«سينماتوغراف» ــ أسامة عسل
الصورة هي أول شيء لجأ إليه الإنسان البدائي للتعبير عن نفسه وعن أفكاره والدليل على ذلك أن أول الحروف الهجائية في اللغة الإنسانية الأولى اتخذت شكل صور الأشياء والطيور والحيوانات المحيطة بالإنسان الأول في لغات الشرق القديم.
وتعتبر الصورة الفوتوغرافية حاليا، الخزينة الحية، والدائمة والتي لديها القدرة الكاملة، على التقاط الحدث، بكل تفاصيله والبوح به، في أي وقت، كما أنها تعكس كل اللحظات في حياة الناس والنجوم، ومما لاشك فيه، أنها مصدر ثقة للقارئ، كما أنها في أحيان كثيرة، تتفوق على الخبر، فهي لغة، يفهمها المجتمع بشتى أطيافه، وهذا ما يجعلها قريبة للجميع.
اليوم نقترب من ضيف متخصص يلقي الضوء أكثر على جوانب الصورة في حياة النجوم والأفلام ويأخذنا في رحلة من المعلومات تفتح آفاقا جديدة في علاقة السينما بالناس.
عادل مبارز فنان فوتوغرافي عشق السينما منذ نعومة أظافره، واتخذ من نجماتها وسيلة للشهرة والمجد، فمن خلال عمله نجح على إظهار سحرهن ليصبح بمرور الأيام واحدا من أهم مصوري الفوتوغرافيا في مصر والملاذ الأول للنجمات لإبراز جمالهن على صفحات الجرائد والمجلات وأمام كاميرا السينما.
لم يكن صعود عادل مبارز سهلاً ميسراً إلى القمة، فلقد بدأ خطواته عندما كان صغيرا، وكان يشاهد أخاه الأكبر يصور الأسرة وطلب منه التقاط صورة لهم فوضع الأخ الكاميرا فوق الحامل وطلب من عادل التقاط الصورة واكتشف في هذه اللحظة مدى سعادته لمجرد السماح له بلمس الكاميرا، وما إن شرع في الاقتراب من الكاميرا حتى شاهد أخوه شخصا مارا بالقرب منهم فطلب منه أن يلتقط لهم الصورة، فأثر هذا الموقف في الطفل الصغير وظل يبكي حتى اشترى له والده كاميرا خاصة وصل ثمنها آنذاك إلى 80 قرشا، ومن وقتها قرر أن يكون التصوير هو مهنته وموهبته الأولى وعزم على أن يبرع فيه.
اشترى الطفل بعد أسبوعين فيلما جديدا من مصروفه بستة قروش وطبق قواعد التصوير التي تعلمها وبدأ في التطور لحظة بلحظة مع تطور التكنولوجيا وتطور الكاميرات، وبسبب حبه للتصوير كاد مبارز يفقد حياته مرتين الأولى أثناء تصوير شاه إيران في أسوان عام 1968، والثانية أثناء اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981.
ورغم إتقان وشهرة عادل مبارز في تصوير نجوم الرياضة والفن والشخصيات العامة فإن الصورة السينمائية الموضوعية تمثل له الكثير، فهو يؤمن بأن الصورة تساوى ألف كلمة، وعن حبه للسينما وتاريخه معها والأفلام المؤثرة في مشواره كانت له مع «سينماتوغراف» وقفات عبر السطور المقبلة.
1ـ ملامح الصورة
(الصورة الفوتوغرافية نصف نجاح الفيلم السينمائي لأنه من خلالها يتم عادة ترشيح بطل الفيلم ويظهر ذلك من خلال تعبيراته المصورة، كما أنها تمثل توثيقا للمخرج عن تتابع المشاهد واللقطات وترتيبها وكذلك ملابس الممثلين).
يرى عادل مبارز أن أكثر الأسباب نجاحا لأداء الدور هو اختيار الممثل الذي تتمكن تعبيرات وجهه من أداء هذا الدور، ويحكى عن تجربة شخصية له في هذا الأمر عندما قابل الفنان عادل إمام وكان في بداية مشواره مع التصوير بينما كان الأخير نجما كوميديا، ويضيف: أعطاني إمام الفرصة لأبدأ حياتي مع نجم كبير، وبالفعل طلبت منه تعبيرات معينة تظهر على وجهه أثناء التصوير، وبالفعل أخذت له لقطة جميلة جدا تبرز ملامح الغضب في وجهه، وبعد هذا الموقف بسنة كاملة تم ترشيح الفنان عادل إمام لفيلم “المشبوه”.
