ـ محمد جابر
قبل 3 أعوام صدر فيلم «الشعوذة ـ The Conjuring»، اعتقد كثيرون في البداية أنه “مجرد فيلم رعب آخر”، ولكن بعد المشاهدة اعتبره النقاد والجمهور ضمن أفضل أفلام الرعب التي صدرت، منذ بداية الألفية، وأن عودته للجذور وتقديم شكل كلاسيكي للغاية من أفلام الرعب جعلته مختلفاً عن كل ما يقدم تلك الأيام، ولأن العمل كان مقتبساً عن أشخاص حقيقيين في الستينيات، ولأن نجاحه مغرٍ، فقد قررت شركة “وارنر برارز” والمخرج، جيمس وان، أن يتبعوه بجزء جديد، توقعت الأغلبية، أيضاً، أن يكون “مجرد استغلال نجاح لعمل ناجح”، ولكن النتيجة مرة أخرى مفاجئة.. لأن الشعوذة 2 أو The Conjuring 2 فيلم رعب جيد فعلاً.
يفتح الفيلم مرة أخرى ملفاً من الظواهر الغريبة التي مر بها الزوجان، لورين وإد وارين، اللذان عملا رفقة الكنيسة خلال الستينيات والسبعينيات، هذه المرة يذهبون إلى “أنفيلد” في إنكلترا، حيث منزل عائلة “هودجسون” الذي يتعرض لوجود خفي يهدد الجميع، وبالأخص الطفلة “جانيت”، من شبح عجوز ميت يبحث عن عائلته ويتعامل بغضب ورغبة في الانتقام كل ليلة.
للمرة الثانية على التوالي يستفيد الفيلم، ومنذ افتتاحيته، من كونه مستلهماً من قصة حقيقية، صحيح أن آل “وارين” عليهم الكثير من علامات الاستفهام في التاريخ الحقيقي، ويعتبرهم بعضهم “مجرد محتالين” في زمن كان يؤمن بالظواهر الشيطانية، ولكن هذا لا يضر الفيلم في شيء، لأنه يصنع أرضية أساسية مع المشاهدين على أن ما تشاهده قد حدث فعلاً، ويظل العمل مرتكزاً على ذلك حتى تتراته الختامية التي تعرض صوراً للشخصيات الحقيقية وللمنزل الذي دارت فيه الأحداث إلى جانب مثيلها من الفيلم.
ولأن “الحقيقة” هي نقطة القوة الأساسية، فإن المخرج، جيمس وان، لا يغفل عن ذلك أبداً، سواء في “الشكل” الذي يقدمه ولا يوجد فيه مبالغات فجة أو غير منطقية، حيث تتعلق أغلب خوارق الفيلم بالشبح الذي يتحدث بصوتٍ غريب من داخل الفتاة، أو يحرك الأشياء مهدداً، وعلى الرغم من كلاسيكية التفاصيل إلا أنها مازالت صالحة لمنح العمل بعض اللحظات المرعبة فعلاً. ولكن النقطة الأهم من ذلك هو جهد السيناريو في خلق تعاطف بيننا وبين الشخصيات التي تتعرض للأذى. آل “وارين” اللذان يتصدران للشياطين ليسا أبطال الفيلم بل عائلة “هودجسون”، ومنذ اللحظة الأولى يجعلنا الفيلم جزءاً من تلك العائلة، مرتبطين بتفاصيل بسيطة من قبيل أحوالهم المالية أو الطفل الذي يتلعثم في الحديث ويريد البسكويت، وصولاً لـ”جانيت” الذي يتعلق جانب كبير من “أثر” الرعب في ملامحها المجهدة والخائفة أو محاولتها الطفولية بالهروب من “الشبح” تحت غطائها، تماماً كما يفعل الأطفال، ومع أداء رائع وصادق جداً من الطفلة، ماديسون وولف، لذلك فإن الكابوس الذي تمر به العائلة يعنينا بشكل أو بآخر، والفيلم لا يفقد أبداً هذا الاهتمام ولا يفقد تصديق المشاهد “حقيقية” ما يحدث وأنه سبق أن حدث في الحياة.
على جانب آخر فإنه في لحظة الذروة الأساسية يمنح المتفرج شيئاً مختلفاً عن العادي، أمراً لا تلجأ له أفلام الرعب عادة حين يكون “العدو” الذي نتعامل معه طوال الفيلم، وهو هنا منذ البداية شخصية غير نمطية لشبح رجل عجوز وأعمى، ليس في الحقيقة “عدواً” حقيقياً بقدر ما هو واجهة لمن هو أكبر، وإن كان جانب من هذا الأمر قد فقط بالنظر إلى كرتونية الشيطان “فالاك”، والبساطة إلى درجة السطحية في لحظة “الحل” داخل الفيلم بمجرد معرفة اسمه والنطق به، مما جعل نهاية الفيلم مبتورة وسريعة ولا تتناسب مع التأسيس والبناء الطويل الذي رأيناه على مدى ساعتين. وعلى الرغم من هذا العيب، وكونه يأتي في الختام ويترك شعوراً غير مريح، إلا أنه لا يقلل عموماً من حجم المنجز الذي يصنعه “وان” للمرة الثانية في سينما الرعب.