القاهرة ـ «سينماتوغراف»
أعلن مهرجان الجونة السينمائى عن منح “جائزة الإنجاز الإبداعي”، للناقد السينمائى اللبنانى الكبير إبراهيم العريس، حيث سيتم تسليمه الجائزة فى حفل افتتاح المهرجان بحضور نخبة من النقاد والسينمائيين العرب والعالميين، وذلك تقديرًا لإسهاماته المشهودة فى مجال النقد السينمائى فى المنطقة العربية.
يأتى ذلك فى إطار احتفاء الدورة الأولى من مهرجان الجونة بمبدعين كبار فى شتى المجالات السينمائية، حيث تم الإعلان أولاً عن تكريم الممثل الكبير عادل إمام، وأعقبه الإعلان عن تكريم الممثل المتميز فوريست ويتيكر والذى سيتسلم جائزته خلال حفل الختام .
وكانت إدارة المهرجان كانت قد قررت تكريم ثلاث شخصيات سينمائية أحداها شخصية مصرية والثانية عربية والثالثة دولية خلال الدورة الأولى للمهرجان، وهى شخصيات أثرت المشهد السينمائى بمختلف أوجهه على مدى سنوات طويلة، ومن بينها النقد السينمائى الذى يشكل ركيزة أساسية فى رصد التجارب السينمائية، وعكس مدى نهضتها وتطورها نحو الأفضل.
وحول اختيار الناقد السينمائى إبراهيم العريس للجائزة هذا العام، قال انتشال التميمى مدير المهرجان: “يشرّفنا أن تكون جائزة الإنجاز الإبداعى من نصيب الناقد اللبنانى القدير إبراهيم العريس، الذى يُعتبر قامة سينمائية كبيرة، ساهمت فى ترسيخ مكانة السينما العربية فى المحافل الدولية، سواء من خلال مقالاته النقدية المتميزة، ودوره الثقافى البارز. ونحن بدورنا نتقدّم له بهذه الجائزة اعترافاً بإنجازاته الكبيرة التى خدمت صناعة السينما العربية على مدار أكثر من 50 عامًا”.
ويضيف التميمى أن “تكريم إبراهيم العريس هو فى الوقت نفسه تكريم لجيل من النقاد والسينمائيين الرواد فى الوطن العربى، حيث يحضرنا ذكرى كل من النقاد سمير فريد، وخميس الخياطي، وعدنان مدانات، وسامى السلامونى، وغسان عبد الخالق، ومصطفى المسناوى، وسمير نصرى، وقصى صالح الدرويش، وعلى ابو شادى، وكمال رمزى، ونور الدين صايل”.
وأضاف التميمى: “كل من تابع كتابات العريس يشهد أنها تجاوزت حدود النقد السينمائى لتنتقل إلى آفاق أوسع، وهو ما يظهر جليًا فى العديد من كتبه ودراساته ومحاوراته”، فالعريس لا يكتب فى مجال السينما فقط، وإنما امتدت مساهماته فى مجالات ثقافية، واجتماعية، وفكرية، وسياسية مختلفة، فكان مثالًا صارخًا وبارزًا للمثقف المتميز.
“وفى شهاداته التى قدمها عبر برامج تليفزيونية وإذاعية قال العريس: “منذ طفولتى عشت فى جو فنى وأدبي. ولأننى سافرت كثيرا وعشت فى الخارج اطلعت على فنون وثقافات عالمية عبر مشاهدة الأفلام وقراءة الكتب، فتراكم لدى حصيلة حول كيفية اشتشاغة شعوب العالم للفنون عمومًا. وأضاف العريس: “فى النظريات العلمية يقال انه لا يضاف للكون شىء ولا ينقص منه شىء، لكن الإنسان استطاع أن يضيف الكثير والكثير لهذا الكون عبر ألف عام”.
وأعرب الناقد إبراهيم العريس عن سعادته لدى تلقيه خبر حصوله على جائزة “الإنجاز الإبداعي” من مهرجان الجونة فى دورته الأولى قائلاً: “إنه لشرف كبير أن أحظى بهذا التكريم من مهرجان أرى أنه سيشكل نقطة تحول فى المنطقة العربية تجاه السينما كتعبير عن الحداثة، وانعكاسًا لدور مصر المحورى فى العالم العربى.”
