خاص ـ «سينماتوغراف»
طارق التلمساني، واحد من أبرز مدراء التصوير في مصر والعالم العربي، شغل منصب مدير قسم التصوير في «المركز القومي للسينما» منذ عام 1983، وأدار تصوير كبار أفلام المخرجين المصريين مثل صلاح أبوسيف ورضوان الكاشف وخيري بشارة ومحمد خان وآخرين، ومن أهم الأفلام التي صورها ودخلت قائمة أهم 100 فيلم في تاريخ السينما العربية ضمن استفتاء مهرجان دبي السينمائي في دورته العاشرة، «المواطن مصري»، «عرق البلح»، «الطوق والاسورة»، «بحب السيما» و«يوم حلو ويوم مر»، وامتاز دائما بأسلوب خاص وفريد في الاضاءة اكتسبه اثناء دراسته التصوير في معهد «الفغيك» السينمائي في روسيا، قدم حتى الان 40 فيلما في 25 عاما، وتجربته الإخراجية الوحيدة أنجزها في فيلم «ضحك ولعب وجد وحب»، ألتقته «سينماتوغراف» وكان معه الحوار التالي:
طارق التلمساني صاحب العدسة التي ألتقطت أقوي المشاهد في تاريخ السينما المصرية، من عائلة فنية يتوقف عند تأثيرها عليه قائلا: أنا ابن مدير التصوير حسن التلمساني أحد رواد السينما الوثائقية، وعمي المخرج كامل التلمساني وهو صاحب بصمة كمدير تصوير لأكثر من 70 فيلما، ولكني لم أتأثر فنيا بهما، وإن كان والدي هو الأقرب لي وأثر كثيرا بمعني عام في تربيتي، ولكن في الفن لي رؤيتي وتشاركنا معا في هواية الرسم، وهو الذي ساعدني في أن أحصل على منحه بالاتحاد السوفيتي وشجعني كثيرا حتى نلت الماجستير في التصوير.
ابداع الأجيال
وحول عمله كمدير تصوير مع كبار المخرجين مثل خيرى بشارة ومحمد خان وداود عبد السيد، أجاب على سؤال الاختلاف في التعامل مع مخرجين هذا الجيل قائلا: بالتأكيد يوجد اختلاف، ولكنه اختلاف بديهى بسبب اختلاف الأجيال، وخاصة أننى أنتمى لجيل بشارة وخان، ولكن مع وجود هذا الاختلاف أجد متعة فى معرفة هذا الجيل والتطلع لرؤيته المختلفة للسينما المصرية، وبالمناسبة هذا الجيل لا يخلو من المبدعين فكل جيل له ما يميزه عن غيره، وأنا أرى أن الإبداع هو تقديم الجديد والمختلف وهذا ما يستهوينى، وبالنسبة للشباب تعاملت مع المخرج محمود كامل في فيلم «ادرينالين»، لكن لو وجدت مخرجا شابا ومعه سيناريو لن يضيف لي أنصحه بأن يتعامل مع أبناء جيله ليفهموا بعض ويعملون معا.
بعد مضى نحو 20 عاما على إخراج التلمساني فيلمه الروائى الطويل الأول «ضحك وجد ولعب وحب»، يجيب عن تساؤل لماذا لم يفكر فى إعادة هذه التجربة مرة أخرى، فيقول: بالفعل فكرت وشرعت فى كتابة أكثر من قصة فيلم وكنت سأقوم بإخراجه، ولكن دون أن أشعر أخذنى التمثيل من حلمى فى كتابة وإخراج فيلم روائى طويل مرة أخرى، ولكنى لا أتوقف عن التفكير فى ذلك وأتمنى أن أشرع فى ذلك قريبا.
