«سينماتوغراف» ــ أسامة عسل
تميزت المرأة الإماراتية خلال الأعوام الأخيرة بحضورها الفعال في جميع الأنشطة الثقافية والاجتماعية، وأصبح لها وجود لافت على الصعيد الإعلامي والصحافي والأدبي، وتوجت بصمتها كذلك في عالم الإخراج السينمائي.
تعتبر ضيفتنا هذا اليوم من الأسماء الإماراتية البارزة في مجال الفن السابع، بدأت مشوارها مع الصورة كشاعرة قوية في منطقة الخليج، نشرت 6 مجموعات شعرية. وقدمت كمخرجة العديد من الأفلام الوثائقية، لها قدرة كبيرة على مزج الروح مع الجسد والحقيقي بالخيالي، نثرت أحلامها على أرض الواقع فأنبتت أعمالا تتلألأ في طريق البحث عن صناعة سينما داخل دولة الإمارات، كتابتها للشعر والقصة أسهما في جعلها دوما قادرة على صياغة أفكارها بطريقة مرتبة وذكية. وخلال السطور التالية تسلط الضوء على السينما في حياتها وعلاقتها بالناس.
نجوم الغانم شاعرة ومخرجة سينمائية إماراتية، تولي الثقافة والفنون جزءا كبيرا من عنايتها، فزوجها خالد البدور هو واحد من رواد القصيدة الحديثة ودارس للسينما كذلك، فلا غرابة أن يلتقيا ويسيرا معا في مشوار الحياة والفن.
حصلت على شهادة البكالوريوس في الإنتاج والإخراج التلفزيوني من جامعة أوهايو بأميركا في عام 1996، كما حصلت على شهادة الماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة غريفيث باستراليا عام 1999، بدأت الكتابة الشعرية في أواخر السبعينيات.
لم تتجه للنشر في الصحافة المحلية إلا في مطلع الثمانينات، أصدرت أول ديوان لها بعنوان مساء الجنة (1998)، ثم تتابعت مجموعاتها الشعرية، وعبر رحلة قصيرة استطاعت نجوم الغانم أن تنجز فيلمين روائيين قصيرين قبل أن تقدم فيلمها الوثائقي «مابين ضفتين»، ثم فيلمها «المريد» الذي تناول بشكل وثائقي شخصية شيخ استثنائي عاش في الإمارات وكان له عدد كبير من الأتباع، ثم قدمت بعد ذلك أفلام «حمامه»عام 2010، «أمل» عام 2012، «أحمر أزرق أصفر» عام 2013، و«صوت البحر» عام 2014، و«سماء قريبة» عام 2015.
تؤكد انجذابها للأعمال التي ترتكز على قضايا إنسانية، لكنها تمنح نفسها السعادة بالفرجة على أفلام من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وتحرص على مشاهدة أفلام المهرجانات بهدف المتعة والاستفادة الفنية، التي تحفز طموح المغامرة لصنع سينما إماراتية رغم المعوقات المالية.
وفي لقاء شاركت نجوم الغانم (سينماتوغراف) هذه الوقفات التي تأخذنا فيها إلى آرائها وانطباعاتها عن كواليس صناعة السينما.
تأثير الأفلام
(كانت الأفلام ولا زالت وسيلة للترفيه والمتعة والخروج ولو بشكل مؤقت من دائرة المعتاد المتمثل في الروتين أو النظام الحياتي اليومي. وأظن أن تأثر الناس بها يعتمد على درجة وعيهم ومستواهم الثقافي والتعليمي).
ترى نجوم الغانم أن المدرك للعبة السينمائية وأدواتها وعناصرها ومؤثراتها لن يقع في شرك الإيهام بنفس الدرجة من الناحية العاطفية، حيث انه مازالت هناك شعوب ترى في الممثلين أبطالا أسطوريين وعشاقا افتراضيين وهي حالة تغذي فكرة أحلام اليقظة وتبث فيها الحرارة وتمنحها طاقة الاستمرار.