في هذا الفيلم، كما يشير مبارز، برع عادل إمام في تقديم أول دور غير كوميدي له في السينما، والسبب الصورة التي التقطتها لعادل والتي عندما شاهدها مخرج الفيلم سمير سيف رشحه لدور اللص في الفيلم رغم أنه كان قد استقر على ترشيح الفنان فاروق الفيشاوي، لكن تعبيرات وجه عادل في الصورة كان لها العامل الأكبر في إقناع سمير سيف بأداء عادل لدور اللص وكان هذا الدور في الوقت ذاته نقطة التحول الفني لإمام، حيث قدم بعدها أفلاما بها الكثير من الأكشن.
يستعيد مبارز ذاكرته قائلا: “عندما بدأت التصوير كان اهتمامي منحصرا في عمل صور حلوة وجميلة للفنانين وبعد فترة بدأت أركز في الإخراج السينمائي الذي يتيح الفرصة لكشف التعبيرات المطلوبة من الفنان، وبعدها قررت العمل على إخراج الأحاسيس للفنان الذي أصوره، ثم بدأت أهتم بإظهار هذه الأحاسيس باستخدام إضاءة ومرشحات تضفى لمحات جميلة أكبر على صورة الفنان، وفي كل ذلك أعترف بأنني استمددت خيالي من السينما لأنها (دار الخيال).
2ـ التأثير القوي
(السينما تجسد كل ما نعيش فيه وتجسد الواقع وتضعه أمام الأعين، ولذلك فهي أكثر شيء مؤثر في المجتمع لأنها تمثل الواقع المريض للمجتمع فتؤثر فيه كما تتأثر به وتعرض مشاكله).
يؤمن مبارز بأن السينما سيظل لها سحر خاص في تأثيرها على المجتمع ويقول: أنا شخصياً تأثرت بها واستفدت واتخذت منها حقائق أنفذها في حياتي فشاهدت مثلا نموذجين من السينما أمام عيني واقتديت بهما، أحد هذه الأفلام كان لجملة سمعتها من نور الشريف في فيلم “الصرخة” من بطولة معالي زايد ومجموعة من الممثلين منهم الصم والبكم، ومن إخراج محمد النجار، ويعتبر من الأفلام المصرية القليلة التي تناولت قضايا الصم والبكم، ويحكي أحد المشاهد دخول نور الشريف مستشفى الأمراض النفسية وراء معالي ليطلب منها الاعتراف بقضية كانت متهمة فيها، فكان هذا المشهد مثيراً للغاية، وتعرضت لمثله وفعلت مثلما فعل نور الشريف، فكنت أثناء تصوير أحد المشاهد وكانت أمامي متهمة خطفت طفلاً فظللت أضغط عليها حتى انهارت بالاعتراف، فموقف هذا الفيلم تحول لواقع تعاملت فيه بنفس ما حدث وحولت القصة الحقيقية بعد ذلك لمسلسل “في أيد أمينة”.
كذلك ناقش الفنان عادل إمام نموذجا للمحامي حسن سبانخ في فيلم “الأفوكاتو”، وهو من إخراج رأفت الميهي وشاركه البطولة حسين الشربيني ويسرا، وقدم إمام شخصية حسن سبانخ المحامي في الفيلم بصورة فاضحة، فرأيت مثل هذا النموذج لمحامٍ في الحقيقة وكان محامي السيدة الخاطفة للطفل، فكل أفلام السينما تحاكي الواقع الذي حدث وما سوف يحدث سواء بإظهار إيجابيات أو سلبيات في المجتمع، ومع أنه يصدم المشاهد فإنه واقع، وكلما نظرنا حولنا وجدنا كل هذا ولكننا لم نصدم به إلا عند مشاهدته على الشاشة، وهنا يصبح التأثير الخطير للسينما، فإذا اعتمدت على الأداء المحترم تكون الأحداث جيدة وإذا اعتمدت على الإسفاف ومشاهد الإغراء دون داعٍ هنا يكون التأثير السلبي لها”.
