«سينماتوغراف» ـ محمود درويش
ينتمي المخرج الكبير علي بدرخان إلى جيل السبعينيات الذي يضم عدداً من أهم مخرجي السينما في الأربعة عقود الأخيرة ذلك الجيل الذي أحدث انقلاباً في السينما المصرية من خلال أفلامه التي غيرت كثيراً في شكلها ومضمونها وهو ما أطلق عليه نقاد ومؤرخو السينما وقتها «حركة السينما الجديدة».
وفي، الخامس والعشرين من أبريل الجاري، أكمل المخرج الكبير علي بدرخان الـ77 عاماً. فقد ولد في مثل هذا اليوم من عام 1946 في القاهرة وهو ابن المخرج الراحل أحمد بدرخان وزوج سابق للفنانة الراحلة سعاد حسني التي تعرف عليها أثناء تصوير فيلم «نادية» من إخراج والده المخرج أحمد بدرخان حيث كان يعمل مساعد مخرج له وتزوجها بعد تصوير الفيلم واستمر هذا الزواج لمده 11 عاما.
وبعدها اخرج علي بدرخان 6 أفلام من بطوله سعاد حسني، بعضها قبل وبعد زواجهما وطلاقهما وهي «الحب الذي كان» عام 1973، إلى جانب الأفلام الخمسة الأخرى التي تعد من بين أهم افلام السينما المصرية وهي «الكرنك» وشاركها البطولة نور الشريف وكمال الشناوي عام 1986، و«شفيقة ومتولي» مع أحمد زكي ومحمود عبدالعزيز عام 1978، و«أهل القمة» مع نور الشريف وعزت العلايلي عام 1981، و«الجوع» مع محمود عبدالعزيز عام 1986، بالإضافة إلى فيلم «الراعي والنساء» وهو اخر افلامها وكان بعد طلاقهما من بطولة أحمد زكي ويسرا عام 1991.
تخرج علي بدرخان في المعهد العالي للسينما عام 1967، ودرًس في معهد السينما خلال الفترة التي قام خلالها يوسف شاهين وصلاح أبوسيف وتوفيق صالح بالتدريس في المعهد، وحاز على منحة للتدريب في استوديوهات مدينة السينما الإيطالية لمدة عامين كاملين، ويلعب حاليا دورا مهما فى تخريج أجيال من السينمائيين من خلال أكاديميته التى يدرِس فيها مع مجموعة من الأساتذة عناصر السينما المختلفة من إخراج وتصوير وسيناريو وتمثيل وغيرها.
أخرج بدرخان أول فيلم طويل له «الحب الذي كان» في عام 1973 من بطولة سعاد حسني ومحمود ياسين، وهو في سن السابعة والعشرين من عمره بعد أن عمل كمخرج مساعد في عدد من الأفلام مع والده في فيلم «النصف الآخر» بطولة سميرة أحمد وأحمد رمزي عام 1967، ومع يوسف شاهين في فيلم «العصفور» لشكري سرحان وهدى سلطان عام 1972، وفي فيلم «الاختيار» لسعاد حسني وعزت العلايلي عام 1971.
وقال عنه شاهين: «يمكنني أن أمرض أثناء العمل في فيلم إذا كان مساعدي هو علي بدرخان، أعرف أنني يمكنني أن اعتمد عليه تماما في غيابي وسيقوم بكل شيء كما لو كنت موجودا». كما وعمل مساعد مخرج لفطين عبدالوهاب في فيلم «أرض النفاق» لفؤاد المهندس وشويكار 1968.
وكتب علي بدرخان سيناريو وحوار فيلم «الجوع» إلى جانب «الراعي والنساء». وأخرج خلال مسيرته 10 أفلام فقط، منها 6 أفلام لسعاد حسني إلى جانب الأفلام الأربعة الأخرى وهي آخر ما قدم للشاشة «شيلني وأشيلك» لخيرية أحمد وأبوبكر عزت ومحمد رضا في 1977، و«الرجل الثالث» لأحمد زكي وليلى علوي في 1995، و«نزوة» لأحمد زكي ويسرا وشيرين رضا في 1996، و«الرغبة» لنادية الجندي والهام شاهين وياسر جلال في 2002.
