طارق الشناوي يكتب من مهرجان أبوظبي لـ”سينماتوغراف”
الإدعاء لا يحقق سينما
“القط” فيلم كاجوال يرتدي سموكن!
مع اللقطة الأولى حرص المخرج ابراهيم البطوط على أن نظل نتابع البطل بدون أي يلجأ للقطع ولم استشعر سوي أنها لمحة استعراضية عندما تُصبح اللقطة هي المشهد بدون ضرورة درامية، وسوف تلمح بعد ذلك أن هذا هو قانون المخرج في كل تفاصيل فيلمه ” القط” وكأنه يقول لجمهوره ” أنا أهه أنا أهه عجبكم إخراجي”.
أتابع تجربة المخرج ابراهيم البطوط بقدر كبير من الاهتمام وعلى مدي عشر سنوات منذ أن أقدم فيلمه الروائي الأول ” إيثاكي” وأتذكر انني كنت عضوا في لجنة تحكيم المركز الفرنسي ومنحته اللجنة وقتها بالاجماع الجائزة، وبعدها تتابعت أفلامه وكان أفضلها ولايزال هو فيلمه الثاني “عين شمس”, إلا أن أهم ما قدمه البطوط للسينما المصرية حتى الأن ليس الافلام التى عليها توقيعه كمخرج ولكن لأنه صار ملهما لجيل جاء بعده من المخرجين وواصلوا الطريق لما دأبنا أن نطلق عليه في مصر “سينما مستقلة” هي تسمية تحتاج الى كثير من التمحيص ليس الأن مجالها.
جاء بطوط إلى أبوظبي بفيلمه “القط” تلمح في ثنايا المعالجة رغبة تجارية لزيادة دائرة الاهتمام الجماهيري على حساب الرؤية الفنية إنه الاسم الحركي لبطل الفيلم عمرو واكد وتوقف أمام قضية شائكة وهي الاتجار بالاعضاء، وهي ليست منظومة فساد محلية في العالم كله بل هناك تجارة عالمية، سبق مثلا قبل أقل من عام أن شاهدنا مؤخرا في “الحرامي والعبيط” بطولة الخالدان “صالح والصاوي” واخراج محمد مصطفي.
المخرج وهو أيضا كاتب السيناريو، وأفلام البطوط لا يمكن سوى أن تعبر عنه بكل التفاصيل، القط يطارد تلك العصابات المنتشرة والفيلم أراد بتعسف أن يمنحه عمقا فكريا ميتافيزيقيا بينما الامر لا يعدو كونه رؤية تجارية هناك اشتغال على مستوي الصورة لنرى ثراء وزخما في الكادر وأيضا الصوت بتلك التراتيل الدينية الصوفية ثم انتقل في لقطات تصلح أن تُصبح بمثابة عملا فنيا خاصا ولو حذفتها ما تأثرت الأحداث حيث تمتد الرؤية من مصر الفرعونية إلى الأديان الثلاثة “الإبراهيمية” اليهودية والمسيحية والاسلامية، في مشاهد أراد منها أن يتناول عمق التاريخ المصري سبعة آلاف عاما من الزمان عُمر الحضارة الضاربة في الجذور ولكن ما هو علاقة كل ما نراه بالإتجار بالأعضاء البشرية ثم ألقي بشخصية فاروق الفيشاوي في ملعب الدراما ومنحها في النظرة والاداء قدرا من الغموض وتابعنا الاتجار بأشكاله المتعددة في أجساد النساء فهو كما يقدمه الفيلم اللاعب الاكبر في تلك المنظومة.
شخصية لا تحمل أي شئ حقيقي ولا تدفع بأي شئ في الدراما لا يتبقي منها أيضا شئ، ما الذي يعنية هذا الاحساس بالغناء الصوفي والموسيقي التي قدمها أكرم الشريف ونجم الدين شاهين.
يظل الأمر في الحقيقة أقرب إلى جهد ضائع لا طائل من ورائه سوي أن القضية التى تناولها الفيلم ارتدت حُلة لا تليق بها وكأنها قضية “كاجوال” أراد المخرج أن يُلبسها “اسموكن”.
عمرو واكد بطل الفيلم لديه في مشواره وجهان وخطان متوازيان هو أولا أكثر هذا الجيل حرصا على بناء مشروعه في السينما العالمية بدأب وأخرها فيلمه الفرنسي العالمي “لوسي” الذي قدم خلاله قفزة نوعية عندما لعب دور ضابط فرنسي أي أن ملامحه العربية لم تكن هى الدافع لترشيحه وقبلها شاهدناه في العديد من الافلام مثل “صيد السلمون في اليمن” وهو في هذا المجال يتحرك بخطوات وثابة للامام ولا تعنيه “البروباجندا”. أما على المستوي المحلي منذ أن شاهدته في أول أفلام المخرج مروان حامد “لي لي” قبل 15 عاما وبعدها انطلق مع أسامة فوزي في “جنة الشياطين” وتتابعت أفلامه ومنهج عمرو هو الدور قبل البطولة فهو يراهن على الممثل، وهكذا يشارك في أفلام مثل “ابراهيم الأبيض” والبطل هو السقا لكنه يترك دائما علامة.
قبل “القط” شاهدناه في “الشتا اللى فات” أيضا مع ابراهيم البطوط ولا يزال عمرو يقف محلك سر. ويبقي البطل الثاني في الفيلم فاروق الفيشاوي لم يعد فاروق يبذل أي جهد في الشخصية ومفتاحه هو الأداء الخارجي وغالبا ما يصل إليه من اعمال تكتشف أنه كان الترشيح الأخير استعانوا به لانقاذ الموقف.
تواجد عدد من الوجوه الجديدة مثل سارة شاهين ملكة جمال مصر ولكن لا يوجد فن قيادة الممثل كما أن الاخرين في أدائهم لدور البلطجية لجأوا إلى قاموس المبالغة وكأنهم يعيدون لنا شخصيات سابقة التجهيز الدرامي.
كالعادة استمعنا إلى من يقول في الندوة التى اعقبت الفيلم، لماذا كل هذا العنف وكل تلك القذارة في الشارع المصري، ويبقى أن من حق المخرج أن يقدم كل ذلك وأكثر ولم تكن هذه أبدا هي المشكلة ولكن مأزق البطوط أنه أراد أن يقول كل شئ فلم يقل أي شئ !.