«سينماتوغراف» ـ متابعات
واجهت السينما التونسية خلال الأعوام الماضية صعوبة في التسويق بالخارج، رغم نجاح أفلام تونسية في الحصول على جوائز عربية ودولية والتطور اللافت الذي عرفته من حيث مشاركاتها الأخيرة في مهرجانات عالمية.
وتختلف التقييمات التي يقدمها الفاعلون في المشهد السينمائي بتونس لعام 2022، بين من يعتبر أن هناك ضعفاً في الإنتاج وغياباً للصناعة السينمائية، وبين من يرى في نقص الاستثمار في هذا القطاع سبباً مباشراً لضعف الانتشار العربي والعالمي، رغم توفّر الدعم من جانب وزارة الثقافة، وهو حل منقوص في غياب الاستثمار الخاص في هذا القطاع، وفق متابعين للشأن السينمائي.
ويقول الناقد السينمائي التونسي خميس الخياطي، إنّ المشهد السينمائي في تونس من الصعب توصيفه، حيث إنّ ”هناك أفلاماً تونسية، وليس سينما تونسية؛ لأنه ليس لدينا صناعة سينمائية مثلما هو حال مصر مثلاً“. وتابع: ”اليوم في تونس وحتى في العالم العربي أصبحنا نتحدث عن القطاع السمعي البصري لا عن السينما“.
ويوضح الخياطي، أنّ ”السينما التونسية لها خاصية، فهي سينما المؤلف، التي لا تأخذ بعين الاعتبار مسائل التبسيط في السرد السينمائي، حتى يفهم الجمهور مقاصد الفيلم“، وفق تعبيره.
وأشار إلى ضعف التسويق حتى على المستوى الداخلي، قائلاً: ”إنّ تونس لا تملك أكثر من عشرين قاعة سينما في كامل مناطق البلاد، إضافة إلى تسع قنوات تلفزيونية لا تقتني أفلاماً ولا تولي السينما الأهمية التي تستحقها“، على حد تقديره.
وقبل الحديث عن التسويق الخارجي، تبدو السينما التونسية في حاجة إلى المصالحة مع الجمهور التونسي، وأن لا تبقى مادة ثقافية موجهة للنخبة فحسب.
وفي هذا السياق يؤكد الممثل التونسي عمار المليتي، ”أن السينما التونسية يجب أن تنزل إلى مستوى الشارع، حتى تكون في متناول الجميع، ويجب أن لا تكون موجهة للنخبة فقط، أو أن تكون موسمية مثل تنظيم أيام قرطاج المسرحية ثم يتم طي صفحة السينما ولا نتذكرها إلا بتنظيم دورة جديدة من هذا المهرجان“.
واعتبر المليتي، أنّ ”قلة المادة وقلة ذات اليد تؤثر على نوعية الفيلم وقيمته“. موضحاً أنّ ”بعض السينمائيين يتحصلون على الدعم من وزارة الثقافة، لكنهم لا ينتجون أعمالا في مستوى ما حصلوا عليه، خدمة لمصالحهم الخاصة، وهم بذلك يسيئون لأنفسهم ومسيرتهم وللسينما التونسية“، بحسب تعبيره.
وأكّد المليتي أنّ ”السينما التونسية تحتاج دفعاً وتصوراً جديداً لطريقة التعامل والتسويق“.
وعلى الرغم من الاعتقاد بضعف الصناعة السينمائية التونسية، فإنّ بعض الأفلام طفت على السطح في الفترة الأخيرة، ومنها ما تم ترشيحه للمشاركة في مسابقة الأوسكار، مثل ”فرططو الذهب“ للمخرج عبدالحميد بوشناق، وقبله فيلم ”الرجل الذي باع ظهره“، إضافة إلى مشاركات في مهرجان كان ومهرجانات عالمية مرموقة.
ومع وجود هذه الطفرة على مستوى المشاركات، اعتبر المخرج السينمائي أنيس لسود، أن ”السينما التونسية تمر بمرحلة مهمة في تاريخها مع ظهور جيل جديد من السينمائيين يتطورون بمرور الوقت“.
وقال لسود: ”لكن مقابل ذلك لا نشهد تطوراً ونضجاً على مستوى النقد السينمائي أو الإعلام المهتم بالسينما“، وفق تقديره. مضيفاً، أنّ ”السينما التونسية تعتمد كثيرا على التمويل من وزارة الثقافة، وهو تمويل مهم جدا لتنوّع التجربة السينمائية وتواصلها عبر السنين، وهذا ما جعل الأجيال السينمائية تتواصل وتكمل هذا الزخم، حتى من حيث نوعية الأفلام“.
وأشار إلى ”مشكلة التوزيع ومشكلة قاعات السينما، وانتشار الفضاءات متعددة الاختصاصات التي يتم فيها تركيز قاعات سينما داخل الفضاءات التجارية الكبرى“، معتبرا أنّ ”هذا التوجه يسيء إلى قاعات السينما وتوزيع الأفلام“.
ولفت لسود إلى أنّ أبرز المشاكل التي تواجهها السينما، تتمثل في ”نقص المنتجين الذين يشتغلون على تطوير مشاريعهم، باستثناء عدد قليل جداً من المنتجين الذين لديهم رؤية لتطوير الأفلام؛ ما يعني ضعفا في الاستثمار في هذا القطاع الذي بقي يستند على الدعم الرسمي من وزارة الثقافة“.
وأشار في هذا السياق إلى أنّ ”هناك محاولات لإنتاج أفلام تجارية، والأمر يتطلب استثمارا للقطاع الخاص، وهو ما يؤدي إلى تطور مداخيل الأفلام التجارية؛ وبالتالي تمويل إنتاج أفلام جديدة“، وفق تأكيده.
من جانبه، علّق الممثل التونسي محمد الداهش، بأنّ هناك كثرة على مستوى الإنتاج السينمائي في تونس، لا سيما في السنوات الأخيرة، وأشار إلى أنّ بعض المشاريع لا تجد حظها في تونس، لكنها تنجح في الخارج، وأنّ هناك مشاريع تحصلت على الدعم لكن مستوى الإنتاج ضعيف جدا“.
وتحدّث الداهش عن معضلة ما سماها ”المركزية في توزيع السينما“، وهي انتشار قاعات العرض وشركات الإنتاج في العاصمة تونس دون بقية المناطق، معتبرا أنّ هذا ما يدفع بعض المخرجين إلى اللجوء إلى الخارج لتسويق أفلامهم.
ونبّه الداهش إلى أنّ التلفزيون العمومي ”لا يقوم بما يجب القيام به في هذا الباب، ولا يدعم السينما التي تمثل جزءا من المشهد الإعلامي السمعي البصري.