرج الإيطالي لوكا غوادانينو فكرة الحديث عن المهاجرين غير الشرعيين على هامش حكاية الحب والجمال والجنس التي صنعت مشاهد الفيلم طيلة ساعتين ونصف، مرة واثنتين وثلاثة استطاع المخرج أن يمرر رسائل مشفرة عن «المهاجرين»، قبل أن يصل بها إلى رسم ملامح نهاية الفيلم بنكهة خاصة قاسية جدا، بعد أن قررت أوروبا بشعاراتها الديمقراطية أن تجعل المهاجرين غير الشرعيين “كبش فداء” لجريمة قتل ارتكبها الرجل الأبيض، فتسقط القوانين وتغيب العدالة ويدان البريء بالجرم المشهود.
أما الحكاية الثالثة فهي فلسفة الاقتباس، فالنقل من الرواية إلى السينما ليس وحده الحدث، فالاقتباس أيضا جميل ورائع عندما يكون من السينما إلى السينما، الحكاية تبدأ من المسبح عام 1969 لتعود إليه 60 عاما بعدها تقريبا إلى الشاشة الذهبية، برؤية إخراجية وتفاصيل تواكب الأوضاع الحالية التي يعيشها جنوب أوروبا.