اعتمد في أحداثه على قصة حقيقيه تعود إلى عام 1996
دبي ـ «سينماتوغراف»
يعد فيلم «ايفرست» الذي يعرض حاليا في صالات السينما بمنطقة الخليج حدثا جديرا بالمشاهدة، فقد سبق لهوليوود تقديم أفلام عدة حول القمة التي يطلق عليها مصطلح «سقف العالم»، وغيرها من القمم الشاهقة التي ترجمت من خلالها فلسفة التحدي بين الانسان والطبيعة، وقدمت لنا عبرها نموذجاً حول طبيعة الألم الذي يعيشه متسلقو الجبال الشاهقة، ولذة النصر التي يعيشونها بوصولهم إلى القمة.
الحال في فيلم المخرج الايسلندي بالتازار كورماكور «ايفرست» الذي تواجدت «سينماتوغراف» في عرضه الخاص الذي اقيم في صالات نوفوسينماز بدبي فستيفال سيتي بتنظيم من الشيخ محمد بن عبد الله آل ثاني رئيس دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية بالشارقة، قد يختلف شيئاً ما عن معظم أفلام هوليوود التي اتخذت من تسلق الجبال تيمة لها، ففيه نتذوق حلاوة النصر، وفي الوقت نفسه نعيش الألم، فعدا عن طبيعة فلسفة التحدي التي دار حولها المخرج كورماكور، نجد أنفسنا أمام مغامرة من نوع اخر، لا تنتهي بالنصر كما العادة، وانما بكارثة تأثرت بها عائلات اولئك الذين دأبوا على خوض المغامرة وتحدي الطبيعة المحيطة بقمة «ايفرست» حيث يشح الأوكسجين، ويصبح الهواء رقيقاً، ليثبت المخرج من خلال الأحداث أن «الكلمة الأخيرة دائماً ما تكون للجبل» وليس لمتسلقيه.
افتتاح
وفي هذا الفيلم الذي افتتح فعاليات الدورة 72 لمهرجان فينيسيا السينمائي، اعتمد المخرج كورماكور على قصة حقيقية تعود أحداثها إلى عام 1996، حول فريق تسلق تمكن من الوصول إلى قمة جبل ايفرست ولكنه فقد عدد من أعضائه في طريق العودة بعد ظروف مناخية قاسية. ويبين لنا الفيلم أن المتسلقون يصلون إلى قمة الجبل، التي يصل ارتفاعها إلى 29.029 قدما، بعنفوان اندفاعهم وقوة إرادتهم واصرارهم، ولكن مصائر بعضهم تتحول إلى «تراجيدية» وسط تقلبات الطبيعة و«غضب» الجبل.
سيناريو الفيلم اشترك في كتابته وليم نيكلسون وسيمون بيوفوي الذي سبق له أن كتب سيناريو مغامرة جبلية أخرى عن قصة حقيقة في فيلم «127 ساعة» الذي اختتم به مهرجان لندن السينمائي في عام 2010، كما اعتمد فيلم «ايفرست» على كتابين من تأليف اثنان من الناجين في هذه الرحلة الأول بعنوان (في هواء واهن) لجون كراكور و الثاني (تركوا ليموتوا: رحلتي من البيت إلى إيفرست) لبيك ويذرز، كما اعتمد الفيلم ايضاً على تفاصيل مختلفة عن الرحلة وردت في كتاب (الصعود) للمتسلق الروسي الكاخازي الأصل أناتولي بوكريف الذي أدى دوره في الفيلم الممثل الأيسلندي أنغفار سيغوردسون.
تعريف
في ربعه الأول، يركز المخرج على التعريف بشخصيات الفيلم، والتي تبدأ مع «روب هول» (الممثل جيسون كلارك) متسلق الجبال النيوزيلندي وصاحب شركة تروج لرحلات استكشافية لتسلق قمة ايفرست، حيث يطل في مشهد يودع فيه زوجته (الممثلة كايرا نايتلي)، ليبدأ من بعدها رحلته إلى العاصمة النيبالية كاتماندو، حيث ينضم إليه 8 مشاركين من أمثال نامبا اليابانية (ناوكو موري) التي سبق لها تسلق 6 قمم وتخوض محاولتها السابعة، ودوغ هانسون (جون هاوكس) الذي يعمل ساعي بريد في سياتل وصاحب محاولة سابقة فاشلة لتسلق ايفرست، وبيك ويذرز (جوش برولين) القادم من تكساس، والصحفي كراكور (مايكل كيلي) الذي كان سببا في علاقة متوترة بين «روب هول» وقائد فريق تسلق أخر هو «سكوت فيشر» (الممثل جيك جيلنهال) ولكنهما يتفقان في النهاية على جمع فريقيهما معاً للقيام بهذه الرحلة.
