«سينماتوغراف» ـ متابعات
في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ظهر لأول مرة مصطلح السينما الإفريقية إلى الوجود. في تلك الأثناء تمكن عدد من الطلاب الأفارقة الدارسين في باريس من عمل بعض الأفلام القصيرة. على أن مصطلح السينما الإفريقية يوضع حتى هذه اللحظة بين قوسين، من حيث دقة الأبعاد والعلاقات العلمية من وجهة نظر علم النقد السينمائي، فالسينما الوحيدة التي تمتلك مقومات وعناصر مسماها العلمي بإفريقيا هي السينما المصرية التي تتميز بحيازتها لقواعدها الاقتصادية والإنتاجية والتقنية والجمالية التي تراكمت عبر تجربة إنتاجية تزيد على السبعين عاماً.
هذا ما يؤكده د. وجدي كامل صالح في كتابه «السينما الإفريقية ظاهرة جمالية» ترجمة عادل محمد عثمان، موضحاً أن التسمية النمطية المعتادة للسينما الإفريقية في النطق الغربي الأوروبي هي «سينما إفريقيا السوداء» أو «سينما إفريقيا الاستوائية» كما ظل يرددها النقاد في الاتحاد السوفييتي السابق. في تلك الفترة التاريخية لظهور السينما الإفريقية بدأت سينما إفريقيا الشمالية في تشكيل معالمها في دول المغرب العربي (المغرب – الجزائر – تونس – موريتانيا – ليبيا).
يرى المؤلف أن التطور التاريخي المعقد للعمليات الثقافية والتداخل الذي جرى بين الثقافات الإفريقية المحلية والثقافة الإسلامية والأوروبية جعل من مهمة الترسيم والتقسيم الثقافي مهمة مستحيلة، بعدد من دول إفريقيا كالسنغال ومالي وموريتانيا ونيجيريا والسودان وتشاد وإفريقيا الوسطى، وبلدان أخرى استوعبت مؤثرات ثقافية تاريخية شتى.
وعلى الرغم من الاعتراف الموضوعي بتشابه المؤثرات الثقافية في عدد من البلدان الإفريقية وقيام حالة التداخل الحاد في الخارطة الثقافية لها إلا أن ثمة وجوداً لنوع من الوحدة الجغرافية والسياسية والثقافية والاجتماعية تجزم بوجود عوامل مشتركة بين هذه الدول وبعضها بعضاً.
وفي محاولة من مؤلف الكتاب لاستجلاء حقيقة السينما الإفريقية من الزاوية الاصطلاحية توجه الكاتب بالسؤال لعدد من الوجوه التي أسهمت في تطور الأفلام الإفريقية: هل توجد بالفعل سينما إفريقية؟ هل يملك هذا المصطلح الحق في الحياة؟ الناقد السينمائي السنغالي المعروف بابا جوب يرى عدم وجود سينما إفريقية كوحدة مجتمعة بل توجد ظواهر سينمائية متنوعة.
من ناحيته يذهب المخرج والناقد التونسي فريد بو غدير في تحليل هذه المشكلة إلى القول إنه لا توجد صناعة سينمائية بإفريقيا، لكن توجد أفلام لمخرجين أفراد، وأن السينما تقوم هنا كخادم للفنون والثقافات الوطنية. أما من وجهة نظر الناقد التونسي الطاهر الشريعة فإنه يرى وجود إنتاجات سينمائية تتضمن خصائصها الثقافية والتقنية التي تؤكدها، وعلى هذا الصعيد يرى الشريعة وجود سينما إفريقية مضيفاً أن السينما كتجارة وصناعة وفن لا توجد إلا في مصر.
يرى المؤلف أن السينما بإفريقيا حتى الآن لا تمثل ظاهرة جمالية بذاتها بل ظاهرة جمالية يجب أن تقاس على تنوع تجارب أفلامها الصادرة عن تنوع التكوين الثقافي والفني لمخرجيها، ومع غياب البنية الصناعية المستقلة لإنتاج سينمائي إفريقي فإن الوصف الأقرب والأدق لغرض إطلاق مصطلح سينما إفريقيا يتلخص في كونه مصطلحاً مؤقتاً وانتقالياً يهدف إلى تمييز الإنتاج السينمائي لهذه الجغرافيا عن الإنتاج السينمائي الأوروبي والأمريكي اللاتيني والهندي.