مسقط ـ «سينماتوغراف»
ترى المخرجة العُمانية الشابة ميان الشحية الفائزة بجائزة أفضل فيلم في مهرجان مسقط السينمائي الأول للأفلام القصيرة 2021، عن الفيلم “ميلاد”، أن تسليط الضوء على القضايا الشبابية وتقديمها في قوالب سينمائية مغايرة هي ضمن الرسائل التي يجب أن يتهم بها السينمائيون الشباب في سلطنة عمان مع استثمار البيئة ومفردتها وتنوع تشكلها.
وتقول “فيلم ‘ميلاد‘ يأتي كترجمان لأحد أهم النزاعات البشرية وما تؤدي إليه جائحة طغيان عالم التواصل الاجتماعي، وسيادته علينا، فعند انطلاق شرارة ما، يُسابق سيء الظنون خيرها، ويقع الإنسان في فخ شكّه ليُسْقِط كل ما كان من ود وثقة وحُب فيكسر ويحطم ويؤذي، لينتهي المطاف باكتشاف أن كل ما حصل كان سببه سوء فهم وظن لضحية ظُلمت إثر طِيب نواياها ونقاء مقصدها الأول الذي أودى بها لِما آلت إليه. فالخلاصة أن الأمر أوسع من أن يقتصر على ولادة طفل فقط، فالحب والكره، الصدق والكذب، الثقة وعدمها أنجبتها جميعا مواقف الأيام”.
تضيف الشحية “فيلم ‘ميلاد‘ يحكي قصة وقضية اجتماعية واقعية يُعاني منها الكثير في حياتهم والأسباب مُتعددة أبرزها سوء الفهم، فأنا ممتنة جدا وسعيدة لفوز فيلمي في مهرجان مسقط السينمائي الأول بجائزة أفضل فيلم وجائزة أفضل سيناريو وأيضا جائزة أفضل ممثلة ولله الحمد، فخورة بإنجازي وأطمح للمزيد في قادم الأيام، هذه الجائزة ألهمتني للمشاركة في المسابقات ذات صلة ولتنمية موهبتي في مجال الإخراج والتعمق في السينما بشكل عام”.
تُشير الشحية إلى أن علاقتها بالسينما ليست وليدة الأمس، فقد صاحب ذلك التدرج الواضح لتجربتها في هذا المجال، وهنا تشير إلى هذه التجربة، مرورا بالمسرح الذي كان له نصيب من التواصل مع أعمالها. تقول “بدأت في إخراج الأفلام القصيرة في بداية مرحلتي الجامعية وكانت باكورة أعمالي فيلم ‘ميلاد‘، والذي أدرت به جانبي الإخراج ودور مدير الإنتاج، وفي الوقت الراهن بدأت بالعمل على الفيلم الثاني لي بإذن الله في مسيرتي”.
تتحدث الشحية عن علاقتها بالصورة والتي تبدو واضحة، فهي إلى جانب كونها مخرجة سينمائية هي أيضا مصورة، هنا تصف لنا تلك العلاقة وكيفية استثمار المخرج إبداعه في أن يكون محترفا ليقدم أعمالا مغايرة في المجال السينمائي، وتوضح بقولها “أنا كمصورة أضع شعوري بأكمله في صورة، ربما تبدو في عيني الرائي مجرد صورة، لكن بالنسبة إلي تعني الكثير، فهي وصف للشعور الذي يراودني أثناء التقاطها وهذا الشعور يتجسّد من خلال التصوير، علاقتي بها مقرونة بحُبي الكبير للكاميرا والتصوير، رُبما لا أستطيع أن أُصنِف نفسي ضمن المصورين المُحترفين لأنني أطمح لذلك، ولكن لدي خبرة ومعرفة متواضعة في مجال التصوير والمونتاج حيث شاركت وحضرت في العديد من الدورات وحلقات العمل في مجال التصوير، والإخراج ولا زلت أتعلم في هذا المجال”.
