يعرض بـ”أبوظبي السينمائي” ضمن مسابقة “آفاق جديدة”
“الوهراني”.. هل أساء إلياس سالم إلي تاريخ الجزائر؟!
“سينماتوغراف” ـ الجزائر: وردة ربيع
عندما يتماهي العمل السينمائي في العلاقات الإنسانية المتشابكة يضمن رصيدا لا بأس يه من التأثير في نفسية المشاهد، بل أكثر من هذا يدفعه قدما للتفكير، خاصة إذا تعلق الأمر بمقومات كالهوية والتاريخ والذاكرة.هو بعض الشيء مما صور بثاني أفلام المخرج “إلياس بن سالم” الموسوم “الوهراني”.
“إلياس بن سالم” الكاتب والمخرج والممثل لم يشأ أن ٌيضم فيلمه لقالب معين بأن يكون تاريخيا مثلا أو توثيقيا أنه الفيلم الدرامي الإجتماعي ولكن بصبغة تاريخية لم تحمل تحديدا لشخوص بذاتهم أو تواريخ معينة. جعفر الوهراني ظهر في صورة البطل الثوري الذي يحتفل به الجميع ويبجله الصغير قبل الكبير. أنه رمز الإستقلال الذي ننعم به. لكن فرحة الاستقلال ضاعت حين يعلم أن حبيبته وزوجته “ياسمين” تم إغتصابها إنتقاما من صعوده الجبل. ولا تتوقف المعاناة هنا بل سيكون “جعفر” مظطرا لأن يرّبي ثمرة هذا الإغتصاب “الطفل بشير”الذي يكبر ناقما من والد لا يعترف به ومجتمع لا يمت له بصلة. وفي خضم كل هذه المعاناة النفسية ينكب الأصدقاء على “طورطة الإستقلال” ليتقاسموها !!.فـ”السعيد” المتزوج من أمريكية والذي يعيش حياة غربية، لا يعترف بأحد سوى من صنعوا ثورة الجزائر وإن كانوا فاسدين !! .بينما يسايرهم بقية الأصدقاء دون أن يستفيدوا مثلهم.
الفيلم في مضمونه المثير للجدل، إختزل قضية التعريب في مشهد كوميدي تهكمي يظهر فيه الممثل “مراد خان” وهو يحاول تعريب بعض الكلمات التي تستعمل في الإدارة بالفرنسية. وإختزل الحديث عن الهوية في مشهد آخر يجمع عددا من أـبطال الفيلم في رحلة عائلية للغابة وهو يتناقشون حول الأصول الأمازيغية والعربية والفرنسية في الجزائر.كما إختزل مشهد النفع والإنتفاع بإسم الثورة وتنمية الأرصدة وتقسيم “الكوطات” في مشهد تتضارب فيه المصالح وتعلو فيه المصلحة الفردية حين يتناقش “السعيد” مع أحد الأصدقاء ويحاول أن يذكره أنه على قاربه فيختار الصديق أن يسبح حتى يصل للشاطىء رافضا منّ “السعيد”. وأيضا إختزل مشهد البطش الأمني في مشهد ملاحقة أحد الصحفيين وتعذيبه بتهمة البحث عن الحقيقة والتحرش بماضي إبن “جعفر” بالتبني. وكذلك إختزل حالة السفور التي كان يعيشها المنتشون من الإستقلال الغارقون في ريع الشعب ومال “البايلك”، سهرات الكابريهات وكؤوس الخمر هي لياليهم التي لا تنتهي. لتتصاعد موسيقى الفنان “أمازيغ كاتب”. علما أن الفيلم اخذنا مع تواتر الأحداث بموسيقى متنوعة تعكس الثراء الثقافي الجزائري.
الفيلم جاء جريئا بكل ما حمله من تفاصيل عكست حقيقة ما تمر به الجزائر من نتائج وخيمة أفرزتها حقبة “الحزب الواحد”.ليذهب المخرج بذكاء ويدفعنا لتساؤلات كثيرة في سيرورة متصاعدة ربما هو ما ختم به في المشهد ما قبل الأخير حين يطلب “السعيد” من رفيقه “جعفر” قليلا من الماء وحين لم يجد يرد بسخرية: هل جاهدنا حتى لا نجد ماء نشربه بعد الإستقلال؟
جدير بالذكر أن فيلم “الوهراني” من بطولة “إلياس بن سالم”، “خالد بن عيسى”، “جمال مبارك”.. وقد توج مؤخرا بأحسن آداء رجالي في الدورة السابعة لمهرجان الفيلم الفرانكوفوني لأنغوليم بفرنسا، وينافس بقوة ضمن مسابقة “آفاق جديدة” في الدورة الثامنة لمهرجان أبوظبي السينمائي.