كارلوفي فاري ـ «سينماتوغراف»: هالة الماوي
لكارلوفي فاري، مدينة الاستشفاء الأوروبية بامتياز التي تـخرج من باطن أرضها الينابيع الحارة والباردة لعلاج الجسد، أثر غير خفي على الروح أيضا، يكمن في فنون السينما التي تحتفي بها المدينة من خلال مهرجانها السنوي المعروف عالميا والذي تأسس عام 1946.
وهذا العام ستحتفل المدينة (من 3 إلى 11 يوليو)، باليوبيل الفضي لمهرجانها في جميع شوارعها وميادينها وستقام هذه الدورة تحت شعار الاحتفاء بالسينما وعشاقها بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم.
انعكس ذلك الشعار على الملصق الرسمي للمهرجان الذى ضم ما يقرب من أربعمائة صورة ممن عملوا ويعملون في المهرجان بالإضافة لصور أصدقاء وضيوف المهرجان عبر العشرين عاما الماضية، في إشارة واضحة بأن نجاح المهرجان وتطوره لم يتم من خلال رؤساءه فقط. وحرصت إدارة المهرجان على التنويع وإدخال الجديد على خريطتها البرامجية كقسم «ستة لقاءات عن قرب» (Six close encounters) بالإضافة إلى أقسامها الثابتة التي صنعت تميزها مثل «آفاق» و«نظرة مغايرة» و«شرق الغرب» وغيرها.
في هذا الصدد حرص المدير الفني للمهرجان كاريل أوك على الإشارة إلى أن قائمة المنافسين في المسابقة الرسمية هذا العام تتألف من مخرجين شباب بشكل غير مسبوق في تاريخ المهرجان حيث «بلغ متوسط أعمارهم 39 عاما».
ريتشارد جير يقدم فيلم الإفتتاح و يمنح كرة االكريستال
تكريم سينمائيين وممثلين عالميين لإسهاماتهم المتميزة فى الفن السابع يعد من المحطات الهامة فى برنامج مهرجان كارلوفي فاري. وإختار المهرجان الممثل الأشهر ريتشارد جير لمنحه كرة الكريستال فى يوبيله الذهبي. حيث يقدم الممثل العالمي ريتشارد جير فيلم الإفتتاح الذى يقوم ببطولته «Time out of mind» للمخرج أورن موفرمان الذى دعى للمهرجان مع جينا مالون التى تشارك جير البطولة. وُلد في ولاية فيلادالفيا عام 1949. وكانت البداية الحقيقية لريتشارد جير مع المخرج ترينس مالك فى فيلم «أيام الجنة» عام 1975 . ولكن يعد فيلم «إمرأة جميلة» من أهم الأفلام التى لاقت نجاحا جماهيريا ورشح فى ذلك الوقت 1991، لجائزة الجولدن جلوب لأحسن ممثل كوميدي أو إستعراضي، وتألق ريتشارد جير بعد ذلك في دور مميز بجانب جودي فوستر في فيلم (SOMMERSBY) وكان ذلك في عام 1993، وفي عام 1996 قدم دورا هاما في فيلم «الخوف البدائي» مع النجم الشاب إدوارد نورتن. وفاز بجائزة الجولدن جلوب عام 2003 عن فيلم «شيكاجو». ومن المعروف أن ريتشارد جير دعم بقوة حركة استقلال التبت، وكان قد دعا فى 2007 لمقاطعة دورة الالعاب الاولمبية في بكين 2008 للضغط على الصين لجعل التبت مستقلة. أما جينا مالون فسوف يعرض لها فيلم آخر فى المهرجان بعنوان «الرذيلة القطرية» لبول توماس أندرسون إنتاج 2014.
عروض عالمية أولى في «شرق الغرب»
قسم «شرق الغرب» من أهم ما يميز مهرجان كارلوفي فاري لما يقدمه من إنتاجات لا تجد بالضرورة مكان لها في كبرى المهرجانات الأوروبية كبرلين وكان. الإنتاج التشيكي البولندي المشترك «رحلة إلى روما» أول عمل روائي طويل للمخرج البولندي توماس مييلنك يفتتح قسم شرق الغرب في هذه الدورة. وعلى مدى 100 دقيقة، يأخذنا المخرج من خلال رحلة لروما في قطار بصحبة فازيك الذى يعمل كحارس لمعرض لوحات زينية. «رحلة إلى روما» هو فيلم طريق يبحث فيه بطله عن معنى الحياة، فى قالب كوميدي متعدد المستويات.
الفيلم التشيكي «غبار الأرض» لفيت زابلتال يحكي قصة عائلية حيث يجتمع شقيقان في منزل العائلة في الريف بعد إصابة الأب بسكتة دماغية. عمل أول يتميز عن الإنتاج السينمائي التشيكي السائد.
«العالم ملكي» هو أيضا أول فيلم روائي طويل للمخرج الروماني الموهوب نيكولاى تانازي الذى يقدم بلغة صادقة وأسلوب مكثف عن قصة لاريزا الفتاة ذات الستة عشرة عاما التي تسعى بإصرار وراء تحقيق أحلامها في مدينة ساحلية صغيرة تسيطر عليها سطوة المال ويتطلع سكانها للقيم المادية وحب المظاهر.
