ـ جمعية الفيلم عوضتني عما فقدته بعدم دخولي معهد السينما
ـ عينتني القوى العاملة في «متحف العلوم» وكان فيلم «حياة جديدة» نقطة تحول في حياتي
حاوره ـ أسـامة عسـل
محمود عبد السميع من الأسماء المحفورة في ذاكرة السينما المصرية، رائد في إبداع الصورة السينمائية في مجال الأفلام الوثائقية والدرامية، تخرج في كلية الفنون التطبيقية قسم التصوير عام 1966، جعل من استخدام الكاميرا المحمولة الحرة سيمفونية جمالية بصرية تقترب من البشر الذين يصورهم بذلك النبض الحي الصادق، أسهم متطوعا بحب ووطنية في تصوير حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، صور ما يزيد على 350 فيلما وثائقيا وأكثر من 33 فيلما روائيا طويلا للسينما والتلفزيون كان أولها «العوامة 70» مع المخرج خيري بشارة، لا يزال يبدع حتى الآن ويسهم في نشر الثقافة السينمائية من خلال رئاسته لـ «جمعية الفيلم» أقدم الجمعيات في هذا المجال بالقاهرة، وحول رحلته وأهم محطاته مع عالم الفن السابع كان لـ«سينماتوغراف» معه الحوار التالي:
ماذا أفادتك جمعية الفيلم طوال السنوات الماضية؟.
ـ عوضتني الجمعية ما فقدته بعدم دخولي معهد السينما، وكشفت لي الطريق الصحيح نحو السينما الحقيقية، وأغلبنا من أبناء جيلي ندين بثقافتنا السينمائية لها وللذين لم يبخلوا علينا بخبراتهم داخلها، فقد كانت تعرض الأفلام الوثائقية بحضور مخرجيها الذين كانوا يناقشوننا ويسردون علينا تجاربهم في أفلامهم وكيف صنعوها أمثال أحمد كامل مرسي وسعد نديم وصلاح تهامي وغيرهم، فضلا عما نقله أحمد الحضري الرئيس الأول للجمعية، من مشاهداته في لندن وما أحدثه من نشاط عملي لإنتاج وإخراج وتصوير أفلام الهواة، وبالتالي كانت جمعية الفيلم السبب الرئيسي في اهتمامي الواسع بالسينما، ومن خلالها بدأت أكتب سيناريو فيلم قصير بعنوان “الحدث رقم 1” عام 1966 وكنت في السنة النهائية بكلية الفنون التطبيقية، وددت أن أنفذ هذا السيناريو بالكلية لكن الإمكانيات كانت غير متوفرة، ولكنه يظل بالنسبة لي تجربة مهمة لأنه كان بداية لخطوات أخرى في مجال السينما، ولأنه أيضا نتيجة من نتائج عضويتي بجمعية الفيلم.
متى وكيف كانت بدايتك العملية في التصوير السينمائي؟
ـ كانت لي تجربة أحب أن أذكرها لأنها أفادتني كثيرا، فقد كان حبي للفنان شفيق نور الدين الذي تربطني به صلة قرابة، فرصة لأن أستغل خبرتي في التصوير الفوتوغرافي، فقمت بتصوير أغلب المسرحيات التي كان يمثل فيها وذلك ما بين عامي 1961 و1965، والمهم أنني كنت لا أكتفي بالتسجيل المباشر لمواقف المسرحية رغم أنها صور فوتوغرافية، فقد كنت أطرح على الممثلين بعض الاقتراحات ليقوموا بها والتي عن طريقها أستطيع التعبير عن مضمون المسرحية في صورة واحدة من تصميمي، وفي أواخر عام 1966 التقيت بالناقد السينمائي صبحي شفيق بمبنى التلفزيون وعرضت عليه سيناريو “الحدث رقم 1” وفوجئت به يقول أنه كان يبحث عن مثل هذه الموضوعات لأن سعد الدين وهبه مدير شركة فيلمنتاج وقتذاك، طلب إنتاج أفلام تجريبية وإتاحة الفرصة أمام الشباب، ووافق وهبة على السيناريو وأشر عليه بالتنفيذ فورا ولكن قبل بدء التنفيذ بأيام بدأ صبحي شفيق في إخراج فيلم عن الطبول والدفوف بعنوان “الإيقاع” واختارني لتصويره، فأرجئت العمل في فيلمي وبدأت تصوير “الإيقاع” وكان لابد أن استعين بمساعد لي في ذلك الوقت فاخترت أحد أعضاء الجمعية من الهواة، وقد فضلته على كثير من الدارسين لرغبته وحبه الفائق للسينما وهو سعيد شيمي وقد عاونني في أكثر من خمسة أفلام، وهكذا بدأت رحلتي مع التصوير السينمائي.