كما خاضت المخرجة في تجربة التدريب في قسم الإعلام والاتصالات بالجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عُمان لمدة شهرين في عام 2021، وهي عضو في المركز الإعلامي الطلابي “بجيوتك”، المركز الذي من خلاله تعمل على تطوير موهبتها في مجال التصوير والصحافة ومجال الإذاعة والتقديم أيضا.
تتابع “لا زلت أواصل مسيرتي في هذا المركز الذي يحتضن جميع مواهبنا وينميها، ومن وجهة نظري المُخرج المُبدع هو الذي يفكر مرتين قبل أن يبدأ في إنتاج الفيلم الخاص به، الأولى التفكير في تقنية الإخراج والثانية التفكير في الإبداع، والمخرج الجيّد هو من يدمجهما معا؛ ولن يستطيع الدمج ما لم تكن معه الخبرة الكافية في جميع عناصر ومجالات إنتاج الفيلم السينمائي، وبرأيي، عندما تصل فكرة العمل من عقل المخرج إلى قلب المشاهد يكون قد أثبت جدارته في إنجاز عمل سينمائي متقن”.
تُشير الشحية إلى استثمار البيئة العمانية وما تحويه من ثقافات مغايرة سواء كانت مادية أو غير مادية، لتخرج للمتابع بفيلم سينمائي متقن، ويستهوي مخيلتها من تلك الثقافات حيث العادات والتقاليد وما يقدمه الواقع المعيش من قضايا متنوعة.
وهنا تقول المخرجة الشابة “تتمتع البيئة العمانية بالثراء الثقافي، فهي تمثل مصدر إلهام للفنانين سواء كانوا رسامين أو مصورين وغيرهم من المختصين في الفنون الأخرى. المخرج اليوم يستطيع أن يقدم المشهد السينمائي بشتى الطرق والمجالات ولكن بخصوصية روائية عُمانية من خلال استثمار المقومات التي تتفرد بالتاريخ العريق والعلماء العُمانيين في التاريخ، اللغة، الدين، السياسة والطب وغيرها الكثير، جميع هذه الشخصيات التي تُعتبر من شخصيات أفلام السيرة الذاتية ولكن بإمكاننا اليوم تجسيدها بشكل روائي بحت”.
وتواصل قولها “من وجهة نظري كمخرجة سينمائية، أحاول تسليط الضوء على القضايا الشبابية المعيشة في مجتمعي ومحاولة مناقشتها من خلال تجسيدها عن طريق استثمار عادات وتقاليد البيئة العمانية لتكون أقرب إلى المشاهد العماني ولتترسخ في ذاكرته، من وحي ثقافة البيئة العمانية أحاول صنع نموذج متكامل لقضايا حياتية تلامس واقع الإنسان العماني وتسمع صوته”.
ما يحتاجه المخرج والممثل السينمائي في سلطنة عُمان وما يسعى إليه هو الآخر لأن يخلق مشهدا سينمائيا عمانيا مغايرا ينافس على المستوى الدولي والإقليمي توضحه الشحية في إطار حديثها “يحتاج المخرج السينمائي العماني اليوم إلى الدعم والتحفيز من قبل مؤسسات تحتضن عمله وتقدر جهوده من خلال إشراكه في مسابقات على الصعيد المحلي والدولي. كما يحتاج للتدريب والتطوير حتى يرقى بمستواه الفني على الصعيد الفردي والمجتمعي وإعادة تأهيل بفكر سينمائي”.
وتعرب الشحية عن أملها في أن يكون هناك مركز وطني للسينما في سلطنة عُمان أو للفنون بشكل عام لدعم السينمائيين ماديا وأكاديميا وتأهيلهم في برامج تدريبية وفي أعمال مُشتركة مع من لديهم خبرات عالمية، ووجود أكاديمية عمانية مختصة في عالم السينما لإعداد جيل عُماني يتم تأهيله وفق أسس علمية مستفيدة بذلك من التجارب العالمية بحيث نبدأ من أين انتهى الآخرون، لتكون أيضا مؤسسة قادرة على تطوير السينما العمانية لتكون صناعة تُساهم في الاقتصاد العماني كبقية الصناعات العُمانية.