«باردو».. نقلةً نوعية لـ «إيناريتو» تقربه من أسد فينيسيا الذهبي

فينيسيا ـ «سينماتوغراف» : عرفان رشيد

لم يُخطئ من ترقب الكثير من المخرج المكسيكي أليخاندرو جونزاليس إيناريتو، ولم يُخيّب هو آمال المترقبين لفيلمه “باردو: سجلٌ زائف لحفنة من الحقائق”، المعروض داخل المسابقة الرسمية للدورة الـ79 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي.

ورغم أن المهرجان ما يزال في أيامه الأولى، فإن التوقع السائد بين صفوف النقاد الذين شاهدوا الفيلم هو أن إيناريتو قد وضع يده على جائزة الأسد الذهبي، ومن شبه المؤكّد بأنّه سيحمله إلى أكثر من منصّة للجوائز، إذ يبدو أنه واحدٌ من أقوى المرشّحين لحمل “الأسد الذهبي” إلى الأعلى مساء 10 سبتمبر.

وبعد 8 سنوات من عرض فيلمه “The Revenant” في مهرجان فينيسيا، وفوز بطله ليوناردو دي كابريو بأوسكار أفضل ممثل، عاد المخرج المكسيكي إلى هذا المهرجان بفيلمٍ هو الأكثر خصوصيّةً من بين أعماله في المطلق.

وبصرف النظر عن الجوائز، فإن إيناريتو يُنجز بهذا الفيلم نقلةً نوعية يُبدي فيها مقدرته الكبيرة على التأكيد بأنّه الأفضل من بين المخرجين الذين تمكّنوا من استقراء عالم المخرج الإيطالي الراحل فيديريكو فيلّيني، وتمثّل ذلك العالم بشكلٍ رائع دون الوقوع في هوّة التقليد أو حتى محاولته، لأن فيليني فريدٌ وعصيٌ على التقليد.

يقول إيناريتو: “فيديريكو فيلّيني هو شفيعي، إنّه مثل لويس بونويل وروي أندرسون وجودوروفسكي“، ويُضيف: “لا يوجد صانع أفلام لم يُصب بتأثيرات فيلّيني كما لا يمكن لأيّ موسيقي أن يتجاهل موتزارت أو باخ، سينماه هي الوسيط الأقرب إلى الحلم.  وآمل أن يكون (القديس) فيلّيني قد بسط حمايته على رأسي هذه المرة أيضًا”.

“باردو: سجلٌ زائفٌ لحفنة من الحقائق” فيلمٌ عن الحلمِ في الحاضر وحنينٌ إلى الماضي، فبطله يبدو كما لو كان في منتصف البرزخ الذي يعيش فيه المرء في بعض من مراحل حياته، بالضبط كما هي حال المخرج نفسه الذي قرّر في مطلع الألفية الجديدة ترك المكسيك والانتقال إلى لوس أنجلوس. ويجعل إيناريتو بطل فيلمه يعيش في المنتصف ما بين عالم الأحياء والموتى.

يقول إيناريتو: “أنا أيضاً في المنتصف. ففي الولايات المتحدة يعتبرونني مكسيكيّاً، وفي المكسيك يرونني كمن لم يعد واحداً منهم“.

والمخرج هو مبدع روائع “Amores Perros” و”21 جرام” و”بيوتيفُل” و”بابل” و”بيردمان”، ويعرض في هذا العمل الجديد الذي يدوم لأكثر من 3 ساعات حياة سيلفيرير جاما، “المهاجر من الدرجة الأولى”، الذي يعمل صحافيّاً وكاتباً ومخرج وثائقيّات يجد نفسه في لحظة حاسمة وفي منعطف من حياته يتزامن مع منحه جائزة تقديرية هامّة.

ليس هذا الفيلم سيرة ذاتيّة، لكنّ فيه الكثير من ملامح حياة المخرج نفسه، وليس صدفةً أن يولد هذا الفيلم في هذه اللحظة بالذات.

يقول إيناريتو: “أنا الآن على أعتاب الستين من العمر، وهو ما يدعوني إلى إعادة نظر إلى الأشياء في حياتي، وأشعر بأنّني مستعد لأدراك مآلات ذلك، وذلك لأنّني أمارس منذ عام 2012 طقوس التركيز والاسترخاء برفقة راهبٍ فيتنامي، وهو ما يُتيح لي رؤية الأشياء باستقلاليّة ودون الخوف من أحكام الآخرين أو قبولهم ورفضهم لي“.

ويُضيف إيناريتو: “طعم النجاح مُرّ ورغم أنّه يوفّر لك موقعاً متميّزاً، فهو يزيد من ترقّبات ومُطالبات الآخرين منك ويُثقل كاهلك بالواجبات. النجاح يُفضي إلى تضحيات كثيرة، كالتضحيات التي تقع على عاتق أفراد عائلتك”.

ومع تأكيده على أن الآلاف يُضطرّون إلى الهجرة لأنها الخيار الوحيد أمامهم، فإن في الفيلم انتقاداً ذاتياً لقراره بالهجرة، وإعادة نظرٍ في ظروف من يقرّرون النأي عن بلادهم. ويقول إيناريتو: ”بالذات اليوم (أمس) الأول من سبتمبر، يمثّل بالنسبة لي تاريخاً فارقاً، ففي مثل هذا اليوم من عام 2001 تركت المكسيك برفقة عائلتي وذهبنا للعيش في لوس أنجلوس”.

ويضيف: “كنّا نُفكّر بأنّنا سنُمضي هناك عاماً واحداً، لكنّنا لم نغادرها أبداً، هذا الغياب عن المكسيك يُلاحقني في كل يوم، وتُصبح المكسيك لديّ بالتدريج حالة ذهنيةً، وما الحكايات التي أرويها في فيلمي (باردو: سجلٌ زائف لحفنة من الحقائق) إلاّ تفسيراً لذلك الغياب“.

Exit mobile version