تواصل قائلة: قديما طبعا كان التأثير مختلفا لأن السينما لم تكن بالتعقيد التقني والفني الذي وصلت إليه اليوم، وكان هناك ما يشبه الدور الاجتماعي أو الوظيفي الذي يخدم توجها بعينه فكان شكل الغالبية العظمى من الأفلام يبدو أكثر واقعية ومباشرة وأقرب إلى عالم الأحداث المألوفة، ومع هذا كانت تسحر الناس وتجعلهم مأخوذين بالحيل الدرامية والفنية البسيطة في حينها.
تؤكد حول ما يتعلق بأمر تشكيل السينما لقيم الناس، إن السينما كانت على امتداد التاريخ تلعب على ثيمات متعارف عليها مثل الحرب والسلام والحب والكره والخير والشر والغيرة والتسامح وحتى القضايا المتعلقة بالأخلاق كانت دائما تعالج في السينما وهي ثيمات تعكس ما هو موجود في الحياة أصلا، وإذا نظرنا للحياة اليوم فسنجد أن مستوى الحرية والانفتاح فيها أصبح أوسع وبالتالي فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على الشاشة.
القصد أنه إذا كانت السينما قد استطاعت أن تؤثر على القيم والوجدان في السابق فهي اليوم ستكون أكثر نجاحا في عمل الأمر نفسه لأنها تبدو أكثر تصديقا من أي وقت مضى.
طقوس المشاهدة
(في تصنيفات اليوم نجد مصطلحات مثل دراما وأكشن وأفلام الخيال العلمي وغيرها وهي تبدو ضيقة وأحيانا مضللة، وأسوأ تصنيفين في رأيي كلمة دراما لأنها تفترض المآسي العاطفية، وأكشن لأنها توحي بسيطرة العنف).
مقدمة جعلتها نجوم الغانم مدخلا للحديث عن طقوس مشاهدتها للأفلام، فتقول: لكي أذهب للسينما فإنني يجب أن أكون في مزاج يسمح بذلك ويكون هناك أيضا فيلم يستحق المشاهدة، حيث ألتفت دائما إلى المقاطع الإعلانية للأفلام التي ستصل قريبا أو التي في طور الإنتاج وأحاول أن أعرف المزيد من المعلومات عن الفيلم الذي أقرر مشاهدته.
هذه المعلومات أحصل عليها عادة إما من أفراد عائلتي الذين أثق برأيهم أو من الأصدقاء أو من الانترنت وبالتحديد المتابعات الصحافية والنقدية التي تكتب عن الأفلام، وإن نويت الذهاب لحضور فيلم فلا بد وأن يكون معي من يرافقني للسينما لأنني أحتاج أن أتحدث عن الفيلم ليس بعد أن أخرج منه مباشرة.
لكن في وقت لاحق، وكثيرا ما أختار الأفلام بناء على اسم المخرج والممثلين والممثلات المفضلين والمفضلات لدي، وأنجذب إلى الأفلام التي ترتكز على قضايا إنسانية وأسئلة تتطلب التأمل والتحليل لماهيتها وجوهرها.
التحديات العربية
(السينما العربية أمام تحديات كبيرة جداً ليس فقط من السينما الهوليوودية وإنما من السينما المتقدمة والنافذة في كل مكان في العالم، وهي تكاد تكون في مأزق تقني حقيقي كونها غير قادرة على المنافسة).
تشير نجوم الغانم إلى انه رغم الوضع السيئ للسينما العربية لكنها تعتقد أن السينمائيين في الإمارات يحاولون بجدية كبيرة وجهد مخلص أن يقدموا ما بوسعهم، وقد نجح بعضهم ومازال آخرون يحاولون.
وإنما السينما الخليجية عموما أمام تحدي التقنية العالية والنص المنفتح على الآخر، والمسألة ليست سهلة بسبب المعوقات المالية ولكن الطموح يستحق المغامرة، ومن المهم جدا أن تجد من يؤمن بمقدراتك وبأنك تستطيع أن تكون مبدعا وناجحا بدرجة كبيرة
تنوع الأعمال
(بعض أفلام هوليوود الضخمة على سبيل المثال تعتبر من أهم الأفلام في صناعة السينما التي أحدثت نوعا من الاختراق والانجاز على صعيد السيناريوهات بما فيها من خيال حر وكذلك التقنيات والجرافيك واللغة والمعالجة).
