سلا ـ الوكالات: «سينماتوغراف»
تؤمن المخرجة المغربية مريم عدو بأن الأفلام الوثائقية تعبر بأفضل ما يكون عن الواقع وهو ما شجعها على تخصيص فيلمها “المعلقات”، لواحدة من القضايا المجتمعية الشائكة بالمغرب، وهي النساء اللواتي فقدن مظلة الزوج ويعانين لتحمل أعباء الحياة.
الفيلم يشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية بالمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا ضمن خمسة أفلام عربية وأجنبية وقوبل باهتمام كبير لدى عرضه يومي الثلاثاء والأربعاء من الأسبوع الماضي.
يتناول الفيلم قصص ثلاث نساء يعشن في مدينة بني ملال (وسط المغرب) اختفى أزواجهن دون سابق إنذار، ولا يعرفن لهم عنواناً، ما استحال معه رفع دعاوى طلاق أو توجيه استدعاءات.
وازدادت معاناتهن بسبب أميتهن، وهي إشكاليات وثغرات لم تعالجها “مدونة الأسرة” أو قانون الأحوال الشخصية المغربية التي أقرها العاهل المغربي في العام 2004، ووصفت آنذاك “بالثورة الاجتماعية الهادئة“.
فبالرغم من بعض بنودها التي أعطت حقوقاً جديدة للمرأة في الزواج والطلاق والحضانة مقارنة مع المدونة التي سبقتها إلا أن إشكاليات كالفقر والأمية والفساد تجعل من الصعب تطبيق بنودها في كثير من الأحيان في قضايا متعددة.
بطلات الفيلم غيثة والسعدية ولطيفة، التي تموت دون أن تكمل إجراءات إثبات الزواج وتخلي الزوج عنها للحصول على الطلاق، يؤسسن لمشهد يملؤه الإحباط ومشقة الذهاب إلى “الكاتب العمومي” الذي يتولى رفع الدعاوى القضائية والبحث عن 12 شاهداً كما ينص القانون المغربي لإثبات الزوجية، ووسط كل هذه المعاناة تبدو حياتهن البسيطة المحبطة جميلة بما يكفي لاستراق بعض لحظات من السعادة والفرح.
وقالت مريم عدو، إن فكرة الفيلم تولدت قبل سنوات أثناء تصوير فيلم آخر عن “ماذا تغير في أحوال النساء المغربيات بعد صدور المدونة” ما جعلها تكتشف الثغرات والسلبيات التي تركتها المدونة مفتوحة.
وأضافت، “بالرغم من أن المدونة بسطت بعض الأمور، لكن هناك إشكاليات مرتبطة بالأساس بنسبة الأمية الكبيرة للنساء وجهلهن بالقانون، ناهيك عن الفقر حيث لا تستطيع هؤلاء النساء دفع تكاليف المحامي مثلا“.
وتابعت قائلة، “تضاف إلى هذه المشاكل تعقيدات أخرى كالبيروقراطية التي يعاني منها عدد من المواطنين سواء أكانوا أميين أم لا“.
وتقول المخرجة مريم عدو، إن الواقع الذي عاشته مع بطلات الفيلم كان أكثر تعقيدا “بحيث اختارت أن أكون أقل تشاؤما“.
وتوضح أن اختيارها بني ملال تحديداً للنماذج المقدمة بالفيلم نابع من كون المنطقة مليئة بالمهاجرين وبالتالي يكثر فيها هذا النوع من المشاكل، نساء بلا أزواج وأطفال متخلى عنهم.
وبقدر ما عانت النساء على الشاشة في حياتهن واجه صناع الفيلم مشكلات خلف الشاشة من أجل خروج هذا العمل للنور إذ لا تزال هناك العديد من العقبات الماثلة أمام صناعة الفيلم الوثائقي.
وقالت مريم، “صعوبات إنجاز فيلم وثائقي في المغرب متعددة تبدأ من مرحلة الحصول على رخصة التصوير، فبالرغم من أن الفيلم الوثائقي في جميع دول العالم يعتبر عملاً سينمائياً إلا أن في المغرب يتم الخلط بينه وبين العمل الصحافي، وبالتالي تمارس عليه رقابة كالتي تمارس على الصحافة“.
وأضافت، “يعاني الفيلم الوثائقي من عراقيل في التمويل، وغياب ثقافة الصورة لدى عامة الناس، حيث إن أغلبهم يحبذون التحدث عن مشاكلهم دون الكشف عن وجوههم“.
ورغم إدراكها لهذه الصعوبات تفضل مريم التي اشتغلت بالصحافة قبل أن تدرس الإخراج السينمائي مواصلة العمل بمجال الأفلام الوثائقية ولا تفكر في الاتجاه إلى السينما الروائية.
وقالت، “واقعنا غني بالقصص المعبرة فلماذا أبحث عنها في الخيال. الواقع أكثر تأثيراً وتأثراً.. الناس يأخذونه على محمل الجد بالرغم من تضمنه بعض آليات الفيلم الروائي“.
وتملك مريم رصيداً من الأفلام الوثائقية منها “قراصنة سلا”، بالاشتراك مع المخرجة البريطانية روزا روجرز، الذي حاز على عدة جوائز، وكذلك فيلم “الكاتب العمومي“.