تجربة الديجيتال
ويتحدث التلمساني عن تجربته الأولى فى تصوير فيلم طويل بكاميرا ديجيتال مع خيرى بشارة فى فيلم «ليلة فى القمر» قائلا: كان هذا الفيلم تجـربة خاصة تنتمى إلى أفلام منخفضة التكاليف، صورت أجزاءً منه بـ”دى فى كام” DV Cam، وأجزاء أخـرى بكاميرا فيديو بيتا كام. تكلف الفيلم نحو أربعمائة ألف جنيـه مصـرى. فيلم استغـللنا فيه الفيديو كوسيط تكنولوجى لتحقيق فيلم سينمائى، كما استغللنا إمكانيات الفيديو فى صنع المؤثرات البصرية والجرافيك. كلنا عملنا بأجور منخفضة فـى سبـيـل عمل شـىء مختلف عن السينما السائدة فى ذلك الوقت، ولتحقيق حلمنا للنهوض بسينما كاميرا الديجيتال، وشاركت فى هذا الفيلم ليس فقـط كمديـر تصوير، بل كممثل أيضاً. وأعتقد أنها كانت تجربة مثمرة وجديرة بالمشاهدة.
السينما المستقلة
وحول تجربته الثانية مع الديجيتال فى فيلم «كليفتي» لمحمد خان، قال التلمساني: «كليفتى» مختلف عن فيلم «ليلة فى القمر»، ففريق العمل لم يزد على عشرة أشخـاص، معظم الممثلين غير محترفين، مواقع التصوير حقيقية، وليس هناك أى تغييرات جوهرية، الموضوع يعتمد على الشخصية الواحدة One Man Show مثل مواضيع سابقة لخان. شخصية ما وعلاقتها بالمدينة، لذا قمنا بتصوير معظم مشاهده فى الشوارع، وصوّر بكاميـرا دى فـى كام DV Cam، والإنتاج شخصى لمحمد خان، وليس لشركة منتجة مثل فيلم «ليـلة فى القمر» وكانت تجربة ممتعة للغاية وأنا سعيد بها، لأنها أفرزت حاليا ما يسمى بالسينما المستقلة والتي تحمل على عاتقها مسؤلية السينما المصرية بعد أن غرقت في مستنقع الأفلام التجارية.
لا نصنع سينما
ويسرد طارق التلمساني عوامل وعناصر نجاح تجربة الديجيتال في صنع الأفلام قائلا: إضافة لضرورة ملاءمة السيناريو للتجربة، هناك أيضاً شرط المعرفة بتقنيات الديجيتال، والعمل بجهود ذاتية وتعاونية، وعدم إجراء تدخلات جذرية فى المكان، وهناك كذلك جزء إرتجالى فى التجربة خاص بالتعامل مع المكان أثناء التصوير، وهذا له أهمية كبيرة، وهناك أيضاً حرية فى التعامل مع الأدوات التى تعمل بها (الكاميرا / الإضاءة)، كما أن هناك إمكانات كبيرة تساعدك فى إجراء بعض التغييرات فى أسلوب الفيلم أثناء المونتاج مثل الجرافيك والتصوير البطىء وغيرها، كل هذه الإمكانات المتاحة تزداد كلفتها فى السينما عنها فى الديجيتال، والتي للأسف نحن بعدين تماما عنها، لأننا نصنع أفلام كأنها سينما وهي بعيدة عن ذلك وتلك مشكلة السينما في مصر وبعض البلاد العربية.
وعن تقنيات السينما الحديثة مثل الأبعاد الثلاثية، قال التلمساني بانفعال واضح: أكدت أننا لا نصنع شيئا في أفلامنا التي تبدو وكأنها أفلام ولكنها بعيدة عن التقنية، وحتى في طريقة ابتكار ومعالحجة سيناريوهاتها، وأمامنا سنوات طويلة جدا قبل أن نفكر في الأبعاد الثلاثية، لأننا حتى الآن نصمم الجرافيك بطريقة مضحكة وهزلية، ونفتقد (الدماغ) التي تجيد التكنولوجيا الحديثة، وليس لدينا حرية ابداع لوجود رقابة، والسينما في الدول المتقدمة تعدتنا بمئات السنين.