تتوقف نجوم الغانم أمام الأفلام الأميركية ولكنها بنفس الاهتمام والفضول تشعر بالسعادة عند مشاهدتها لأعمال السينما الأوروبية والسينما الآسيوية والأفريقية وأميركا اللاتينية وغيرها من تجارب حول العالم، وهذا من وجهة نظرها يمنح المشاهدين فرص دائمة للخيار والانتقاء.
ترى أن السينما الآسيوية مثل الإيرانية واليابانية والصينية والكورية والفيتنامية والتايوانية من جهة وسينما الدول الأوروبية غير الناطقة باللغة الانجليزية من جهة ثانية وكذلك سينما أميركا اللاتينية تستحق الكثير من الاهتمام والمتابعة.
وهي لا تلقى الحظ من الاختيار للترجمة والعرض في دور السينما في بلادنا رغم تقدمها وغناها كمحتوى وشكل فني، وأظن أن ما يعيقها هو افتراض أصحاب دور العرض السينمائية أن الجمهور لن يقبل عليها ولكن الأمر يحتاج إلى المبادرة والوقت والتسامح مع فكرة الربح السريع وتبني مبدأ تقديم خدمة ثقافية تنويرية تثقيفية فنية للجمهور.
مراحل مهمة
(عندما أذهب إلى السينما في الأيام العادية يكون الهدف الأساسي هو المتعة وأحيانا تكون هناك أفلام تستأثر بي وتجعلني أتأملها بعين تحليلية، أما أفلام المهرجانات فيتم اختيارها بهدف المتعة والتحليل والتعلم والاستفادة الفنية).
تعدد نجوم الغانم أسماء الأفلام المهمة التي تأثرت بها في مراحل حياتها وارتباطها بالسينما قائلة: هناك أعمال المخرج الياباني الكبير أكيرا كيروساوا وأفلامه النافذة إلى الوجدان مثل «ران»، «ظل المحارب»، «نشيد آب الحزين»، «راشومون»، و«الساموراي السبعة ».
وبعض أفلام المخرج الصيني زانج ييمو «الأرض الصفراء» و «قصة كيو جو» والفيلم الرائع «ارفعوا المصابيح الحمراء»، وللمخرج الفرنسي الفيتنامي الأصل تران آنه هانغ فيلم «رائحة البابايا الخضراء» وفيلم «شعاع الشمس العمودي».
وثلاثية البولندي كريستوف كيزلوتمسكى أزرق، وأبيض، وأحمر. والفيلم الفرنسي «الملكة مارغوث» للمخرج الفرنسي باتريك شيرو وغيرها من الأفلام التي ستحتاج إلى مساحة أكبر لذكره، وما يمكن قوله عن هذه الأفلام أنها مختلفة وذات روح فنية وإبداعية خاصة ومحرضة وملهمة.
الإنتاج الراقي
(فيلم «انسيبشن» لكريستوفر نولان من أجمل الافلام التي شاهدتها وهو يدعو للمشاهدة لأكثر من مرة ويترك مساحة كبيرة للجدل والتحليل والخيال بسبب إيحائه وإشكالية الأفكار المطروحة فيه).
تسترسل نجوم الغانم كلامها مؤكدة أن ما كتبه نولان بنفسه خلال عشرة أعوام وجاء بهذه النتيجة يستحق بالفعل العناء والصبر، وفيلمه يضعنا أمام مستوى جديد من مستويات الإنتاج السينمائي الراقي جدا في تناوله الموضوعي والتقني.
بالنسبة لي شخصياً شاهدته مع بناتي مرتين وعقب كل مشاهدة كانت هناك نقاشات تمتد حتى ساعات الصباح الأولى وللعديد من الأيام، وخرجنا بنتيجة أن مثل هذه الأفلام تصل بك إلى درجة من التحدي تجعلك انتقائيا جدا حين يتعلق الأمر باختيار أفلام أخرى للمشاهدة، فالسينما الجيدة تجعل المشاهد يتمرد على الأعمال البسيطة والعادية والمباشرة.