دبي ـ «سينماتوغراف»
حالة الثقافة السينمائية في العالم العربي لا زالت ضعيفة ومحصورة بين مؤشرين، هبوط للفيلم العربي وصعود للأميركي المتمثل فيما تقدمه هوليوود، وما بين نقطتي المنحنى من أعلى إلي أسفل، تتأثر بوصلة الجمهور بأفلام الأكشن والرعب والميزانيات والمؤثرات الضخمة.
ولأن صالات السينما في الخليج كانت محدودة حتى سنوات مضت، صاحب الانتعاش العقاري في إنشاء المراكز التجارية وزيادة عدد السكان مؤخرا، حدوث طفرة في عدد الشاشات وارتفاع ملحوظ للإيرادات في شباك التذاكر، ما أدى إلي تغيير قواعد اللعبة لاستوديوهات لوس انجلوس وتركيزها على سوق الشرق الأوسط، وساهم ذلك في ظهور هيمنه صنعتها شركات التوزيع أدت مع الوقت إلي إطلاق الأفلام في المنطقة مواكبة لعرضها في التوقيت نفسه داخل أميركا.
ويعتقد البعض أن السينما مجرد أفكار وإنتاج أفلام، لكن يؤكد الخبراء أن التسويق ومفرداته من (توزيع ودعاية وعلاقات) عناصر مهمة تلعب دورا في تحقيق أعمال دون أخرى إلي إيرادات تتجاوز أحيانا حد المعقول.
واليوم يأخذنا ضيف متخصص من العاملين في شركات التوزيع، لكي يوضح الصورة أكثر من خلال (أرقام وإحصائيات ومؤشرات وأسهم) ويقترب بنا من مجال معلوماته التي قد تكشف آفاقا جديدة في علاقة الناس بالسينما.
كفاح غريزي المدير الإداري لشركة أمبير أنترناشيونال لتوزيع الأفلام في منطقة الشرق الأوسط، بخلاف دراسته لـ”البزنس كمبيوتر” أكتسب خبرة عريضة خلال 18 عاما (مده عمله في هذا المجال)، جعلته أكثر دراية وإلماما بتفاصيل سوق السينما ونوعيات الجمهور وشاشات العرض ومؤشرات الأفلام الأكثر جماهيرية في شباك التذاكر الإماراتي.
يرى أن تعامل شركته مع (2 من أصل 5) لأكبر استوديوهات هوليوود وهما “كولومبيا بيكتشرز وفوكس” عكس نمط علاقة اختلفت وتطورت وجعلت النظرة للإمارات خصوصا ومنطقة الخليج أكثر انفتاحا تجاريا وسينمائيا.
يؤكد أن الصورة اختلفت عن السنوات الماضية، حيث كانت توجد 7 صالات فقط موزعة مابين دبي وأبوظبي والشارقة، ولكنها وصلت الآن إلي 30 موقعا موزعة في الإمارات كلها وتحتوي على مايقارب من 500 صالة عرض.
ويعتقد أن هذه الطفرة ساعدت على زيادة عدد الأفلام والإقبال الجماهيري نظرا لزيادة السكان من (1.8مليون إلي 4.3 مليون نسمة)، ما جعل سوق الإمارات يستحوذ على 60% من سوق توزيع الأفلام في الخليج، والـ40% الباقية موزعة مابين (عمان، البحرين، قطر، والكويت) ويمكن إضافة لبنان والأردن.
وفي لقاء تم داخل مكتبه بشركة أمبير، ومع ملصقات الأفلام وصور النجوم والنجمات، كان لـ(سينماتوغراف) مع كفاح غريزي هذه الوقفات التي أخذنا فيها إلي عالم السينما وتطور تقنية الأبعاد الثلاثية وطرق محاربة قراصنة الأفلام.
1 ـ ازدهار الإمارات
(لا يمكن إنكار الدور الذي تلعبه وزارة الإعلام في الإمارات، من حيث مراقبة الأفلام وحذف المشاهد، وكلها أمور تحسنت وتطورت مع الوقت وساعدت على سرعة توزيع وعرض الأفلام).