وينتظر عشاق السينما الفيلم الثاني، الدراما العابرة للأجيال، للمخرج بوجار ألماني والذى يحمل عنوان «كروم» وهو إنتاج مشترك بين ألبانيا وكوسوفو وألمانيا واليونان. يقدم لنا الفيلم قصة أم وحيدة تعيش حياة صعبة ولكنها تواجهها بكرامة وشجاعة. يحاول ابنها المراهق جاهدا أن يعتمد على نفسه بمفرده و لكنه بهذا الأسلوب يعقد الوضع البائس للأسرة.
يجسد الفيلم اليوناني الألماني المشترك «الأربعاء 4:45» للمخرج ألكسيس ألكسيو أزمة اليونان الاقتصادية الطاحنة من خلال قصة ملهى ليلى يقع في وسط العاصمة أثينا اشتهر بتقديمه موسيقى راقية غير تجارية. يتتبع الفيلم خطى صاحب الملهى ستيليو في مساعيه لوقف قرار الهدم.
واهتمت إدارة المهرجان أيضا بقضايا البيئة التي تسببها العولمة من خلال الفيلم المجري التشيكي الألماني المشترك الذى حمل إسم «صفر» لمخرجته جوليا نيمس. وتدور الأحداث في زمن مستقبلي قريب عام 2017 حيث يموت النحل على وقع كلمات ألبرت آينشتاين: «لم يتبق أمام الإنسانية سوى أربع سنوات فقط» فيقرر علماء البيئة خوض معركة شرسة من أجل البقاء.
ست لقاءات عن قرب
صرح المدير الفني كاريل أوك على أنه «من المهم بالنسبة لنا أن نقيم علاقات طويلة الأمد بصناع الأفلام الذين نتابع أعمالهم من بداياتهم والتى عادة ما تكون قد انطلقت من مهرجاننا». من هذا المنطلق تم دعوة ستة مخرجين عالميين ممن تقاطع تاريخهم مع تاريخ المهرجان، لتقديم ستة من الأفلام العالمية المفضلة لديهم والتي أثرت في مسارات كل منهم.
وسيقدم المخرج والكاتب والرحالة الآيرلندي مارك كزنز فيلم «لحظة براءة» (1996) لمحسن مخمالباف أحد أقطاب الموجة الجديدة في السينما الإيرانية، وفيلم «شاعري» (2010) للمخرج الكوري لي شانج دونج سيقدمه المخرج الكوري وأيضا كيم كي دوك صاحب فيلم «حارس الشاطئ».
وتلقى هذه الدعوة أيضا المخرج البيلاروسي المقيم في ألمانيا سرجاي لوزنيتسا الذى عرضت معظم أعماله في مهرجان كان السينمائي الدولي ونتذكر منها «في الضباب» و «سعادتي». وقع اختياره على فيلم «متلازمة الوهن» (1989) للمخرجة الأوكرانية كيرا موراتوفا الذى حصل على جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين عام 1990. ميكايل روسكام المخرج البلجيكي الذى رشح فيلمه «رأس الثور» (2011) لجائزة الأوسكار وقع اختياره على فيلم «ريفيفي» (1955) للمخرج جول داسان. أما المخرج الياباني سيون سينو المعروف بأفلامه «مائدة عشاء نوريكو» و«عرض الحب»، فسيقدم فيلم «بابي» (1995) للمخرج الأسترالي كريس نونان والذى كان قد رشح لسبع جوائز.
أما المنتج الإسباني المتحمس دائما للسينما المستقلة لويس منيارو فقد اختار عملا من نوعية «الفيلم نوار» لأورسن ويلز وهو «لمسة شيطان» (1958).
تكريم جون كازال و كريس بين
تكريم كبار السينمائيين والممثلين الراحلين من التقاليد الراسخة في مهرجان كارلوفي فاري. وتكرم دورة هذا العام اثنين من عمالقة السينما الأمريكية الذين رحلوا عن عالمنا في سن مبكرة: جون كازال (1935-1978) الذي كان من أهم ممثلي المسرح والسينما المحبوبين في السبعينيات على الرغم من ظهوره في عدد محدود من الأفلام لا يتجاوز الخمسة أعمال رشحت جميعها لجائزة الأوسكار وحازت ثلاثة أفلام منها على الأوسكار بالفعل. فمن منا لايتذكر شخصية فريدو كورليون في الجزأين الأول و الثاني من ملحمة فرانسيس فورد كوبولا السينمائية «الأب الروحي». وقد اختاره مرة أخرى كوبولا في فيلم الإثارة «المحادثة». كازال كان يتمتع بشعبية كبيرة داخل الوسط الفني وكانت تربطه علاقة صداقة وطيدة بالممثل آل باتشينو الذي شاركه في عدة أعمال منها «عصر يوم قائظ» للمخرج سيدني لوميت وكان «صائد الغزلان» آخر عمل اشترك فيه قبل أن يتمكن منه مرض سرطان العظام.
أما كريس بين (1965-2006) فكان لفرانسيس فورد كوبولا دور هام في تقديمه للجمهور في دور أساسي في فيلمه «دمدمة السمك». وسجل بصمة فى سينما كوينتن تارانتينو في فيلمين هما «رومانسية حقيقية» وفيلم «الجريمة الكاملة» الذي أدى فيه دور المجرم ذي الملامح الرقيقة. وقد حصل على جائزتين من مهرجان فينيسيا الأولى عن فيلم «طرق مختصرة» لروبرت ألتمان والثانية عن فيلم «الجنازة» للمخرج أبل فيرارا. كما شارك أخاه شون بين بطولة فيلم «عن قرب».