تكاد تكون قد تخصصت في الأفلام الوثائقية فقد صورت ما يقرب من 350 فيلما، فكيف تشكل اهتمامك بها؟.
ـ قرأت مقالات سعد النديم في جريدة المساء وأحمد الحضري وصلاح التهامي في مجلة المجلة وكانت كلها في غاية الوعي والتعريف بالسينما الوثائقية، هذا إلي جانب مجموعة الكتب التي ترجمت في الثقافة السينمائية والحرفية مثل “فن الفيلم” و”الفن السينمائي” و”صناعة الأفلام من السيناريو إلي الشاشة” و”فن المونتاج” وغيرها مما حفزني وألهمني الدخول بعمق إلي هذا المجال.
كان فيلم “حياة جديدة” مع المخرج أشرف فهمي نقطة تحول في حياتك فقد صورته بأسلوب روائي رغم كونه وثائقيا، ما هي ذكرياتك عنه؟.
ـ في سنة 1968 أنشأ المركز القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة برئاسة الفنان حسن فؤاد، وكان يعمل به المخرج التشيكي مولوسلاف كويك كخبير سينمائي، الذي شاهد فيلم “الإيقاع” وأعجب بطريقة تصويره والإضاءة والتكوين، فاستدعيت لتصوير أول فيلم ينجه المركز وهو “حياة جديدة” كتب السيناريو له رأفت الميهي وأخرجه أشرف فهمي، الذي كان عائدا من بعثه دراسية في أميركا وهذا الفيلم هو أول عمل له، أما بالنسبة لي فقد كان نقطة تحول في حياتي الفنية لأنه السبب في ارتباطي بفن التصوير ارتباطا نهائيا، وقبلة مباشرة في عام 1967 كنت في ضيق شديد لأن القوى العاملة عينتني في مكان أسمه “متحف العلوم” وكان التعيين صدمة كبيرة خصوصا عندما لم يلتفت أحد لخطاب مؤسسة السينما التي طلبت تعييني بها، ولهذا فقد أعاد لي توازني اختياري لتصوير هذا الفيلم.
من المعروف اهتمامك باستخدام حركة الكاميرا الحرة وابتكار وسائل جديدة في الظروف الصعبة، فما هو مفهومك لهذا ولتذكر لنا بعض الأمثلة؟.
ـ أفضل دائما استخدام الكاميرا المحمولة على اليد، لا للسهولة أو لسرعة الإنجاز كما يحدث في التصوير الإخباري، ولكن لكي تؤدي الكاميرا معنى معينا وحركة لا يمكن أن يعبر عنها بوسيلة أخرى أي أن لحركة الكاميرا وظيفة فنية ضرورية، فمثلا في فيلم “الإيقاع” نرى في مشهد الزار الكاميرا تؤدي نفس حركات الزار على صوت الطبول، وفي فيلم “لن نموت مرتين” نجد حركة الكاميرا عند استعراض الخراب والدمار مضطربة ومترددة، وفي فيلم “مدفع 8” استخدمت الكاميرا وأنا احملها بيدي بين أقدامي أثناء سيري في ممر الخندق الضيق حتى أعطي الإحساس بمن يعيش في الخندق، وفي فيلم “صائد الدبابات” تؤدي الكاميرا حركة معقدة، ففي مشهد التدريب على إطلاق الصاروخ تندفع الكاميرا بالقوة نفسها التي يندفع بها الجندي بحيث تصل إلي وضع الانبطاح على الأرض قبل وصول الجندي، وبالرغم من صعوبة العمل في مثل هذه الظروف إلا أنها تعتبر المولد الفعال لإيجاد حلول جديدة والباعث الأكبر للابتكار والتجديد.
