«الوجه الاخير» لشون بين.. الإلتزام وحده لا يصنع السينما

هدى ابراهيم

«كان» هدى ابراهيم

لأنه مهرجان كان السينمائي، ولأن المختصين يرتقبون من اي عرض لفيلم مشارك في مسابقة هذا المهرجان ما لا يرتقبونه من سائر المهرجانات، لا مجال للتسامح مع الاعمال الفنية هنا، والمستوى يجب ان يكون ممتازا أو يقابل بالتصفير المحتج، فور انتهاء العرض، والدخول الى كل فيلم جديد ضمن المسابقة يحمل معه مزيدا من التوقعات العالية جدا لما سيقدم، لذلك تكون الخيبة احيانا كبيرة، ويتم التعبير عنها في الصالة مباشرة.

هذا كان الحال صباح اليوم عند انتهاء العرض الصحفي لشريط «الوجه الاخير» لشون بين مخرجا ناشطا وراء الكاميرا، في عمل ليس الاول ولن يكون الاخير له كمخرج ملتزم يعبر دائما عن اهتمامه بقضايا العالم وله دائما مواقفه من السياسة الخارجية الأميركية.

غير ان «شون بين»، احد أهم الممثلين الاميركيين في السنوات الثلاثين الأخيرة، والحائز على جائزة أوسكار التمثيل مرتين وجوائز تمثيل اخرى كبيرة، لا يبرز في مجال الاخراج السينمائي نفس الموهبة. ولا يشفع التاريخ الفني الطويل والمشرف عمله الجديد ، ففي النهاية، المخرج وحده هو من يقف عاريا امام متلقي الفيلم وفي مقدمتهم النقاد.

وقد واجه الفيلم خلال العرض بالضحك بعد عبارات القيت جزافا او لم تتم اجادتها في الأداء التمثيلي، ما كشف عن وجود قصور في العمل الاخراجي الذي يقضي بتجسيد الامور بطريقة تجعلنا نصدق ان الكذبة حقيقة وان ما يجري على الشاشة بالفعل حقيقة فنية مقنعة لا تناقش.

ويعاني هذا الشريط من مشكلة كبيرة كثيرا ما تعاني منها السينما الهوليوودية، خاصة حين تهتم بمعالجة قضايا الآخرين، كما يفتقر للمصداقية التي لا بد منها ليجد العمل صداه في قلب المشاهد، مصداقية لم تنجح محاولات بطلي الفيلم العملاقين من حلها، بسبب الطرح الذي يرتبط كثيرا بالواقع، يعيد تركيبه ، ونحته دون ان يتمكن من انطاقه، او من بث الروح فيه.

قصة الفيلم تدور في ليبيريا، هذا البلد الممزق جراء النزاعات والحروب، حيث ينشط الطبيب «ميغيل ـ خافيير بارديم» في اطار منظمة «اطباء العالم» بجانب الطبيبة «ورين بيترسون ـ شارليز ثيرون» مديرة المنظمة غير الحكومية التي أسسها والدها، وينشأ الحب تدريجيا بين الطرفين، واذا كان كليهما يلتزم هذا العمل الانساني، لكنهما يختلفان حول السياسات التي يمكن اتبعها لتضميد بعض جراح القارة الافريقية، وفي خوضهما حتى النهاية هذا العمل المضني يتراجع الحب الى الخلف او يتم نسيانه في عالم قاسي جدا.

تدوم القصة 13 عاما وتمتد على مراحل، اذ يبدأ الفيلم من جنوب السودان، لكنه يعود عبر رواية القصة في فلاش باك الى مراحل أقدم، نشط فيها الطبيبان في ليبيريا وبلدان اخرى حلوا بها تبعا للأزمات.

سريعا ما تدرك الطبيبة محدودية دورها وعبثيته وسط كمية الموت والنزاعات والفوضى التي لا تتوقف ويغذيها الغرب، وتغفل عنها الآلهة، بينما يظل هو مؤمنا بما يقوم به كطبيب جراح في امكنة النزاع حتى النهاية.