بداية أوضح من خلالها كفاح غريزي أن ازدهار الإمارات ساعد على انتعاش عرض وتوزيع الأفلام بالصالات المحلية، والتي عكست بدورها تصنيفات الجمهور من خلال سيطرة نوعية أفلام الأكشن على توجهاته قديما، وزاد عليها أفلام الرعب، أما حاليا ومن خلال إحصاءات شباك التذاكر تجلب أفلام الكوميدي إيرادات تساوي أفلام الأكشن وأحيانا تتفوق عليها.
وهذا لا يلغي تأثير الأفلام ذات الميزانيات الضخمة والتقنية العالية مثل (أفنجرز)، (باتمان يقابل سوبر مان)، أو (الرجال أكس) و (كابتن أميركا: الحرب الأهلية)، ويسترسل “غريزي” قائلا: وهي أفلام يجد فيها المشاهد المتعة وتخاطب الخيال، وأحرص على مشاهدتما ومعرفة رد فعل الجمهور عليها، وهما مؤشر مستقبلي لمثل هذه النوعية عندما توجد أفلام شبيهه من إنتاج الاستوديوهات التي أوزع أعمالها لتلافي السلبيات التي حدثت أو تأكيد إيجابيات لمستها ورصدتها.
2 ـ عناصر التميز
(من الملاحظ أن توسعات السوق الإماراتي مؤخرا شهدت نقلات سريعة ومتلاحقة، في إيجاد بنية تحتية قوية ومتميزة لعرض الأفلام، رافقها نوعية الأعمال وتوقيت انطلاقها مواكبا نزولها في الولايات المتحدة).
عدد كفاح غريزي العناصر والمفردات التي ساهمت في احتلال الإمارات مكانة جعلتها تتصدر منطقة الشرق الأوسط في سوق توزيع الأفلام، ومنها عدد الشاشات التي وصلت هذا العام إلي 500 صالة، وأضاف: كذلك زاد عدد الصالات المستخدمة لتقنية الأبعاد الثلاثية، فقبل عرض فيلم “أفاتار” كان لدينا 4 صالات فقط تعمل بخاصية (D2، 3D) ثم طور أصحاب صالات السينما لاستقبال هذا الفيلم ليتم عرضه في 16 صالة، ومع توالي أفلام من هذه النوعية تم تطوير كافة الصالات الآن لتكون جاهزة كذلك لأي تغيير مرتقب مع التطور الكبير في طريقة عرض الأفلام.
3ـ نقلة أفاتار
(سيبقى فيلم “أفاتار” مؤشرا هاما في صناعة السينما سواء من حيث التقنية أو الإيرادات، وأصبح يؤرخ خلال الأعوام الأخيرة بالنسبة للأفلام وصناعها وأيضا النقاد لما قبل وما بعد “أفاتار”).
وجهة نظر بلورها كفاح غريزي عن الفيلم الذي قام بتوزيعه في منطقة الشرق الأوسط وحقق إيرادات وصلت إلي 2.7 مليار دولار من أنحاء العالم، مضيفا أن النجاح الفني شجع أيضا المخرج الأميركي المخضرم “جيمس كاميرون” للإعلان حاليا عن تصوير الجزأين المنتظرين من رائعته الملحمية السينمائية “أفاتار” في الوقت نفسه، ليتسنى عرضهما بالتوالي عامي 2017 و2018.
وأستطرد قائلا: هذا العمل يستحق المشاهدة أكثر من مرة بتأمل ورصد لأحداثه التي تتناول أطماع الإنسانية في المستقبل من خلال كوكب يدعى “باندورا” والسعي وراء الحصول على ثرواته ومحاولة إفناء سكانه الأصلين لتحقيق هذا الغرض، إلا أن أحد أبناء البشر ينضم لأهالي الكوكب بعد تعاطفه مع قضيتهم وينجح في قيادتهم للنجاة وهزيمة بني جنسه.
4ـ قرصنة الأفلام
(قرصنة الأفلام تعتبر من أهم وأخطر ما يواجه صناعة السينما حتى باتت تهدد معظم شركات الإنتاج السينمائي في مختلف دول العالم بخسارة فادحة نهايتها المحتومة التوقف عن الإنتاج).
