رام الله ـ «سينماتوغراف» : يوسف الشايب
استطاع المخرج الإيطالي ماريو ريزي تقديم إطلالة سينمائية مُهمّة على مستوى المضمون والمحتوى، حول آني كنفاني، زوجة الروائي المناضل الشهيد غسان كنفاني، ودورها الريادي لجهة تعزيز التعليم والثقافة كرافعتين لمواصلة النضال الفلسطيني في مخيمات اللاجئين بلبنان، مواكباً هذا المشروع وما وصل إليه، ومستعرضاً العديد من مراحل سابقة في حياة المناضلة الأممية الدانماركية الفلسطينية، وما وصلت إليه مشاريعها، عبر كاميرا رافقتها، وتجوّلت في المدارس التي أنشأتها داخل المخيمات، وفي كواليس وعرض مسرحي لطلاب هذه المدارس من فلسطينيين ولبنانيّين وسوريّين عن نص كنفاني الشهير “القنديل الصغير”، وهو عنوان الفيلم، وهو النص الذي أهداه الشهيد كما فعل المخرج بفيلمه هذا إلى “لميس”، ابنة شقيقته التي استشهدت برفقته.
ودمج ريزي ما بين العناصر الثلاثة، المقابلات الأقرب إلى كونها تلفزيونية لكن بحرفية إخراجية واضحة بعيداً عن أي نمطية مع آني كنفاني، وما بين صيرورة العمل في المدارس، وفي العمل المسرحي نفسه، بتنقل سلس، يمكن إيجاد تبرير درامي له، خاصة حين يتعلق الأمر بعرض “القنديل الصغير”، حيث الترميز للأميرة التي باتت ملكة، ونجحت أخيراً في استجلاب الشمس إلى القصر تبعاً لوصية الملك الأب، باعتبار أنها كنفاني الدانماركية التي استجلبت، ولو مجازاً، الكثير من الضوء إلى عتمة المخيمات، ولا تزال.
تتحدث كنفاني بإسهاب عن علاقتها بالقضية الفلسطينية ما قبل غسّان وما بعده، وعن تفاصيل كثيرة حول علاقتهما، وإن دون إسهاب، كما عن مشاريعها التي بدأت فور استشهاد زوجها، وتحوّلات تلك المشاريع خلال الحرب الأهلية بلبنان، وتداعيات اجتياح بيروت في العام 1982 عليها، ومن ثم عودتها في العام 1986 لتواصل المشوار إلى يومنا هذا في مدارس باتت ست بعد أن انطلقت واحدة في مخيم “برج البراجنة” للاجئين الفلسطينيين بلبنان.
“المرّة الأولى التي قابلت فيها غسان ذلك الصباح عندما أتيتُ هنا إلى لبنان، أتيتُ هنا لأنني أردت أن أعرف أكثر عن القضية الفلسطينية.. في بلدي الدانمارك، ذلك الوقت، لم نكن نعرف الكثير عنها، وعندما قابلتُ غسّان أظن أنني قابلت القضية الفلسطينية”.
وتروي آني أيضاً: اعتدت أن أرافق غسّان كل سبت، لكن ذلك السبت على وجه الخصوص، لأن عائلة لميس كانت هناك، بقيتُ في البيت، ولميس أرادت الذهاب لزيارة أقاربها في بيروت، لذلك هي من ذهبت مع غسّان.. كنّا نعيش في الطابق الأول، وبالطبع توجهنا بسرعة إلى الأسفل، كان زجاج الشبابيك محطماً.. لا يوجد لديك وقت لترتيب أفكارك، لا يوجد لديك أي وقت لعمل أي شيء، كنت منهارة، وأعطوني لاحقاً مهدئات فنمت لبعض الوقت، لقد كنت في حالة سيئة”.
وعلاوة على حديثها بشيء من التفصيل عن رياض الأطفال والمدارس التي أنشأتها في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، كانت ثمة أحاديث حميمة عن غسان وابنيها فوّاز وليلى، وعن العائلتين الدانماركية والفلسطينية، وعن نضالاتها ضد الإمبريالية والاستبداد، ومشاركتها في تظاهرات ضد الأسلحة النووية منذ شبابها، وغير ذلك من التفاصيل التي تضع آني كنفاني محوراً للفيلم، كما أراد وصرّح ريزي الإيطالي، في أعقاب عرض فيلمه المهم على مستويَي الشكل والمضمون، مساء أول من أمس، بالمسرح البلدي في دار بلدية رام الله، وهو من بين الأفلام التي نافست على جائزة طائر الشمس الفلسطيني عن فئة الفيلم الوثائقي الطويل، في الدورة التاسعة لمهرجان أيام فلسطين السينمائية الدولي.