بيروت ـ «سينماتوغراف»
بمناسبة انعقاد الدورة الـ5 لمرجان مسكون لأفلام الرعب والخيال العلمي المُقامة بين 1 و28 نوفمبر 2021 (تُعرض الأفلام على منصّة “أفلامنا“، aflamuna.online)، كتب أنطوان واكد، المدير الفني للمهرجان، مقالة بعنوان “نهضة أفلام الفانتازيا العربية” (منشورة على المنصّة نفسها)، منها هذه الفقرات:
لطالما كان اللجوء إلى أفلام الفانتازيا (رعب، فانتازيا، الخيال العلمي) “عُملةً” نادرة في المشهد السينمائي العربي، رغم أنّ المنطقة تعجّ بالروايات الفولكلورية الخيالية عن الجِنّ والعفاريت والشياطين والأغوال. بين مستقبل الخيال العلمي في الخليج، والأجواء الديستوبيّة في بلدان المشرق العربي وشمال أفريقيا، كان متوقَّعاً أن يتبنّى صانعو الأفلام العرب أفلام الفانتازيا في أعمالهم. لكنّ الواقع أنّ حفنةً صغيرة فقط منهم فهمت القوّة والنطاق اللامحدود، الذي يُمكن أنْ تُقدّمه لغة أفلام الفانتازيا، كأداة مُقنّعة لمعالجة مواضيع اجتماعية وسياسية مهمّة، عبر استخدام الرعب والفانتازيا والخيال العلمي.
لهذا السبب، تُعّدّ معظم الأفلام العربية عالقة بين فئتين أساسيّتين: فئة رئيسية تركّز على القضايا الاجتماعية الغريبة، ويسهل الوصول إليها وإرضاء سوق أو مهرجان دوليّين. تعتمد أفلامها على الأموال والأسواق والمنتجين المشترَكين، وعلى مستشاري السيناريو الأوروبيّين الذين، في خضمّ عمليّة تطوير الفيلم وصنعه، يفرضون وجهة نظر غربيّة على المشروع، ما يشبه بشكل غير مباشر استعماراً فنياً جديداً. فئة ثانية، تكون غالباً مروحة قابلة للنسيان، لكنْ ناجحة، من أفلام الكوميديا المحلية، التي يستحيل تصديرها حتّى إلى البلدان المجاورة.
عندما شرعت السينما المصرية في خَوض غمار الفانتازيا في البدايات، اعتمدت بدرجة كبيرة على الفولكلور والأدب المحليّين، مع تسليط الضوء على اقتباس “ألف ليلة وليلة” (1941) و”علي بابا والأربعين لصّاً” (1942)، على يدي توغو مزراحي، رائد السينما المصرية و يُعتبَر “سفير جهنّم” (1945) فيلماً كلاسيكيّاً آخر من تلك الحقبة، يرتكز على قصّة فاوستيّة، إخراج يوسف وهبي وتمثيله، باستخدام صُوَر تُعدّ مبتكرة في تلك الفترة، ما فتح المجال أمام عدد من عروض الفانتازيا الأخرى لوهبي. هناك كمال الشيخ، الملقّب بهيتشكوك المصري، الذي تمكّن بكلّ مهارة من قيادة الدراما المصرية إلى منعطف جديد، بإضافة تحوُّلٍ في أفلام الفانتازيا، وتزويج الدراما الاجتماعية مع الإثارة والفانتازيا والخيال العلمي.
في لبنان، يبرز فيلم أطلال (2006) لغسّان سلهب: محاولة أخّاذة وساحرة في أفلام مصّاصي الدماء، مع كارلوس شاهين، كشخصيّة تشبه مصاص الدماء نوسفيراتو، تجوب شوارع بيروت ليلاً.
لم تبدأ مقاربة هذا المجال بطريقة مختلفة إلا مع الجيل الجديد من صانعي الأفلام في الأعوام الأخيرة، باستخدام الطيف الواسع الذي تقدّمه أفلام الفانتازيا، كوسيلة للتفكّر في مجتمعهم وهويّتهم. تجرّأت الموجة الجديدة على كسر القالب، بالانفتاح على الفرص السرديّة غير المحدودة، التي توفّرها أفلام الفانتازيا، فتملّك مخرجوها صوراً تتكرّر إجمالاً في هذا النوع من الأفلام، وأعادوا تكوينها، لتقديم الأفلام الفريدة جدّاً في المشهد السينمائي العربي التي رأت غالبيّتها النور في فترة بلغت فيها أفلام الفانتازيا أوجها مؤخّراً، مع اعتناق التغيير في الطريقة التي يُنظر بها إلى أفلام الفانتازيا.
عربياً، نشأ الجيل الذي يصنع الأفلام حاليّاً على سينما ثمانينيات القرن الماضي أيضاً. حقبة هيمَنت عليها أفلام الفانتازيا إلى حدّ كبير. لكنّ هذا الجيل لا يخضع لأعباء الجيل الأكبر منه ولواجباته، لناحية معالجة تاريخه وإرثه، أو لمسؤولية تقديم وجهة نظر عربيّة في أفلامه، إذْ أصبح بإمكانه استكشاف مواضيع مختلفة، تتمتّع بطابع عالميّ أوسع نطاقاً.
ولِدت أفلام الفانتازيا كردّة فعل على كيفيّة تطوّر العالم. يلجأ المخرجون ـ في مواجهة الضياع بين بتر أي صلة مع طريقة عمل أسلافهم، والاستعمار الجديد للأموال والأسواق، وأزمة الهوية العربيّة التي تأثّرت بعالم ما بعد 11 سبتمبر والربيع العربي (بدءا من نهاية عام 2010) ـ إلى الخيال الواسع الذي تتيحه أفلام الفانتازيا، لضمان المسافة التي تشتدّ الحاجة إليها، والتي من شأنها تمكينهم من فهم واقعهم وتقييمه بشكل أفضل.
المغرب، المتجذّر بعمق في التقاليد، اهتزّ فجأة بفعل وصول العولمة والرأسمالية. وقع هذا التحوّل من دون أي انتقال، مؤدّياً إلى فجوة كبيرة بين الطبقات، ومُصيباً البلد بانفصام تام، أفضى تدريجياً إلى الجنون. في الجزائر، تسكن أشباح الماضي في صميم عمل أمين سيدي بومدين، الذي يبدأ فيلمه القصير، “الجزيرة” (2012)، بوصول رجل يرتدي بدلة فضائية غامضة. يستيقظ على الخور، ثمّ يتجوّل في مدينة مهجورة، في تسلسل طويل وتنويميّ لا يكلّ، يسكن شوارع فارغة، ما بعد نهاية العالم، في مدينة تكشف عن نفسها شيئاً فشيئاً على أنّها الجزائر العاصمة. يهدف سيدي بومدين إلى التقاط الإحساس بالنفي، فيصوّر الجزائر العاصمة كمدينة مهجورة، تفوح منها رائحة الاستعمار الفرنسي، رغم أنّها مأهولة بالكامل. مدينة تعاني أزمة هويّة.