وعن أسباب ابتعاده منذ عام 2002 حين قدم فيلم «الرغبة» وحتى الآن عن الإخراج السينمائي، قال علي بدرخان: «تم ذلك لعدة أسباب، أهمها أن شروط السوق الحالية لا تناسبني، وأنا لا يمكننى العمل إلا بشروطى ووفقا لمعاييرى التى أعمل بها منذ أن بدأت مشوارى السينمائى، حيث أتعامل مع أفضل المصورين وأفضل مونتير، وهكذا، وأحيانا تعرض على موضوعات لا تناسب تاريخى فأرفض تقديمها، كما أن المنتجين يرفضون الأعمال التى أقدمها إليهم، لأنهم يرونها غير مناسبة للظرف الحالى».
ولدى بدرخان عدة مشروعات سينمائية مؤجلة مؤجلة، منها مشروع إخراج فيلم عن محمد نجيب، الذي يقول عنه: «كان يجب أن يكون من إنتاج جهاز السينما، وبدأنا التحضيرات له منذ عدة سنوات، لكنه توقف، وأتمنى استكماله لعرض حقيقة دور محمد نجيب فى ثورة يوليو».
ولديه أيضا مشروع لفيلم «بلا عودة» من تأليف على الجندى، ويدور حول شخص مجرم قرر التوبة، وقد كان المرشح له هو أحمد زكى، الذى كان سينتجه أيضا، إلا أن ظروف مرضه حالت دون ذلك، وبعد وفاته لم يجد منتجا يتحمس له، وما زال يبحث عن جهة إنتاج.
وحول الفيلم الذى كان أكثر سعادة وحماسا لإخراجه، قال: «فيلم «الجوع»، لأنه كان يمثل تحديا كبيرا، فهو مأخوذ عن ملحمة الحرافيش، وكنت أنوى فى البداية تقديم القصة كاملة، إلا أن يوسف شاهين الذى كان يملك القصة فى هذا الوقت باع منها أجزاء كثيرة لعدد آخر من المخرجين، فكان التحدى هو أن أقدم من خلال الجزء الذى أمتلكه ما يعبر عن الحرافيش كاملا».
ومن حديث بدرخان نتوقف عند فيلمين من أهم أفلامه يربطهما معا انهما من أدب العالمي نجيب محفوظ وأيضا يعدان من التحف السينمائية لتيار الواقعية الجديدة الفيلم الأول هو «أهل القمة» 1981 المأخوذ عن قصة لمحفوظ تحمل نفس الاسم وكتب السيناريو والحوار علي بدرخان ومصطفى محرم ولعب بطولته نور الشريف، سعاد حسني، عزت العلايلي، عمر الحريري..
يقدم علي بدرخان في هذا الفيلم تحليلا صادماً وجريئاً للمجتمع المصري الذي أصبح يعاني من التحلل واختلاط القيم والطبقات حيث انهارت تماما الطبقة الوسطي التي كانت تشكل عماد المجتمع وصلبة وأسسه الراسخة وصلت مكانها طبقة انتهازية مادية سيطرت على كل شيء وسرقت كل شيء وسقط معها البنيان الاجتماعي كله.. والفيلم الثاني هو «الجوع» 1986 وهو مأخوذ عن إحدى حكايات ملحمة «الحرافيش» الشهيرة لنجيب محفوظ وحمل الفيلم نفس اسم الحكاية «الجوع» وكتب السيناريو مصطفى محرم وقام بالبطولة سعاد حسني ومحمود عبدالعزيز ويسرا وعبدالعزيز مخيون.. ودارت أحداث الفيلم عام 1880 حيث مجتمع الحرافيش والفتوات في الأحياء الشعبية بالقاهرة ويجعل علي بدرخان هذا العالم رمزا يصور الصراع بين الأغنياء والفقراء.
