ـ محمد جابر
أحياناً يكون من المضر جداً أن تصنع فيلماً ضمن آلة صناعة ضخمة كهوليوود، تلك الجملة تنطبق بشدة على فيلم “باسنجرز ـ Passengers” للمخرج مورتن تيلدوم، صحيح أن امتلاك 110 ملايين دولار سيمنحك الفرصة لجلب جينفر لورانس وكريس برات كأبطال لفيلمك وسيعطيك الكثير من الأريحية لصناعة بعض المشاهد والديكورات والأجواء الجيدة تقنياً، ولكنه في المقابل يمكن أن يضع عليك ضغوطاً تعصف بالفيلم كاملاً، وتحوله من “عمل واعد” وفيلم خيال علمي درامي ذي فكرة وأجواء فلسفية.. إلى مجرد “كليشيه هوليوودي آخر” ذي نهاية ملتفة وسعيدة!
يبدأ الفيلم في مستقبل بعيد وغير محدد، إذ يستيقظ جيم بريستون على متن مركبة فضائية تسمى “آفلون” من المفترض أن تذهب به من الأرض إلى كوكب “هوم استيد 2” في رحلة تستغرق 120 عاماً يكون فيها في وضع “النوم العميق”، ولكن “جيم” يكتشف أنه الشخص الوحيد المستيقظ (من بين الـ5000 مسافر) بسبب عطل تقني، وأنه لم يمضِ من الرحلة إلا 30 عاماً فقط، ويتبقى 90 عاماً سيتوجب عليه أن يقضيها وحيداً ولا يوجد معه إلا إنسان آلي (غير متطور) يعمل كـ”ساقي بار”، وبعد محاولاته الطويلة من أجل التكيف يكاد أن يصاب بالجنون، فيقرر إيقاظ إحدى المسافرات من وضع النوم العميق، وهي “أورا لين” التي رآها بالصدفة وظل مهووساً بها وصولاً لإيقاظها كي لا يكون وحيداً.
النصف ساعة الأولى من الفيلم رائعة جداً، لا تخلو من بعض “البهارات الهوليوودية”، وربما القليل من التسطيح في بعض اللحظات لوضعية رجل يجد نفسه وحيداً ومحاصراً في سفينة عملاقة بالفضاء، ولكن مع ذلك هناك تتابع معقول ومنطقي جداً للمراحل المختلفة التي يمر بها، ساعد على إبرازه أداء منفرد وقوي لكريس برات الذي يحمل الفيلم على كتفيه في ذلك الجزء، ويعكس بتمكن تدرج الشخصية من الفهم إلى الغضب إلى التكيف ومحاولة الاستمتاع ببعض الأشياء وصولاً إلى الملل ثم الاكتئاب والرغبة في الانتحار ونهاية بالهوس.
(بأورا والسؤال الأخلاقي حول إيقاظها أم لا). تلك المرحلة تنتهي بوجود شخصين الآن على متن السفينة: أورا وجيم، ومنذ تلك اللحظة تبدأ الأجواء الهوليوودية في السيطرة على الفيلم بشكلٍ أكبر، يتم التسطيح الزائد للمشكلة الوجودية الثقيلة (حيث أشخاص لا يوجد لهم مستقبل وسيموتون آجلاً أو عاجلاً في سفينة عملاقة) واختصار ذلك إلى علاقة رومانسية سعيدة بشكل مبالغ فيه.
ولكن من المؤسف أن الفيلم، وكلما تقدمت أحداثه، تقل فيه النزعة الفنية المتساءلة، وتزداد السطحية التجارية التي تجعله مجرد فيلم عابر في شباك التذاكر، ومع الوصول للمرحلة الثالثة من الفيلم (المتزامنة مع استيقاظ شخصية ثالثة بشكل غير مبرر إطلاقاً)، والتي يحدث فيها عطل في السفينة يجب أن يتعاون الجميع من أجل حله وإنقاذ الـ5000 فرد على متنها، مع الوصول إلى هنا ينهار الفيلم تماماً، لا يحتفظ بالأجواء المختلفة لشخص وحيد على متن سفينة كما المرحلة الأولى.. ولا بعلاقة درامية متشابكة ذات سؤال معلق كما المرحلة الثانية، بل نذهب في مغامرة رتيبة وفقيرة الخيال لإصلاح العطل القائم في السفينة، وخلال ذلك يتم حل العقدة الشخصية بين الطرفين من خلال “تضحية جيم” و”مسامحة أورا”، وصولاً لنهاية أقل ما يقال عنها إنها ساذجة جداً تؤكد أن صناع الفيلم لم يتعاملوا معه أكثر من كونه فيلماً يغازل شباك التذاكر حتى لو على حساب المنطق والجوانب الفنية، ومع ذلك فشلوا في هذا الجانب أيضاً لأن التقييمات النقدية المنخفضة قللت من إيرادات الفيلم ومردوده التجاري وجلب فقط 90 مليون دولار من أصل 120 مليوناً كلفة.
هذا واحد من أكثر إنتاجات عام 2016 التي يشعر فيها المتفرج أنه كان قريباً من مشاهدة تجربة تبقى طويلاً في ذاكرته، وفيلم خيال علمي مختلف وينطلق من فرضية حقيقية (كانتقال البشر إلى كواكب أخرى في المستقبل البعيد)، ولكن مخرجه وصناعه تركوا كل الاحتمالات الكبيرة وذهبوا وراء رهان تجاري فشلوا فيه هو الآخر، ليصبح فيلماً محبطاً لا أكثر.