«الماء والخضرة والوجه الحسن».. خيوط مفككة وشخصيات متخبّطة

«سينماتوغراف» ـ محمد جابر

يعتبر المخرج المصري، يسري نصر الله، من أهم صناع الأفلام في السينما العربية خلال الوقت الحالي. منذ بداية مسيرته عام 1988 بفيلم “سرقات صيفية”، فرض نفسه كمخرج ذي أسلوب خاص وفريد ولا يُشبه أحداً، وهو أمر أثبته بعد ذلك في أفلام مثل “مرسيدس” و”صبيان وبنات” و”المدينة” و”باب الشمس”. ورغم انخفاض متفاوت في المستوى الفني لأفلامه الأخيرة، حيث صارت الرؤية الفنية والقصصية ضبابية في الكثير من الأحيان، وبخاصة فيلمه “بعد الموقعة” عام 2012. إلا أنه مع ذلك يظل محتفظاً بقيمته، ويبقى كل فيلم جديد له منتظراً، وهو ما حدث مع فيلم “الماء والخضرة والوجه الحسن”، أحدث إنتاجاته، والذي عُرِض مؤخّراً في مهرجان “لوكارنو”، قبل أن يطرح بدور السينما في مصر.

الفيلم من إنتاج أحمد السبكي. وعائلة “السبكي” الإنتاجية بشكل عام هي عائلة مقترنة في مصر بالأفلام التجارية الشعبوية التي تعتمد على سمات محددة مثل، وجود مطرب شعبي وراقصة، وعدد من ممثلي الكوميديا، دون أي محاولة فنية حقيقية بقدر ما هو تعامل مع السينما كتجارة ربحية. وجمع الاسمين معاً، نصر الله والسبكي، هو أمر غريب، ومن المستحيل فصله عن أي محاولة لقراءة الفيلم نفسه، باعتباره على الأغلب طموحاً من المخرج الكبير لاستغلال أحد منتجي السينما التجارية، واستغلال نفس سمات تلك السينما لتقديم فيلم فني غير تجاري.

يدور الفيلم في مدينة بلقاس الريفية في مصر، بعيداً عن مركزية القاهرة. البطولة الأساسية للفيلم هي لعائلة الطباخ، الأب وابناه رفعت وجلال اللذين يعملون كطهاة في الأفراح والمناسبات الخاصة بالقرية والقرى المحيطة. وفي أحد الأفراح، تبدأ علاقات كثيرة في الظهور، كالحب المكتوم من “رفعت” ناحية “شادية” (السيدة الثرية المطلقة العائدة من إحدى الدول العربية إلى بلدتها) وعدم حبه لخطيبته وابنة عمه “كريمة” التي تحب في المقابل أخاه “جلال”. إلى جانب خيوط أخرى تتشابك معاً، مثل رغبة ثري القرية، فريد، في شراء فندق الطباخ، وجعله مصنعاً للمأكولات، وزواج عرفي بين شقيقة فريد، وبين مطرب الأفراح الشعبية شرنوبي.

القصة ذاتها ليست مثيرة، ولكن المهم هو نتاج تفاعل ورغبات وحب عدد من الشخصيات للحياة، وهو أمر نجح إلى حد بعيد في النصف الأول من الفيلم. ورغم الارتباك الذي يغلب على دقائقه الأولى، حيث المشهد الافتتاحي غير مفهوم، ثم لوحة مكتوب عليها أن “الحكاية بدأت منذ شهر”، ثم الكثير من الشخصيات التي تظهر بصخب على الشاشة، إلا أنه ومنذ بداية الفرح، كحدث رئيس، بدأت العلاقات والشخصيات والتفاصيل تجد نفسها وتتوضّح. وفي تلك المرحلة، كان الفيلم ممتلئاً بالحيوية والحياة. هنالك قاعدة عند يسري نصر الله في أغلب أفلامه، وهي أنّ الكاميرا لا تتحرك إلا مع حركة الشخصيات. وفي هذا الفيلم، تحرَّكت الكاميرا كثيراً لأن كل شيء كان حياً، وأبطال الفيلم يأكلون أو يرقصون، وداخل تلك البهجة يعبرون عن حبهم ورغباتهم، ومع نهاية الفرح، مع منتصف الفيلم تقريباً، صرنا نعرف الجميع وبداخل الحدث بالفعل.

المشاكل الكبرى في الفيلم بدأت في الحقيقة بعد ذلك، فمع انتهاء الفرح، بدا وأن يسري نصر الله، ومساعده في كتابة السيناريو أحمد عبد الله، لا يعرفون ما الذي يمكن أن يفعلوه بالشخصيات والتفاصيل التي زرعوها، فبدأت مرحلة من التخبُّط المتتالي بأحداث كل منها أكثر افتعالاً من الأخرى. فالأب يأخذ حبوب منشطة جنسيّاً ويموت، ويطلب في وصيته أن يذبحوا عجلاً في أربعينية وفاته، ويخرجوا ويسعدوا بالـ”ماء والخضرة والوجه الحسن”. ويقوم فريد باختطاف وقتل المطرب زوج شقيقته (في حادث خارج سياق وإيقاع الفيلم تماماً)، لتبدأ عائلة الطباخ في البحث عن الانتقام وصولاً للنهاية. كل هذا يجري سريعاً، ودون أي منطق، وبتشتت كامل في محركات الأحداث. أما العلاقات والمشاعر التي منحت الفيلم أرضاً صلبة في بدايته، فقد تراجعت تماماً، وصار كل شيء يُحل ببساطة بجملة حوار.

https://www.youtube.com/watch?v=msu4HHm55Yw

Exit mobile version