وفي الوقت ذاته، يتابع الفيلم تسلسل الرحلة من مخيم لآخر وسط مرتفعات ايفرست، موضحاً في كل مرة الارتفاع الذي تصل اليه الجموع، ليبدو تصاعد التوتر الدرامي واضحاً بعد الوصول إلى ارتفاع نحو 8 آلاف متر التي يطلق عليها هناك اسم «منطقة الموت»، حيث يشح الأوكسجين ويكون الهواء خفيفا جداً.
لمسات انسانية
النصف الأول من الفيلم بدا استعراضيا، فالغلبة فيه كانت للمشاهد الطبيعية البانورامية والقمم الجبلية المكسوة بالثلج، وجاءت المشاهد ذات ايقاع سريع ومتوتر لا تخلو ابداً من التشويق الجذاب، يحاول المخرج كسرها عبر العودة إلى المشاهد الداخلية التي تظهر فيها الزوجات ويتخللها المكالمات الطويلة بين المتسلقين وزوجاتهم، لتظل هذه المشاهد الأضعف في الفيلم رغم ما تحمله من لمسات انسانية.
ورغم ذلك حاول المخرج جاهداً في مشاهده التالية أن يحافظ على وتيرة الشد والتوتر الدارمي التي سلكها في هذه المشاهد، ليبدو المتفرج فيها امام خط يحدوه التحدي الذي يدفع بالمتسلقين للوصول إلى القمة، وقد بدا سهلاً للوهلة الأولى ومن دون معوقات كبيرة ولكنه لم يخلو من التوتر، ليبدو أن المخرج خبأ ما في جعبته من اثارة وتشويق الى مرحلة العودة من القمة، حيث ترتفع فيها وتيرة التوتر بشكل كبير، ففي رحلة العودة يواجه أعضاء الفريق مصائرهم التراجيدية، فبين من يفقد قدرته على المواصلة وبين من تتجمد أعضاؤه في الثلج بعد تغير الطقس وهبوب عواصف ثلجيه ووقوع انهيارات ثلجية، ليركز المخرج كورماكور حبكة الفيلم في هذه المشاهد، شاداً من خلالها اعصاب المشاهد لأقصى مدى يمكن أن تصل اليه، مختبراً فيها اعصابه وقدرته على التحمل.
مشاهد العودة
لقد نجح المخرج كورماكور من خلال عدسة سلفاتوري توتينو (مدير التصوير) في تقديم مشاهد تتسم بالجمال والجودة في المشاهد الطبيعية التي نقلها من تلك البيئة الصعبة، إذ صور جزءا من مشاهده في النيبال حيث قمة ايفرست، وصور مشاهد أخرى في جبال الالب في ايطاليا، كما نجح في الوقت نفسه في التقاط تلك مشاهد قريبة لممثليه وسط المرتفعات الجبلية الوعرة، وبدت براعته واضحة في مشاهد العودة في (منطقة الموت)، حيث تواجه الشخصيات مصائرها التراجيدية بطرق مختلفة، فتراه يتدرج من مشاهد ترى الموت يتسلل فيها إلى واجهة المشهد، ثم مشاهد احتضار شخصياته وسط البرودة الشديدة وتجمد أعضائهم أو مشاهد جثثهم التي يدفنها الثلج.
يذكر أنه كان لإيطاليا حصة في عملية انتاج الفيلم عبر تصوير الكثير من المشاهد في جبال الألب في ايطاليا، إلى جانب نيبال التي تضم قمة ايفرست، كما صورت مشاهده الداخلية في استوديوهات تشينا تشيتا الإيطالية وباينوود البريطانية، فيما نجد أن شخصيات الفيلم التي توزعت على مجموعة من متسلقي الجبال من جنسيات مختلفة من بينها (الولايات المتحدة، نيوزيلندا، استراليا، اليابان، روسيا، نيبال) وقد اجتمعوا في هذه الرحلة لتسلق قمة ايفرست وانتهت رحلتهم بمآل تراجيدي.