«المطران كابوتشي» مسيرة نضالية أجادها رشيد عساف وفتنت عمر ونور الشريف وكانت حلماً للفيشاوي

ـ انتصار دردير

ملحمة وطنية رائعة، ومسيرة نضالية تستحق أن تروي، قدمها الفيلم السوري «المطران» متعرضاً لسيرة المطران «هيلاربون كابوتشي» الذى تولي مطرانية القدس ستينات القرن الماضي، وعرف بمواقفه الوطنية، ودعمه للمقاومة الفلسطينية في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي.

إختار المخرج وكاتب السيناريو باسل الخطيب الفترة التى عاشها المطران السوري في سجون الإحتلال، والتى إستمرت أربع سنوات، لذا يعبر في المشاهد الأولي بلقطات سريعة عن فترة ما قبل سجنه، حيث يقوم المطران بمهامه الدينية، ونراه يتعامل مع الجميع بإنسانية بالغة، بصوته الهادئ الوقور، وتكشف مواقفه عن تضامنه مع الشعب الفلسطسيني لينال حريته وحقوقه المشروعة، ما يعرضه للإعتقال من قبل السلطات الإسرائيلية، ليحكم عليه بالسجن 12 عاماً في واحدة من أشهر محاكمات القرن العشرين التى تعرض فيها رجل الدين لظلم بين، وتم حبسه إنفرادياً، الأمر الذي فاقم من آلامه، وتتوالي المواقف الصعبة التى عاشها خلال تلك الفترة المظلمة، غير أنه يقاوم بشدة كافة أشكال العنف التى تعرض لها، مما يدفعه للإضراب عن الطعام، حتى أوشك على الهلاك، وفي مشهد لا إنساني يقوم الضابط الإسرائيلي بإدخال الطعام عنوة إلي جوفه بينما تفشل مقاومة المطران في ظل تكبيله.

 تماهي الفنان رشيد عساف مع شخصية المطران، معبراً بأدائه الدقيق عن قوة هذا الرجل في أشد لحظات ضعفه، وهو معتقلاً داخل حبس إنفرادي، مجرداً من ملابس الكهنوت، التى ندد بتجريده منها، وخاض معركة داخل السجن لأجلها، وتعرض للتعذيب المبرح، وبذل عساف جهداً كبيراً، ذهنياً وجسدياً، وهو يعبر عن  أحزان المطران ووحشية الإحتلال، خلال المحاكمة، وتجبر جنوده خلف الأسوار، وفرحة المطران وهو يلتقي الشباب الفلسطيني خلف أسوار السجن فيشدون من أزره ويجد فيهم الإصرار على المقاومة، فيبث فيهم الأمل وأن شمساً ستشرق حتما تبدد هذا الظلام، وعبر الفيلم عن الجو الروحاني داخل الكنيسة، وساهمت الموسيقي الموحية في تكثيف لحظات فارقة داخل محبسه الإنفرادي، وتميز التصوير في لقطات قريبة وبعيدة لأجواء الكنيسة ليضفي عليها بهاءاً، ورغم محدودية مواقع التصوير وإعتماد المخرج بشكل أكبر على المشاهد الداخلية حيث أنتج بميزانية قليلة لم تتح له التصوير خارج سوريا، فقد إحتفظ الفيلم بإيقاعه المناسب.

يعد المطران كابوتشي أيقونة في الوطنية، فحين وضعت السلطات الإسرائيلية شرطاً للإفراج عنه، وطلبت مبادلته بالجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، ضحي بحريته في سبيل وطنه، قائلاً (أفضل الموت وراء القضبان عن إطلاق سراح جاسوس تآمر على بلدي)، ليضرب المثل بمواقفه الوطنية المخلصة لعروبته وبلده.

جاءت لحظة الافراج عنه، بتدخل من بابا الفاتيكان، لتقرر السلطات الإسرائيلية نفيه إلى إيطاليا، لكنه يتردد أمام هذا العرض في ظل شروطه المجحفة من منع إقامته بأي دولة عربية، وحين يسافر إلى إيطاليا يستدعي أمه ليطفئ لوعتها وقلقه البالغ عليها خلال سنوات سجنه، ووفقاً للفيلم، يعود المطران إلي سوريا في المشهد الأخير، يقبل أرضها، إثر إتصال مع الرئيس السوري – حينذاك- حافظ الأسد الذى يرحب بعودته إلي بلده رافضاً الإذعان لشروط سلطات الإحتلال.

إعتمد المخرج باسل الخطيب في كتابته للسيناريو على كتاب صدر بعد وفاة المطران (رحل عام 2017 )، وكان الفيلم قد شارك في مسابقة «نور الشريف» للأفلام العربية بمهرجان الإسكندرية السينمائي خلال دورته الماضية، وحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، لتفوق عناصر فنية عديدة بالفيلم في مقدمتها  الموسيقي والتصوير والأداء المتميز لبطله الفنان السوري رشيد عساف، وسيطرة المخرج باسل الخطيب وإدارته الجيدة لفريق العمل ومن بينهم باسل حيدر، ترف التقي، سامية جزائري، نادين قدورة.

كانت سوريا قد أنتجت مسلسلاً تليفزيونياً تناول شخصية المطران بعنوان «حارس القدس» عرض رمضان الماضي لنفس المخرج والممثل، وجاء إنتاج الفيلم بعد عرض المسلسل وهذا في حد ذاته كفيلاً بحرق أحداث الفيلم الذي بدأ عرضه قبل أيام في سوريا.

شخصية المطران هيلاري كابوتشي بكل ما تحمله من أبعاد درامية وبطولية، فتنت عدداً من الممثلين، وظلت حلماً سعي إليه كبار نجوم السينما المصرية، من بينهم عمر الشريف الذي ظهر بملابس الشخصية في لقطات فوتوغرافية،  مثلما تحمس لها نور الشريف والسينارست محسن زايد وكانا يعدان لفيلماً عنها، كما كانت أحد أحلام الفنان فاروق الفيشاوي الذي طالما تحدث عن رغبته في تقديم سيرة المطران، لذا فقد أهدي المخرج باسل الخطيب الفيلم إلى روح الفيشاوي.

Exit mobile version