«سينماتوغراف» ـ محمود درويش
تكرم الدورة رقم 64 لمهرجان المركز الكاثوليكي للسينما عددا من رواد العمل السينمائي في مصر، ومن بينهم الكاتب الكبير رؤوف توفيق.
وقد لا يعرف قطاع كبير من جمهور السينما هذا الاسم وذلك بسبب قلة أعماله، رغم أهميتها الكبيرة واعتبارها علامة في تاريخ السينما المصرية، فهو كاتب سيناريوهات أفلام «مشوار عمر 1986»، و«زوجة رجل مهم 1988» الذي فاز عنه المؤلف بجائزة أحسن سيناريو من جمعية الفيلم، «مستر كاراتيه 1993»، والأفلام الثلاثة أخرجها محمد خان، وأيضا لبعده عن الكتابة للسينما منذ أن قدم هذا الفيلم.
ويحكي فيلم «مشوار عمر» بطولة فاروق الفيشاوي وممدوح عبدالعليم، ومديحة كامل عن عمر وهو شاب في مقتبل العمر مستهتر وغني يملأ وقت فراغه بمغامراته العاطفية وحبه للسيارات الفخمة. وفي يوم من الأيام يطلب منه والده الذي يمتلك محلا للمجوهرات توصيل علبة مجوهرات إلى مدينة أخرى، لكن هذه الرحلة المليئة بالمغامرات غير المنتظرة ستغير حياته.
وتكمن أهمية فيلم «زوجة رجل مهم» بطولة أحمد زكي وميرفت أمين في ذلك السيناريو الجيد الذي كتبه رؤوف توفيق، حيث يتناول موضوعاً هاماً وجريئاً، ألا وهو مفهوم السلطة وعلاقتها بالفرد. والأفلام التي تناولت هذا الموضوع قليلة جداً، بل هي نادرة في السينما المصرية، وذلك لحساسية هذا الموضوع بالنسبة للرقابة والنظام بشكل خاص. وحتى الأفلام القليلة التي فعلت ذلك تناولت السلطة من الناحية السياسية المباشرة، وأغفلت النواحي الاجتماعية والنفسية بعكس ما فعل المخرج محمد خان والمؤلف في هذا الفيلم. لذلك ففيلم زوجة رجل مهم يتميز بأنه أبرز هذه النوعية من الأفلام، بل أهمها، وذلك لابتعاده عن المباشرة في الطرح، وعدم لجوئه إلى الرمز في نفس الوقت.
أما في فيلم «مستر كاراتيه» بطولة أحمد زكي ونهلة سلامة وابراهيم نصر وممدوح وافي ونادر نور الدين، فيحكي عن «صلاح» الحاصل على شهادة متوسطة والذي ينتقل من قريته للقاهرة ليعمل سائسا فى الجراج الذى كان والده يعمل به قبل وفاته، ليتعرف على «نادية» عاملة نادى الفيديو المجاور لعمله، حيث تجتذبه أفلام الكاراتيه التى تقدمها للزبائن وتنشأ بينهما صداقة بريئة وإعجاب متبادل، ليكتشفا أنهما لا يستطيعان الابتعاد عن بعضهما فيتزوجان رغم فقره ويسافران سويا الى قريته ليزرعا الأرض معا بعد إحباط أحلامهما فى المدينة.
ولد الناقد الفني رؤوف توفيق عام 1939، وعمل ناقدا فنيا بمجلة «صباح الخير» التي تولى رئاسة تحريرها في وقت لاحق. كما عين رئيسا لمهرجان الإسكندرية السينمائي.
وقدم رؤوف توفيق للمكتبة السينمائية عدة كتب عن افلام منتقاة شاهدها أثناء عمله بمجلة صباح الخير ناقدا فنيا متابعا للمهرجانات الدولية. وكانت البداية عام1974 عندما فاجأ رءوف توفيق القراء والنقاد علي السواء بكتابه «السينما عندما تقول لا» 1974. وحظي الكتاب بإعجاب شديد من القراء والنقاد علي السواء ثم توالت الكتب: «سينما الحب» عام 1977 ثم «سينما الزمن الصعب» 1980، ثم «سينما المرأة» 1983، وبعده «سينما الحقيقة» 1988 ثم «السينما مازالت تقول لا» 1993، ومن بعده «سينما المشاعر الجميلة» 1996 و«سينما اليهود» 1997 وأخيرا «رحلات صحفية حول العالم» 2003.
وقال الكاتب الكبير رؤوف توفيق إنه يتوجه بهذه الكتب السينمائية الى القاعدة العريضة من القراء، الذين يسمعون كثيرا عن السينما العالمية الجادة، ولاتتيسر لهم سبل مشاهدتها، سواء اكان بحكم ظروف الرقابة فى بلادهم، أو بسبب سوء نظام توزيع وعرض الافلام فى الأسواق العربية.
ومن هنا كان هدفه، على حد قوله، ان ينبه هؤلاء المشاهدين ان هناك سينما اخرى جادة تقول شيئا ما يستحق الوقوف عنده وتأمله. وفي هذه الكتب، يظهر تمتع رؤوف توفيق بحالة من الشاعرية والصدق، واختيار الكلمات التي تظهر سحر اللغة. فالكتب التي تناقش السينما السياسية صريحة وواثقة وصادقة. والكتب التي تبحث عن المشاعر الجميلة تجدها مغلفة بلغة راقية رومانسية. وكذلك سينما الحب. ثم يقدم المشاعر الغاضبة مع سينما الزمن الصعب وسينما اليهود.
