«سينماتوغراف» ـ متابعات
كتبت السينما السودانية تأريخاً جديداً في عام 2021، إثر فوز ثلاثة أفلام بجوائز عالمية قيّمة لتضاف إلى النجاحات السابقة.
وسجّلت سينما السودان حضوراً طاغياً في المحافل والمهرجانات العالمية قبل أن تحصد الجوائز عبر أفلام “الست، التلاميذ والسلاسل، حفنة تمر”، وهي متنوعة بين القصير والاستقصائي وعالجت واقعا معاشا في هذا البلد.
يحدث هذا التقدم وفق مهتمين، رغم المصاعب التي يواجهها قطاع السينما في السودان والمتمثلة في شح التمويل ونقص دور العرض وغيرها من المعضلات.
لكن مناخ الحريات الذي وفره التغيير السياسي وإنهاء حكم الإخوان قبل عامين، شجّع المنتجين وشباب السينما على فعل المستحيل وتقديم أعمال سينمائية نالت إعجاب العالم وحصدت جوائز قيمة مثل الفيلم السوداني ذائع الصيت “ستموت في العشرين” للمخرج أمجد أبوالعلا.
وعلى خطى “ستموت في العشرين”، فاز الفيلم السوداني الاستقصائي “التلاميذ والسلاسل” بجائزة أفضل وثائقي للعام 2021 التي تنظمها الجمعية الملكية للتلفزيون البريطانية.
وتدور قصة الفيلم الذي أعده الكاتب والصحفي فتح الرحمن الحمداني، حول معاناة أطفال المدارس الدينية (الخلاوي) في السودان، وما يتعرضون له من تقييد بالسلاسل.
واعتبرته الجمعية الملكية للتلفزيون البريطانية أفضل التحقيقات الصحفية العربية، للقضية التي طرحها، مما حدا منحه هذه الجائزة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ فاز الفيلم السوداني القصير “حفنة تمر” بجائزة لجنة التحكيم للإنجاز الإبداعي في مهرجان أريزونا السينمائي الدولي بالولايات المتحدة الأمريكية.
والفيلم القصير “حفنة تمر” مقتبس من قصة للروائي السوداني الراحل الطيب صالح تحمل الاسم ذاته، ومن إخراج هاشم حسن.
ويصور الفيلم الصراع الداخلي لمحيميد الطفل الذي يكتشف حقيقة مؤلمة ويتعلم أن العالم مكان أكثر قسوة مما كان يعتقد.
وقائع الفيلم الذي فاز بعدة جوائز في العامين الماضيين، شكلت إسهاماً كبيراً في التعريف بالثقافة السودانية والإنتاج السينمائي السوداني الجديد في السينما العالمية.
وخلال 2021، واصل الفيلم السوداني القصير “الست” نجاحاته، وحصل على جائزة أفضل فيلم قصير من مهرجان نيو أورلينز السينمائي الدولي في دورته الثانية والثلاثين.
ورفع الفيلم الذي أخرجته سوزانا ميرغني حظوظه في الوصول للقائمة القصيرة لجوائز الأوسكار بعدما فاز بجوائز من 4 مهرجانات مؤهلة لجوائز الأكاديمية، ويرفع رصيده من الجوائز لـ26 جائزة.
وفيلم “الست” يحكي قصة نفيسة الفتاة السودانية التي تبلغ من العمر 15 عاماً وتعيش في قرية معروفة بزراعة القطن، قلبها مولع بشاب يدعى بابكر، لكن أهلها رتبوا لها زيجة بالشاب نادر وهو رجل أعمال يعيش في الخارج.
أما جدتها وهي الآمرة الناهية في القرية، فهي الأخرى رسمت خططاً خاصة لحياة نفيسة. فهل ستستطيع هذه الفتاة أن تختار بنفسها مسار حياتها القادم؟.
ويشير الصحفي المهتم بشؤون الفن والمسرح، محي الدين علي، إلى أن النجاحات التي تحققها السينما السودانية بمثابة معجزة نظراً للتحديات الكبيرة من شح في التمويل وغيره “فلا توجد جهة متعهدة بدعم الإنتاج السينمائي مالياً وما يتحقق كله بمجهود ذاتي من المخرجين والممثلين رغم الكلفة العالية“.
ويقول، محي الدين علي: “ما يحدث من تقدم في قطاع السينما يدعو للفخر، وحان الوقت لأن تطلع الدولة بدورها في دعم هذا الفن المؤثر حتى يصل مرحلة التعافي الكامل بعد أن ظل مقعداً طوال ثلاثة عقود ماضية“.
لكن محي الدين تخوف من انتكاسة في مجال الحريات وعودة العهد الظلامي في الكبت ومحاربة الفنون، وذلك على خلفية التغيرات السياسية في البلاد والتي حدثت في خواتيم عام 2021.
وأضاف: “تقدم السينما في السودان خلال المرحلة القادمة مرهون على أسوأ الفروض بعدم عودة عهد التضييق على الفنون وبسط الحريات للعمل الفني والإبداعي، ومن ثم تقدم الدعم المالي ما أمكن“.