3ـ أفلام لا تنسى
(الفنان كائن اختاره الله وأعطى له موهبة لذلك لابد أن يجتهد لتوصيل رسالة صحيحة للمجتمع الذي يعيش فيه، وينبغي ألا يكون الهدف من الفن هدفاً تجارياً بحتاً، بل لابد أن يرقى بمستوى المشاهد ولا ينحدر بمستوى العمل).
يرى مبارز أن الفن تحول لوسيلة تجارية في السنوات الأخيرة، والدليل على ذلك هو بقاء أغاني وأفلام أم كلثوم وعبد الحليم وفريد الأطرش وشادية وألحان الموسيقيين الكبار كلها عبد الوهاب والموجي وغيرهما ـ لها صدى كبير حتى الآن؛ لأنها نابعة من فنانين لديهم رسالة تعبر عن أحاسيسهم ومشاعرهم.
من الأفلام التي لا تنسى، يسترسل مبارز قائلا: “لا يمكن أن ننسى أفلاما أثبتت نجاحها على المستوى الفني مثل “الزوجة الثانية” إخراج صلاح أبو سيف وبطولة سعاد حسني وشكري سرحان، ويحكي عن رغبة عمدة إحدى القرى في الريف المصري في إنجاب ابن يرثه ويحمل اسمه، فيطمع في خادمته ويجبر عامله على تطليقها ويتزوجها جبرا، من خلال تهديده بتلفيق تهمة له، ولكنها تستخدم الحيلة في إبعاده عنها وتستمر علاقتها بزوجها، وينتهي الفيلم بإصابة العمدة بالشلل عند علمه بحملها ويموت، فتعيد الزوجة الحقوق لأصحابها.
أيضا أثرت فيّ أفلام نجيب الريحاني خصوصا فيلم “سى عمر” الذي تدور أحداثه حول جابر موظف بسيط في عزبة عمر الألفي يطرد منها لاكتشافه تزويرا في حساباتها، يلتقي بسيدة جميلة تقنعه باستغلال الشبه الكبير بينه وبين عمر الألفي الذي اختفى منذ سنوات في الهند لكي يدعي أنه كان فاقدا الذاكرة ليستوليا على ثروته. فهذا الفيلم يعيدنا إلى زمن الفن الجميل بكل مفرداته ولو شاهد الجمهور هذا الفيلم 50 مرة فلن يمل منه بل بالعكس كأنه يشاهده لأول مرة.
4ـ سحر السينما
(أصبح الذهاب للسينما للترفيه والتغيير فقط، ومن الممكن أن ينزل الجمهور للسينما ولا يعرف ماذا يشاهد من أفلام فهو يخرج من منزله فقط لتغيير الجو عكس ما كان يحدث منذ سنوات).
يؤكد عادل مبارز أنه عندما كان يؤمن الجمهور بأهمية السينما وتأثيرها وسحرها، فكان يبحث عن فيلم متميز ويخرج ليشاهده فقط، بينما الأفلام المعروضة الآن وما حدث من تكنولوجيا وفضائيات وكثرة تواجد الأفلام كلها عوامل جعلت الجمهور لا يسعى لسحر السينما الأول، فمن الصعب الآن أن أغادر منزلي بعد يوم مرهق طويل وأذهب لكي أبحث عن مكان للسيارة بجوار السينما وأستوعب كل هذه المشقة والتعب لكي أشاهد فيلما بعد يومين أشاهده في كل الفضائيات أو أعمل تنزيل له من الإنترنت.
عن آخر علاقه له بالذهاب الي السينما يقول مبارز: كان فيلم “ليلة البيبى دول” هو آخر عمل شاهدته في السينما، وأعجبت به لأنه منفذ بتقنية عالية جداً وتصوير عالمي بالإضافة إلى كادرات الكاميرا فيه، وهو فيلم وثائقي وروائي وتاريخي يضم عددا كبيرا من الممثلين يصل إلى 60 ممثلا وممثلة، ويتحدث الفيلم عن مرشد سياحي يعاني من مشاكل في حياته الزوجية، فيسافر للبحث عن العلاج، ليعود مع فوج أمريكي، محضرا معه “بيبي دول” لزوجته حتى يقضيا معا ليلة يحلم بها، يتعرض الفوج الأمريكي لخطر إرهابي فيحرم المرشد السياحي من الليلة التي يحلم بها، والمثير هنا أن أحداث الفيلم حقيقية وبها جزء تاريخي وكم من المعلومات الغزيرة لأنها تحكى فترات وعصورا كانت مليئة بالأحداث.