كان ـ «سينماتوغراف»: نعمة الله حسين
الجائزة الحقيقية لأى فيلم هى المتعة التى يمنحها للمشاهد، وفى برنامج «نظرة ما» أحد الأقسام الهامة بمهرجان كان، عرض فيلم «النعجة» للمخرج الأثيوبى «يارد زيلبك» ليكون بحق مفاجأة المهرجان، يعد الفيلم هو الأول لمخرجه الذى هرب من أثيوبيا منذ كان فى العاشرة من عمره ليذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه يعود اليوم إلى أثيوبيا ليقدم هذا الفيلم تكريما لبلاده ويهديه الى روح جدته وإلى قبيلته التى تركها صغيرا، لكن مازال الحنين فى قلبه كبيرا، إن هذا الفيلم هو خلاصة تجربة حياة صبى صغير هاجر من قريته لكنه حمل معه جذوره وثقافته وتقاليده، ولم تستطع الغربة وسنواتها الطوال أن تمحو ماحفر فى ذهنه صغيرا.
خلال عام 2010 كان «ياريد» طالبا فى السنة النهائية بجامعة نيويورك، قدم مشروع تخرجه لفيلم بعنوان «النعجة»، كتبه فى 20 ورقة، وعندما قرأه السينارست «نود لوندس» الذى كان يقوم بالتدريس له، أعجب به ونصحه بأن يستكمل المشروع ويحوله لفيلم روائى طويل، وهو ماقام به ياريد ليكون «النعجة» أول فيلم أثيوبى يعرض فى مسابقة بمهرجان كان، وقد تم تصوير الفيلم بمنطقة «جوندار» التى تمتاز بمناظرها الطبيعية الخلابة، وفى نفس الوقت يعانى أهلها من الجفاف، وسكانها محرومون من المياه والكهرباء، حيث يدخرون مياه الامطار لحياتهم اليومية التى صورها ياريد بصورة شديدة الواقعية من خلال الفتى الصغير«افرام» الذى توفت والدته، وتركته وحيدا مع والده والذى يقرر الهجرة من القرية ويأخذ الابن معه ويصر الصغير على اصطحاب نعجة عجفاء «عقيمة» معه لأن والدته كانت تحبها، ويضطر الأب الذى قرر العمل فى المدينة أن يترك طفله مع بعض أقاربه الذين يقطنون احدى القري النائية، ليعانى الطفل اليتيم الأم من هجران الأب، وعليه أن يمارس العديد من الأعمال الصغيرة لمساعدة ربة البيت، ويتصدى لرغبة أقاربه الذين يريدون ذبح النعجة، وينجح بمساعدة إبنتهم أن يتركها فى رعاية أحد المزارعين، واذا كان ياريد قدم فيلما يحمل حنينا لطفولته ولبلاده فإنه أيضا استعرض جمال الأودية والجبال، ومشاهد الفقر الشديد الذى تعانى منه بلاده والذى يؤكد من خلال فيلمه انه لا أمل في الوصول الى الرخاء الا بالعلم، لذلك ترحل الابنة «تسيو» إلى المدينة لتعمل وتستكمل دراستها، بينما يظل أمل ياريد فى العودة الى قريته، خاصة بعد ان أعطى النعجة حريتها وتركها لمن يرعاها وسط قطيع من الأغنام.
فى الفيلم أوضح ياريد كيف يتعايش البسطاء من أصحاب الأديان السماوية المختلفة (اليهودية والمسيحية والاسلامية) دون أن يكون هناك أى خلاف أو كراهية بينهم فهم أبناء وطن واحد.
لقد جاء فيلم «النعجة» كأحد أمتع أفلام المهرجان وأفضل بكثير من أفلام شاركت فى المسابقة الرسمية، البعض منها سوف يحصل على جوائز، لكن تبقى المتعة الذهنية والبصرية للمشاهد هى أكبر جائزة يحصل عليها الفيلم.