«سينماتوغراف» ـ انتصار دردير
أكثر من نصف قرن وهو يجلس متربعاً على عرش الكوميديا على امتداد الوطن العربى، سبقه فنانون عظام، ولحقت به مواهب شابة، وبقى هو الأكثر تأثيراً وارتباطاً بوجدان الناس، والأكثر اخلاصاً لهذا العرش، يبتعد عنه بأدوار جادة ثم لايلبث ان يعود اليه، ليظل عادل امام نجم الكوميديا الأول بلا منازع، ومع كل عرض لفيلم جديد له تنسحب الأفلام الأخرى وتتوارى أمام نجوميته وجماهيريته، واليوم تحتفل «سينماتوغراف» بعيد ميلاده الـ 84، وقد ملأ الدنيا وزادها بهجة، بأعماله الكوميدية الممتدة مع رحلة عطاءه المتواصلة.
من المعروف أن عمالقة فن الكوميديا لا يختارون الكوميديا عن سبق إصرار وترصد، بل الكوميديا هي التي تختار نجومها، وقديما أراد نجيب الريحاني أن يكون تراجيديا، فكان للناس رأي آخر وأجبروه علي أن يغير مساره، تماما مثل إسماعيل ياسين الذي جاء من مدينة السويس إلي القاهرة ليغني في الأفراح قصائد عبد الوهاب الحزينة «أيها الراقدون تحت الثري» فرماه المعازيم بالطماطم والبيض، فقدم لهم «مونولوجات» ومن بعدها بدأ مشواره مع الكوميديا.
ومالا يعرفه كثيرون أن عادل إمام سار في نفس الاتجاه، طلب في بداية الستينات من المخرج حسين كمال أن يمثل احد الأدوار الجادة في مسرحية «ثورة القرية»، ولكن المخرج الكبير قال له أنت كوميديان، وأعطاه دورا هامشيا رجل في السوق يبيع العسلية، وفي كل يوم يصعد فيه عادل إمام إلي خشبة المسرح ليردد جملة «معايا عسلية بميلم الوقية» تنفجر ضحكات الجمهور، والتي زادت مع «دسوقى أفندى» وجملة حملت أسلوب أدائه الساخر، وظلت حتى الآن يتندر بها الناس «بلد بتاعة شهادات صحيح» والتى كان يرددها فى مسرحية «أنا وهو وهى»، ومرورا بـ «زعيم أونطه في مدرسة المشاغبين»، وتوقفا عند الأفيه الشهير « لو كل واحد عزل من بيته عشان ساكنه تحت منه رقاصة البلد كلها هتبات في الشارع» في مسرحية «شاهد ما شافش حاجة»، ووصولا إلي «الواد سيد الشغال» و«الزعيم»، ثم أخيرا مسرحية «البودي جارد»، حيث ملك عادل إمام قلوب المشاهدين بالضحكة والدمعة وأخذ الكوميديا إلي الدراما الإنسانية الفاعلة، ولكن سرعان ما إختطفته السينما في بداياته ليصبح أحد فرسان الضحك ثم زعيما لعرش الكوميدية، ليقدم عشرات الأفلام التى حمل بعضها مضامينا سياسية، عبرت عن قضايا اجتماعية شائكة، ليستقر في القلوب سفيرا فوق العادة لإدخال السرور في نفوس الناس.
ولا يختلف احد حول عادل امام باعتباره الكوميديان الذي جمع بين الضحك والبكاء، والمشاغب الذي جلس علي عرش زعامة السينما، فهو رمز للفن المصري والعربي المعاصر، اسمه علي «أفيش» أي فيلم أو مسرحية يعني رصيد في شباك التذاكر، ودخول العمل إلي ذاكرة الخلود الفني، والأهم بقاءه في وجدان المتفرجين لسنوات، فهو نجم شامل غير محسوب علي المسرح فقط مثل محمد صبحي، ولا هو محسوب علي السينما مثل الراحل أحمد زكي، فعادل إمام خليط من النجاح في آن واحد عبر مجالات ودروب الفن المتعددة.
هو النجم الذى عبّر بخيال سينمائى خاص عن أحلام المهمشين فى المجتمع ورصد آمالهم وهمومهم وإنسانيتهم، من خلال روائعه «احنا بتوع الأتوبيس»، «حب فى الزنزانة»، «الهلفوت»، «المتسول»، «حتى لا يطير الدخان» و«رجب فوق صفيح ساخن» وغيرها، ووقف ضد الرأسمالية وتغول السلطة فى فيلمه «الغول»، وحارب الإرهاب والتشدد بـ«طيور الظلام» و«الإرهابى» و«الإرهاب والكباب»، وواجه نفوذ رجال الأعمال فى أفلام عديدة منها «المنسى» وغيرها، وعبر عن أحوال البلد في «عمارة يعقوبيان»، و«اللعب مع الكبار»، وتصدى لقضية التطرف الدينى فى فيلم «حسن ومرقص»، وشريط قطار عادل إمام السينمائي الذي يبلغ حوالي 120 محطة سينمائية، جعله يصعد إلي القمة، وصحيح من الصعب الوصول إلي القمة، لكن الأصعب هو الاحتفاظ بمكان عليها لوقت طويل، عبارة لابد أن نتذكرها عندما تتابع مجمل أفلام عادل إمام التي بدأت بمشهد لا يتعد الدقائق الخمس، وانتهت بحصوله علي لقب زعيم الكوميديا في العالم العربي.
ومنذ منتصف التسعينات .. عندما غزت أفلام محمد هنيدي ومن بعده محمد سعد شاشة السينما، توقع بعض النقاد انتهاء ظاهرة عادل إمام وخصوصا عندما حققت هذه الأعمال إيرادات تخطت الملايين وهو أمر لم تعتده السينما المصرية وقتها، إلا أنه أكد حينها أن لكل زمن أوانه ونجومه وانه لا يخشي هنيدي أو غيره لأنه مازال يمتلك إمكانيات لم يكشف عنها بعد رغم مرور سنوات عمره.
يرفض أن يطلق علية لقب «الديكتاتو » أو المغرور، يعيش حياته مع جمهوره ونجاحاته بشكل طبيعي، أسرته وعمله هما همه الوحيد، يري أن حال الأمة العربية أصبح مبكيا وحضارتها تقاس بمشاريعها الإنسانية.
عادل إمام بالفعل نجم لم تغب عنه شمس النجومية، بل هو مكتشف النجوم والكتاب والمخرجين، فأي وجه كان يطل من نافذته الفنية يركب قطار الشهرة سريعاً، إنه زعيم السينما وصانع بهجة الجمهور بلا منازع.