يُذكر أن إبراهيم العريس باحث فى التاريخ الثقافي، وكاتب صحفي، وناقد سينمائي، ومترجم، ولد فى بيروت عام 1946، ودرس الإخراج السينمائى فى روما، والسيناريو والنقد فى لندن، ويعمل فى الصحافة منذ عام 1970، ويرأس حاليًا القسم السينمائى فى جريدة «الحياة اللندنية»، حيث يكتب فيها زاوية يومية حول التراث الإنسانى وتاريخ الثقافة العالمية، كما ترجم نحو 40 كتابًا ودراسة عن الفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية فى السينما، والفلسفة، والإقتصاد، والنقد، والتاريخ. ومن أهم مؤلفاته: “رحلة فى السينما العربية”، و”مارتن سكورسيزي: سيرة سينمائية”، و”يوسف شاهين: نظرة الطفل وقبضة المتمرد”، و”السينما التاريخ والعالم”، و”السينما العربية: تاريخها ومستقبلها ودورها النهضوي”، و”سينما الإنسان: قراءة فى حياة وأعمال عدد من المخرجين”، وأخيرا موسوعة “السينما والمجتمع فى الوطن العربي” التى صدر جزآها الأول والثانى من مركز دراسات الوحدة العربية فى بيروت، ويجرى الاستعداد حاليًا لإصدار الجزء الثالث والأخير منها.
كما ينشر إبراهيم العريس موسوعة تراث الإنسان فى 12 مجلدًا، تضمنت حتى الآن مجلدًا خاصًا بـ”تاريخ السينما فى 100 عام”، والذى يعد قراءة نقدية لمئة فيلم اجنبى اعتبرها العريس منعطفات أساسية فى تاريخ السينما، علما بأنه يقدم لقارئه رحلة شيقة فى الجغرافيا، والروح، والفضاءات السينمائية المتنوعة امتدادًا الى حدود التناقضات الجمالية احيانا، والمتكاملة احيانا اخرى فى صياغة لغوية متميزة، بالإضافة الى كتابه “تراث الإنسان الف عام من الفن التشكيلى”، وفيه تناول أعمالا خالدة وأساسية، شكلت معلماً هاماً فى تاريخ البشرية على جميع الأصعدة الفكرية، والسياسية، والفلسفية، والأدبية، كما وعلى صعيد الفنون بما فى ذلك الفنون المسرحية، والسينمائية، والرسم، والنحت، وفى إطار نظرة تحاول أن تقدم رؤية جديدة؛ تعطى المكانة الأهم تمجيدا للدور الذى يلعبه الفرد فى بناء الحضارة الشاملة، بغض النظر عن إنتمائه، أو جنسيته، غريباً كان أم أعجميا… أفريقيا أم أوروبيا… أم أميركيا أو آسيويا، لتطغى الأهمية على ما يقدمه من نموذج… فليس هناك حدود بين شكسبير، ونجيب محفوظ، وباخ، وماهلر، وأولى الروايات اليابانية، وآخر الأشعار الأفريقية، بالنسبة للغاية وهى كزنها جميعا تشترك فى بناء وتكوين تاريخ وتراث البشرية.
ومن أجزاء “تراث الانسان” الأخرى التى صدرت بالفعل عن “مركز الشيخ إبراهيم آل خليفة” فى البحرين: “الف عام من الموسيقى”، و”الف عام من الاوبرا”، و”الف عام من الفكر السياسى “، وغيرها، وتشكل هذه الموسوعة خلاصة تجربة العريس كناقد وباحث ومرجع فى العديد من الفنون والفكر الانساني.
كما قدم العريس العديد من المؤلفات الأخرى مثل: “الحلم المعلق: سينما مارون بغدادي”، وهو محاولة أولية لقراءة أفلام مارون بغدادى فى ارتباطها بحياته القصيرة (1950 – 1993)، وفيه يتابع الناقد إبراهيم العريس مسار سينما هذا المخرج الذى يُعتبر أحد أبرز مؤسسى تيار التجديد فى السينما اللبنانية، منذ فيلمه الروائى الطويل “بيروت يا بيروت” وصولاً إلى فيلمه الأخير “فتاة الهواء”، مروراً بالعديد من الأفلام التى أخرجها بين لبنان وفرنسا التى عاش فيها سنواته الأخيرة، ويتوقف عند أبرز مشاريعه التى لم يتح له إنجازها ومنها مشروع فيلمه الأخير “زوايا” الذى كان من المفترض أن يبدأ تصويره فى لبنان، كنوع من المصالحة مع الوطن، حين قضى فى حادث مؤسف عام 1993.
وللعريس أيضًا كتاب “الصورة الملتبسة” عن تاريخ السينما اللبنانية، وكتاب “الصورة والواقع: كتابات فى السينما”، و”لغة الذات والحداثة الدائمة”، وغيرها من الأعمال.