ولابد أن نشير إلى الأفكار والرؤية التي أوردها علي بدرخان في هذين الفيلمين بما فيها عالم «الجوع» وعالم «أهل القمة» ما يقرب من 100 عام أي قرن كامل من الزمن تدور أحداث الجوع عام 1880 حين ساد السخط وانتشرت المجاعات وتدور أحداث «أهل القمة» في القاهرة خلال النصف الثاني من السبعينيات مع بداية الانفتاح الاقتصادي وظهور طبقات وفئات اجتماعية جديدة الأحلام التي سادت «الجوع» كانت أحلاما جماعية.. وهي فردية ميكافيلية في «أهل القمة» في «الجوع» كان العلم بالعدل وفي الفيلم الثاني كانت الأحلام بالثروة والاستئثار.. عالم «الجوع» فقير محدود بصريا بينما عالم «أهل القمة» هو عالم الدنيا التي تقدمت ماديا وارتقت لكنها تخلصت روحيا وانزوت أخلاقيا وقيميا وعلى هذا التنوع والتضاد قدم علي بدرخان فيلميه لينتقد الواقع بقسوة وجرأة سواء في الماضي مسقطاً على الحاضر أو في الحاضر لكي يدينه ويفهمه.
ولا يبقي في رحلتنا مع علي بدرخان إلا أن نشير إلى أن عدد 10 أفلام لا يكفي، بعد أن حصل خلال مشواره السينمائي على العديد من الجوائز والتكريمات عن أعماله ومسيرته السينمائية من مهرجانات سينمائية محلية ودولية.
ومن أهم هذه الجوائز التي نالها بدرخان جائزة نقاد السينما كأفضل فيلم عن أول أفلامه «الحب الذي كان» وجائزة عن هذا الفيلم من مهرجان «طشقند» بالاتحاد السوفيتي «سابقا» وحصل على الجائزة الأولى في الإخراج عن فيلم «الكرنك» وعرض الفيلم في مهرجان «بلجراد» بيوغسلافيا عام 1976.. وعن فيلمه «شفيقة متولي» حصل على الجائزة الأولى بمهرجان «نانت» بفرنسا 1980 وجائزة من مهرجان «نيودلهي» بالهند عن فيلمه «أهل القمة» كما حصل نفس الفيلم على جوائز من مهرجانات «تورنتو» بإيطاليا.. و«لوكارنو» بسويسرا و«مونتريال» بكندا.. كما حصل فيلمه «الراعي والنساء» على الجائزة الأولى من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي عام 1991 وشارك بمهرجان «نانت».. كما حاز فيلم «نزوة» على شهادة تقدير من نفس المهرجان.. بجانب عدد هائل لا يحصى من الجوائز المحلية حازت عليها أفلامه من بينها ما يقرب من 10 جوائز كأفضل مخرج وأفضل فيلم.
أيضا يجب الإشارة إلى عدد من الأفلام التسجيلية قام بإخراجها علي بدرخان من شدة عشقه لهذا النوع من السينما ومن أهم هذه الأفلام «عم عباس المخترع» 1983- و«الخروج من بيروت» 1985 وحصلت هذه الأفلام على جوائز عالمية من مهرجانات دولية متخصصة في السينما التسجيلية مثل مهرجان الإسماعيلية الدولي للسينما التسجيلية- مهرجان سينما الحقيقة في باريس.. ومهرجان «ليبزخ» بألمانيا المتخصص في الأفلام القصيرة والتسجيلية.. كما شارك علي بدرخان في عضوية لجان تحكيم مهرجانات سينمائية دولية عديدة وأحيانا رئيسا لهذه اللجان.. كما كرمه سابقاً مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي عن مجمل أعماله، وكرمه أيضا مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومهرجان دمشق السينمائي وكذلك مهرجان قرطاج بتونس، كما حصل على جائزة «التفوق» في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة بمصر عام 2010.