ويكتسي الفيلم بعدا انسانيا شاملا حين يتحدث عن أزمة اللاجئين في افريقيا وعبرهم عن اللاجئين اينما كانوا، مشيرا الى انه حتى الاطباء، والعاملين في المجال الانساني ينسون ان للاجئين ماض ومهمات ومختصين في شتى المجالات، ويميلون للتعامل معهم على انهم اعداد.

والفيلم انتاج هوليوودي في جوانب كثيرة، تكاليف الانتاج وطريقة العمل، واختيار الانتاج للمخرج، وغيره من السمات الخاصة بهذه السينما، كم ان امرا مشتركا يجمع بين كثيرين من صناع الفيلم وهو التزامهم بقضايا العالم ومآسيه المتوالية.

منتج الفيلم مات بالمييري سبق له انتاج شريط «دارفور الآن» وهو مهتم شخصيا بالقارة الافريقية حيث نشط والداه لسنوات في المجال الانساني.

ومعروف عن خافيير بارديم نشاطه الانساني ايضا، والتزامه عددا من القضايا الى حد كبير وخصوصا دفاعه هو وكامل عائلته عن استقلال الصحراء الغربية وفصلها عن المغرب، رغم كون هذه الالتزام سياسي أكثر منه انساني.

كما ان بطلة الفيلم بجانبه، شارليز ثيرون، تملك جمعية في افريقيا الجنوبية تهتم برعاية الأطفال اليتامى الذين توفي اهاليهم جراء مرض الايدز. اما كاتبة سيناريو الفيلم ايرين ديغمان، فقد قضت اشهرا طويلة في افريقيا توثق لكتابة العمل، وهي ايضا مهتمة ومتابعة للعمل الانساني.

كل هذا الالتزام الانساني وهذه النوايا الحسنة والعواطف، لدى صناع الفيلم، الذين استعانوا بخبراء واطباء حقيقيين لتصويب العمل، لم تكن كافية لانتاج فيلم جيد، حاول زرع قصة الحب تلك وسط التراجيديا الافريقية المضمخة بالعنف والقتل. اما الحدث فبدل ان يكون دراميا، تحول الى امر مزر، حد السخرية.

 لقد افتقد العمل للكثير من المصداقية، خصوصا في الأداء، واذا كان العملاق خافيير بارديم، يجيد اداء دوره وبشكل أقل منه شارليز ثيرون، يأتي الضعف الى الأداء من الادوار الثانوية التي لم تتم العناية بها، لا في السيناريو ولا اثناء التصوير.

بل ان أداء الفرنسي جان رينو، في دوره الصغير، دفع اكثر من مرة الصحفيين للضحك، مهما كان تأثير المشهد تراجيديا.

وكذلك فيما يخص الممثلة الفرنسية آديل ايكزاركوبولوس، رغم حصولها على جوائز تمثيل كثيرة عن دورها في فيلم «حياة آديل» لعبد اللطيف كشيش، بينها جائزة افضل تمثيل في مهرجان كان، تبدو هنا مقزمة وعادية.

ويشتكي الفيلم من الضعف الفني عموما، حيث تبدو المشاهد المؤلمة، نسخة باهتة وعادية جدا عن الواقع، لا رؤية خاصة فيه للمخرج، الى درجة تجرد الاحداث من معناها.

«الوجه الاخير» فيلم فشل في تحويل الواقع الى عمل فني مؤثر ومستساغ، وهو في كل الاحوال خطوة «شون بين» الناقصة في مجال الاخراج ما دفع احد النقاد الناشطين على الشبكة للتعليق: «صناع فيلم اوليفييه اساياس سيفرحون، لم يعد فيلمهم في المرتبة الاخيرة لأسوأ فيلم»، لقد حل محلهم فيلم شون پين.

ويبقى السؤال، لماذا اختار تييري فريمو هذا الفيلم للمسابقة، هل لأن فيه كل هذه النجوم الذين سيحضرون وستتلقط لهم الصور في كل اركان المهرجان، لتجوب هذه الصور العالم  كله، كما يحدث اليوم، أم لأسباب اخرى؟

ليس بالالتزام وحده تكون السينما.. بل هي تحتاج روحا ونبضا خاصا من عند المخرج.

https://www.youtube.com/watch?v=u3AHJisfeEU

Exit mobile version