تونس ـ «سينماتوغراف»: انتصار دردير
برغم اقبال الجمهور التونسي الكبير علي مشاهدة أفلام أيام قرطاج السينمائية واصطفافه في طوابير طويلة لحجز التذاكر الا ان حضوره العرض العالمي الاول لفيلم «أغسطينوس: ابن دموعها» فاق كل التوقعات، حيث امتلأت القاعة الكبيرة عن اخرها قبل بدء العرض واضطر بعض الجمهور للجلوس في الطرقات بين المقاعد، مما اضفي سعادة كبيرة علي مخرجه سمير سيف الذي قال سعادتي كبيرة لهذا الحضور الجميل، واعتبر هذا الفيلم علامة فارقة في مشواري ليس لأنني اتناول من خلاله شخصية عظيمة فقط ولكن قبل كل شئ لتجربتي في العمل مع فريق من دولتين شقيقتين تونس والجزائر، انصهرنا معا لنقدم فيلما بمستوي تقني عالمي وانتاج احترافي بمعني الكلمة، واكتشافي لمواهب كبيرة خلال العمل معهم ثم المساندة القوية التي لقيتها من وزيرا ثقافة البلدين الجزائري عز الدين مهيوبي والتونسي محمد زين العابدين وتشجيع من ابراهيم لطيف مدير ايام قرطاج السينمائية.
وكان قد سبق عرض الفيلم فقرة غنائية ثم صعد فريق الفيلم الكبير علي المسرح والذي يضم ممثلين من تونس والجزائر ومنهم احمد امين بن سعد، رؤوف بن عمر، عائشة بن احمد، خالد هويسة، جلال مدني، نجلا بن عبد الله، وكاتب السيناريو سامح سري، ويتعرض الفيلم لشخصية اغسطينوس الذي ينتقل من الجزائر ليتعلم في قرطاج بتونس وفي خط مواز يقدم شخصية معاصرة تحكي قصة مشابهة لمشوار اغسطينوس ويقدم الفيلم صورة بصرية شديدة الروعة والجمال
«أغسطينوس: ابن دموعها» هو اول فيلم عربى تاريخى يتناول فترات تاريخية مضيئة من إسهامنا الحضارى العالمى والإنسانى. ويقدم صورة بصرية شديدة الروعة والجمال، ويعكس عمق الحياة السياسية والاكاديمية لقرطاج وكل بلاد نوميديا، واهميتها وفيه صورة مصغرة عن المجتمع النوميدى الرومانى وتقاليده، ودور المرأة النوميدية قديما فى الحياة اليومية من خلال صورة مونيكا ام اغسطينوس القوية، كما يُبرز دور المدرسة وتعلق أهل نوميديا وقرطاج بالمدرسة والعلم كأدوات ارتقاء اجتماعى، ويتناول الفيلم قصة حياة القديس والفيلسوف الجزائرى الأصل أوغسطينوس، الذى ينحدر من أصول أمازيغية، وولد فى القرن الرابع الميلادى عام «354» فى منطقة طاغست «سوق هوس بالجزائر حاليا» التى كانت تقع تحت سيطرة الحكم الرومانى حينئذ، ثم انتقل إلى قرطاج لإتمام دراسة الفلسفة وعلم البيان، وعلم الإقناع والخطابة، الذى عمل بتدريسها فيما بعد بمدينتى طاغست وقرطاج لينتقل بعدها للتدريس فى جامعة ميلانو بعد أن اختاره الوالى الرومانى لهذه المهمة عام 384 ليتحول أثناء فترة تدريسه بها من الإيمان بالديانة المانوية «الزنادقة»، نسبة إلى «مانى» الذى حاول الجمع بين الديانات المسيحية والبوذية والزرادشتية، إلى محارب لها ليتحول إلى مذهب الأفلاطونية المحدثة، ومنه للمسيحية بعد الإبحار فى العديد من المذاهب الدينية والفلسفية التى حاول من خلالها البحث عن معنى للحياة.
وتوفى الفيلسوف أوغسطينوس عام 430 عن عمر يناهز الـ75 عاما أثناء اقتحام قبائل «الفندال»، إحدى القبائل الجرمانية الشرقية التى اقتطعت جزءا من الإمبراطورية الرومانية وأسست دولة لها مركزها مدينة قرطاج، لأسوار مدينة «هيبو»، والذى كان أحد المؤسسين والمشجعين لمقاومة هجومهم على منطقة شمال إفريقيا، ولُقب هذا الفيلسوف بـ«ابن الدموع أو ابن دموعها» نسبة إلى أمه التى ظلت تبكى عليه لسنوات طويلة نظرا لاعتناقه الديانة المانوية الوثنية.
«أغسطينوس: ابن دموعها» فيلم من انتاج تونسي- جزائرى ، بمساهمة كبرى لوزارة الثقافة الجزائرية ومن خلال دور وزير الثقافة الجزائرى السيد عزالدين الميهوبى، الذى أسهم ماديا وأدبيا فى إنجاح العمل وخاصة دعم وزارته المالى للعمل الضخم والذى يتجاوز إمكانية انتاج السينما المحلية وهو ما يجعله فيلما تونسيا جزائريا بإخراج مصرى من خلال عمل الدكتور سمير سيف ومساعده التونسى محمد العجبونى ، وكاتب القصة الدكتور عماد دبور وهو المنتج ايضا مع عبد العزيز بن ملوكة الذى أنتج اكبر عدد من الأفلام التونسية، والعالمية وكل هذه العناصر جعلت هذا العمل السينمائى يطمح للعالمية خاصة فى نسخته الانجليزية والتى ستطرح قريبا فى الاسواق العالمية بكندا والولايات المتحدة.