ويعد كتاب «سينما المشاعر الجميلة» محاولة للسباحة فى تيار سينما المشاعر من خلال تأمل ستة عشر فيلما عالميا، قدمها الناقد رءوف توفيق بعين الخبير الذى يعرف القارئ فى أسلوب جذاب وممتع.
أما كتاب «سينما الزمن الصعب»، فيقف عند هؤلاء المفكرين الفنانين، الذين راعهم ما يحدث من تقديم أعمال سينمائية عنيفة، مليئة بالدم والأشلاء والضحايا.
وقد اختار المؤلف فى هذا الكتاب بعض نماذج من هذه السينما وهي عشرون فيلما عالميا انتجت وحاز أصحابها على تقدير النقاد والمشاهدين، وفاز بعضها بجوائز سينمائية لها وزنها العالمى.
وتعمد فى عرض الافلام أن يقدم ما يشبه القراءة السينمائية لنص الفيلم كما ظهر على الشاشة حتى يتيح للقارئ العربى المهتم بفن السينما، أن يعيش أهم أحداث الفيلم، فى محاولة للاقتراب أكثر من المعنى الذى يريد الفيلم أن يقوله.
وفي كتاب «سينما الحقيقة»، يؤكد المؤلف أنه رغم جبروت تيار سينما العنف والقتل، الذى أغرق شاشات السينما فى العالم فقد ظهر تيار معاكس يعيد للإنسان أهميته ومكانته على الشاشة، فى أفلام لا تنطلق فيها رصاصة واحدة، ولاتسيل منها الدماء، ولا يتصارع داخلها رجال العصابات وإنما أفلام شديدة العذوبة، تجلو الصدأ عن المشاعر الإنسانية، وتعيد الحياة للمعانى النبيلة.
ويقدم كتاب «أوراق في عشق السينما» مجموعة من الفنانين من جميع أنحاء العالم، يؤمنون بأن الفن مادته الإنسان، ولابد أن يعود للإنسان حبأ وأملا فى حياة ومستقبل أكثر نبلاً وإنسانية.
ويضم كتاب «أوراق في عشق السينما» رحلة المؤلف رءوف توفيق مع السينما المصرية فهو كناقد سينمائى لم يسلم من نقده اللاذع أحد ولم يسلم هو من رفضهم وعدم قبولهم له. وعن ذلك يقول انه ربما كان قاسيا على بعض العاملين فى الأفلام وأنه ربما كان قاصر النظر فلم ير في تلك الأفلام جمالها بل رأى ما كان يجب ان يكون فابدى ندمه على ما بدر منه فى حق بعض الافلام التى صارت من كلاسيكيات السينما المصرية بعد ذلك خاصة مع ماوصلت له السينما بالمقارنه مع الإمكانيات المحدودة التى كانت متاحة فى السابق.
ومنذ عدة سنوات، صرح رؤوف توفيق بأن السينما المصرية تعيش أسوأ عصورها على المستوىين الفني والأخلاقي، ويحكمها تيار التجارة لا تيار الفن وهو أسوأ ما قد تواجهه سينما، أي أن تحكمها معايير الربح وليس معايير الفن والثقافة. ولكنه أكد أن السينما ستتعافى قريباً لأنها كثيراً ما واجهت مثل هذه الموجات والظواهر التي زالت بعد فترة ولم يبق إلا الفن الجيد.
وأكد أن السينما مسؤولة عن تراجع مستوى الأخلاق في المجتمع لأن السينما في الأصل محاكاة للواقع وتسلط الضوء على عوراته لعلاجها، لكنها اليوم شوهت الواقع وأظهرت سلبياته فحسب وكأنها تروج لها فيما اختفت النماذج الإيجابية وكأن واقعنا كله بلطجية وفتيات هوى وراقصات، لأن الخلطة التجارية المطلوبة من مطاردات وأسلحة وإيحاءات ورقص وعرى لن تراها مع نماذج إيجابية. لذا قرر صانعو سينما تجاهلها هذه الفترة وتسليط الضوء على النماذج السلبية فحسب بحثاً عن الربح، وهو انحدار بالذوق العام والمساهمة في إفساد الأخلاق وتشويه جيل جديد تعلَّم من هذه السينما معنى البلطجة والانحطاط.
وأشار إلى أن إظهار سلبيات المجتمع كافة بهذه الصورة وتصدر شخصية البلطجي للأفلام وما حوله من بيئة فاسدة مليئة بالألفاظ والإيحاءات، هذا كله من شأنه إفساد الذوق العام، خصوصاً أن معظم جمهور السينما من المراهقين سهل التأثير فيه.
وأخيرا رأى أن السينما المستقلة هي الأمل في تقديم أفلام جيدة كي تستعيد السينما عافيتها الفنية لأنها لا تعتمد على رؤوس أموال ولكنها تقوم على كفاءات واجتهاد شخصي حيث قد ترى ممثلين مشاركين في الإنتاج أو يعملون كمتطوعين. فالسينما المستقلة في الأساس تجربة وحالة فنية جيدة تعبر عن الواقع ولكن بشكل سينمائي مختلف وجديد، تحتاج هذه الحالة إلى من يفتح لها الطريق كي تستمر، تحتاج إلى دور عرض تعرضها خارج إطار دور العرض التي يسيطر عليها موزعون يحاولون غلق السوق والصناعة عليهم فقط.