«سينماتوغراف» ـ متابعات
يرى كانستنتين باندوبولو في كتابه «الفوتوغرافيا والسينما في النظام الثقافي المعاصر» من ترجمة د. وجدي كامل صالح، أن تاريخ السينما يمثل الاتصال الوثيق مع التقاليد الفنية من ناحية، ومع التقدم العلمي التقني من جهة أخرى، فالسينما في جوهرها نوع إبداعي، إنتاج دال على عمق الروابط الجدلية المتناقضة بين تاريخ الأفكار الفنية والتطورات العلمية والتقنية، وفي مضمون ذلك تكمن طرافته وخصوصية دوره في تطور الحضارة والثقافة المعاصرتين.
الفن السينمائي اتصل، وفي مراحل مختلفة من تطوره، بالفوتوغرافيا على ذلك النحو، الذي اتهم فيه باستعارة التقنية الفوتوغرافية، وللحقيقة فإن الفوتوغرافيا لم ينظر إليها في أغلب التجارب البحثية كفن مستقل؛ بحيث يتم منحها الصفة والمعنى الفنيين في حالتين هما: عندما تدخل كعنصر مشارك في منظومة الفنون التشكيلية وتحتل مكانة الرسم أو الجرافيك، وعندما تقوم بوظيفة الأساس التقني في صياغة الصورة السينمائية.
يحاول هذا الكتاب استعراض أهم مراحل تكون النظرية الغربية الفوتوغرافية والسينمائية عن طريق تكثيف الضوء على أهم الممثلين للتيارات الجمالية المختلفة والتي تعطي في مجموعها قدراً من المعرفة عن الطابع التكويني التاريخي لعلم جمال الفوتوغرافيا والسينما، وتمتد المرحلة الأولى في إطار العشرينات؛ حيث تبدأ السينما فيها بالتخلص من أسر الفنون المجاورة، مثل الرسم والمسرح والأدب؛ وحيث تعمل على التأكيد على طبيعتها الخاصة ذات الارتباط بالفوتوغرافيا.
وتبدأ المرحلة الثانية لتطور النظرية الغربية للسينما مع استقرار المفهوم الإبداعي الفني لها وقفزه إلى المرتبة الأولى بتفكير الباحثين والنقاد والمنظرين؛ حيث مضت التجربة الإبداعية الوظيفية للسينما خطوات في سبيل التأكيد على استقلاليتها عن الفوتوغرافيا، لكن دون نقض دور الخصائص الإبداعية الفوتوغرافية في عملها.
أما المرحلة الثالثة من تطور النظرية الغربية عن السينما فترتبط مع حركة بحث السينما كظاهرة ثقافية تعمقت بفضل الدراسات الاجتماعية والسيكولوجية والأيديولوجية الوظيفية في إطار من النزعة الثقافية والإنسانية، وكان من الطبيعي أن يثار من جديد، وفي هذه المرحلة، الاهتمام بالعلاقة التي تجمع السينما والفوتوغرافيا.
انطلقت تلك الدراسات من مواقف الاستقبال السيكولوجي والاجتماعي والأيديولوجي بغرض توظيف السينما في نظام الاتصال الجماهيري من وجهة نظر البنيوية اللغوية والسيميولوجية والمعلوماتية الثقافية.
في مقاله الذي جاء بعنوان «برج على ظهر سفينة» عمل المؤرخ الفرنسي مارسيل جوليان على تحليل المرحلة التاريخية التي ظهرت فيها الفوتوغرافيا مظهرا الزخم الأدبي والفني الذي اعترى نسيجها آنذاك، واصفاً فكرته عن ظهور الفوتوغرافيا بالقول: «يعتبر ميلاد التصوير الفوتوغرافي بمثابة الحدث السعيد» وشارك جوليان ذلك الرأي شعراء جدد في ذلك الوقت جاء على رأسهم الشاعر شارل بودلير الذي كتب: «لقد ولد نوع جديد تقني في زماننا المؤسف هذا، مسهماً في نشر المفاهيم الهشة، حاطاً من قيمة ما تبقى من قيم المشاعر الفخمة عن الفنون، مشيعاً للانطباعات الضارة وسط الجمهور، لأنني أؤمن بالطبيعة، لكني لا أرى أن الفن إعادة إنتاج لها، إن الخدع التقنية القادرة على إنتاج الطبيعة تجعل من الفوتوغرافيا فناً ساذجاً لا أكثر».