قضية لخصها كفاح غريزي في تلك الكلمات وتوقف أمامها مؤكدا أنها لا تزال تعتبر مشكلة وقضية عالمية في السينما رغم أن الإمارات لا تعاني حاليا منها نظرا لقوانينها المشددة، لكن هناك محاولة للحد من القرصنة عالميا ويستدل “غريزي” على ذلك من خلال اجتهادات بعض الشركات التي تعتمد فكرة نظام مكافحة قرصنة الأفلام السينمائية بوضع علامة مائية يتم إضافتها للأفلام الرقمية تتضمن هذه العلامة المائية معلومات عن صالة السينما ووقت العرض وبالتالي فانه عند تسرب احد الأفلام على الانترنت يمكن التعرف على مصدر النسخة التي تم تسريبها وبالتالي معاقبة دار السينما، وهناك باحثون آخرون يعملون على تطوير تقنية من شأنها القضاء بشكل قاطع على نسخ الأقراص الرقمية، حيث تعتمد الفكرة التي يعملون عليها من خلال تقنية جديدة تهدف إلي بث الأفلام مباشرة إلى صالات العرض عن طريق وسائط ربط تعمل عبر الأقمار الصناعية، وذلك دون الاستعانة بأجهزة الكمبيوتر أو النسخ على الأقراص، ما يعني القضاء على قرصنة الأفلام السينمائية الجديدة بصورة شبه نهائية، وبدأ بالفعل تطبيقها في بعض صالات السينما بالامارات.
5ـ ظروف وملابسات
(هناك ظروف وملابسات يمكن لها التأثير على أرقام إيرادات الأفلام ومنها شهر رمضان الذي تهبط فيه المؤشرات إلي 50%، وهو ما يعني التفكير جيدا في نوعية الفيلم المعروض ومقدرته على الصمود).
يفند كفاح غريزي هذه الفترات قائلا: في ظل عزوف نسبة كبيرة من جمهور السينما عن الذهاب إليها مفضلين الدراما التلفزيونية، دفعنا بفيلم (أليس عبر المرآة) الذي يستمر عرضه في صالات السينما حتى انتهاء عيد الفطر.
ويضيف “غريزي” هذا الفيلم خيالي مُغامرة أمريكي انتاج عام 2016 من إخراج جيمس بوبين، مأخوذٌ عن رِواية أليس عبر المرآة لمؤلِفها لويس كارول، وهو تِتمة لفيلم أليس في بلاد العجائب الذي عُرض عام 2010. والفيلم مِن بطولة ميا واسيكوسكا بِدور (أليس) وَجوني ديب بِدور (صانع القبعات) وَهيلينا بونهام كارتر بِدور (الملكة الحمراء) وَآن هاثاواي بِدور (الملكة البيضاء) وَآلان ريكمان بِدور (اليرقة). وبدأ عرضه عالميا في 27 مايو الماضي.
ومن الجديرٌ بالذِكر أن فيلم أليس في بلاد العجائب حاز على إعجاب الكثيرين وفاز بالعديد من الجوائز العالمية من بينها جائزتين أوسكار وقد تعدت إيراداته حاجز المليار دولار.
6 ـ الأعمال العربية
(من المؤسف القول بأن السينما العربية لم تعد قادرة على محاكاة الطفرات العلمية والتقنية والخيال مثلما لم تتمكن في السابق من محاكاة القيمة الفكرية والفنية الجمالية لسينما هوليوود المسيطرة على نسبة كبيرة من الجمهور).
إجابة صادمة لكفاح غريزي عن سؤال حول الأفلام العربية وتأخر توزيعها خليجيا، وعدم اقتناعه بتغيير تلك الصورة رغم عزوف شركته عن التعامل معها لغياب عناصر (الدعاية والتريلر والمعلومات ورغبة أصحابها في بيعها قطعيا دون الاعتماد على شباك التذاكر).
وهذه الأعمال العربية كما يراها “غريزي” ومستواها غير القياسي في الصورة والصوت والبناء والأداء تشكل هي الأخرى سببا في عدم رغبة المشاهد في إضاعة الوقت لمشاهدة فيلم يمكن أن يشاهد أفضل منه قصة وأداء وتصوير ويحمل من المؤثرات والتقنيات الحديثة ما يثيره ويطلق عنان خياله.