نتوقف عن فيلم “العوامة رقم 70” وقد أشاد الكثير من النقاد بالتصوير والإضاءة فيه، كيف تراه بعد بعد كل هذه السنوات؟.
ـ أولا هو يتخطى الأشكال التقليدية للسينما المصرية، وكما أكد النقاد خصوصا في اللغة البصرية، فالتصوير بالنسبة لي ليس بحثا عن جماليات الصورة وإنما بحثا عن قوة التعبير، فلقد علمتني تجارب التصوير في الأفلام الوثائقية أن أتصرف في أضيق الأماكن والإمكانيات، وأصور أحيانا بلا إضاءة تقريبا وهذا ما حرصت على عمله في “العوامة 70″، أن انقل الواقع من دون إضاءة صناعية وحولت الصورة والظل إلي مضمون قوي يخدم الفكرة والموضوع المطروح.
وفي فيلم “الجوع” لعب التصوير والإضاءة الدور نفسه، وبالذات في إضاءة الليل، هل أفهم من ذلك أنك تقرأ النص وتصنع من خلاله طريقتك في العمل؟.
ـ من المؤكد أن قراءتي للسيناريو تجعلني أتوقف عند المشاهد الدرامية والفنية وتدفعني إلي التفكير في كيفية توظيف الكاميرا والإضاءة، لتضيف بعدا يعمق المضمون خصوصا إذا كانت معظم تلك المشاهد القوية تدور أحداثها في الليل مثلما كانت في فيلم “الجوع”.
فيلم “التعويذة” أيضا من الأعمال التي تركت بصمة في تصويرها، حدثنا عن ذلك؟
ـ جعلت الكاميرا تحل محل طرف من أطراف الصراع أمام القوى الشريرة، ولذلك تجدها في مجمل المشاهد تنخفض عن مستوى نظر الشخص العادي في كل مرة يشعر فيها هذا الشخص بوجود تلك القوى، أما من ناحية الإضاءة فكان يتم الإيحاء لهذه القوى الشريرة بإظلام معظم الكادر مع إضاءة جزء منه، على اعتبار أن الظلام يكتنفه دائما الغموض.
أخيرا، بعد كل تجاربك وخبراتك كيف تفهم التصوير السينمائي؟.
ـ نقل للطبيعة والواقع دون تكوينات مفتعلة أو كادرات غريبة، وما يأسرني تماما هو قوة الموضوع ومدى واقعيته.
سيرة ذاتية:
ـ محمود عبد السميع من مواليد عام 1939.
ـ حاصل على بكالوريوس التصوير السينمائي من كلية الفنون التطبيقية.
ـ عمل مديرا لتصوير العديد من الأفلام الروائية ومشرف على الأفلام الوثائقية ومنتجا منفذا بالمركز القومي للسينما.
ـ استشاري تصوير، سيمنار شركة أجنا بلجيكا.
ـ أشتهر باستخدام الكاميرا المحمولة على اليد وكان هذا استخداما جديدا في السينما المصرية سنة 1968.
ـ أول مصور سينمائي يدخل جبهة القتال من (حرب الاستنزاف إلي حرب أكتوبر) وصور أكثر من 17 فيلما قصيرا عن تلك الفترة.
ـ من أفلامه الروائية الطويلة، العوامة 70، الزمار، رجل لهذا الزمان، للحب قصة أخيرة، الإمبراطور، علاقات مشبوهة.
ـ حصل على العديد من الجوائز وشهادات تقدير وتكريم عن أفلامه الروائية والوثائقية ودورة الثقافي والسينمائي.