«الجمعية» حكاية مخرجة لبنانية وقعت في غرام «روض الفرج» بالقاهرة

الجونة ـ «سينماتوغراف»: انتصار دردير

روض الفرج أحد أكثر المناطق الشعبية بالقاهرة التي تكتظ بسكانها وأزماتهم في التحايل على ظروف قاسية من أجل استمرار الحياة.

داخل هذا الحي عاشت المخرجة اللبنانية ريم صالح 6 سنوات تصور فيلمها التسجيلي الطويل (الجمعية) الذي يشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة بمهرجان الجونة في دورته الثانية.

في البداية استهوت المخرجة فكرة (الجمعية) وهي اختراع مصري مائة في المائة تقوم به النساء في الأحياء الشعبية، ويعتمد على اشتراك مجموعة من الناس في دفع مبلغ شهري أو أسبوعي ثابت لفترة معينة هذا المبلغ يحصل عليه كل مشترك شهرياً، فيتجمع لديه مبلغاً أكبر يستطيع أن يوجهه لحل أزماته سواء في تزويج ابنه أو شراء سلع لمحل أو سداد دين.

ريم صالح التي ذهبت لتنفيذ وصية أمها المصرية من روض الفرج بدفنها قريبة من المكان الذي تنتمي إليه، وخلال ذلك اقتربت ريم من سكان المنطقة وتركت نفسها تستكشف حياتهم.

تتجول الكاميرا بحرية حتي تعتقد أنها غير موجودة وأهل المنطقة الشعبية يتحدثون ببساطة في كل شيء حتي في أدق خصوصياتهم،  ويبدأ بأم غريب التي تتولي شئون الجمعية بالحارة فتمر عليهم وتسأل كل منهم عن مدي حاجته للحصول عليها قبل الآخرين،  فهي لا تعمل قرعة لترتيب حصول كل منهم علي دوره وإنما تمنحها بطريقة الأكثر احتياجاً، فإحداهن تريدها لتزويج ابنها وآخر لشراء بضاعة لمحله، وثالثة لشراء ملابس الشتاء لأولادها، وهكذا تنطلق الكاميرا لتتبع حياة كل منهم حتي داخل غرف نومهم وتشهد خناقاتهم لأتفه الأسباب وأفراحهم، وكذلك ليالي رمضان التي تجلب معها الخير فتمتد الموائد، وتلك المرأة التي اعتادت الطلاق من زوجها العاطل وكلما عادت إليه وضعت طفلاً جديداً  لتمتلئ الحارة بالأطفال الذين يكبرون قبل الأوان ويتسربون من الدراسة لمساعدة الأهل.

كانت دنيا ذات الـ 12 عاماً تحكي ببساطة كيف عملت جمعية، وحينما حصلت عليها طلبت من أمها ختانها على أن تدفع جمعيتها مقابل ذلك وتروي الطفلة لصديقتها بكل براءة كيف تم ختانها.

كما تقرر ترك الدراسة لمساعدة أمها في العمل بعدما تركهم الأب.

هكذا يعري الفيلم بصدق مؤلم وصادم كثير من المواقف التي يعيشها أهل روض الفرج الذين يعانون من شظف العيش ويسكنون بيوتا ضيقة ومتلاصقة، ومع ذلك يقبلون على الحياة ويتحايلون عليها ويتعاونون لمساعدة بعضهم البعض في الأزمات التي يواجهونها.

وقد أقيم بعد عرض الفيلم بالمهرجان ندوة حرصت المخرجة ريم صالح علي أن تصطحب فيها أم غريب إحدى نساء المنطقة التي شاركت في الفيلم والطفلة دنيا التي تتمتع بحضور مثير أمام الكاميرا.

وذكرت المخرجة أنها ظلت تصور الفيلم علي مدي ست سنوات قائلة: في البداية كنت أصور معهم مشاهد أعرف أني لن استخدمها لكنها كانت ضرورية ليعتادوا الكاميرا دون خوف أو قلق، كما كنت بحاجة لاكتساب ثقتهم أولاً ومما ساهم في ذلك انني انتمي في جزء مني لهم، فأمي مصرية من تلك المنطقة وأوصتني بدفنها بين أهلها، وطالما حكت لي ذكرياتها بها وكان علي أن أنفذ الوصية ومع وجودي بينهما اكتشفت قدر صعوبة حياتهم، وذهلت بهذا التصالح المثير منهم مع الحياة وتكاتفهم، وكانت الجمعية مدخلي للتعرف عن حياتهم، وماذا سيعملون بهذه الأموال وقد الهمني كثيراً صبرهم الشديد وحالة الرضا التي يتمتعون بها وأحببت أن أطرحها أمام الكاميرا بكل مصداقية دون اخفاء للحقيقة.

 

وأضافت ريم: صورت أكثر من 400 ساعة وكان على أن أقضي شهوراً بالمونتاج، لأختار اللقطات الأهم التي تعبر عن رؤيتي، ولذلك ما استبعدته من الفيلم يصلح في حد ذاته فيلماً آخر.

وأشاد عدد كبير من الحضور بالفيلم من المصريين والأجانب الذين اثنوا على صدقه وخفة ظل أبطاله الذين يقفون أمام الكاميرا لأول مرة يروون حكاياتهم دون مواربة وببساطة مدهشة.

وقالت أم غريب أن الفيلم يكشف ربع معاناتنا، وقد صورنا بعض مشاهده في التحرير حيث نزلنا من أجل ثورة يناير لكن هذه اللقطات لم تظهر بالفيلم، وقالت الطفلة دنيا أنها تحب التمثيل وكان الفيلم فرصة لها، وأن الختان يتم بشكل معتاد لكل البنات في المنطقة، وأكدت أنها عادت من جديد للمدرسة لأنها تريد أن تصبح ممثلة.

وأشادت الناقدة ماجدة موريس بالفيلم، وقالت: أنه أقرب لفيلم روائي شديد الواقعية، مؤكدة أن المخرجة لم تلجأ إلى المتاجرة بفقرهم بدليل حرصها على إظهار إنسانيتهم الكبيرة.

وأشاد الفنان صبري فواز بالفيلم وبأبطاله مؤكداً لأم غريب أنها نموذج جميل لكفاح المرأة المصرية، وأعجب بموهبة الطفلة دنيا قائلاً تتمتع بحضور غير عادي يفتقده ممثلون كبار.

Exit mobile version