«سينماتوغراف» ـ هشام لاشين، تصوير: منال الليثي
ينتمي فيلم «هز وسط البلد» للمدرسة الواقعية التي تربي عليها المخرج محمد ابو سيف عبر افلام ابيه المخرج الكبير صلاح ابو سيف، وان كان لم ينفذها في افلامه السابقة. انه فيلم عن حالة التوحش التي اصابت الناس في العقد الأخير من خلال رحلة في شارع من شوارع مصر، بل يمكن ان يحدث في اي محافظة مصرية. والأحداث كلها تدور خلال 12 ساعة عبر خليط اجتماعي مثل صاحب المقهي وصاحب البوتيك والصرافة والجواهرجي ورجل المرور والشحاذين وغيرهم.. 35 شخصية رئيسية .. ليس هناك بطل وبطلة تقليديان.. والسيناريو الذي كتبه نفس المخرج محمد ابو سيف يتكون من 175 مشهد وأكبر دور لايتجاوز عدد مشاهده 30 مشهدا .
- الفيلم الذي صور في مدينة الإنتاج الإعلامي المصرية بواسطة مهندس الديكور وائل صقر، والذي يشمل منطقة وسط البلد وتم بناؤه تسهيلا للتصوير والابتعاد عن زحمة منطقة وسط البلد الحقيقية، من بطولة إلهام شاهين، نيللي كريم، زينة، حورية فرغلي، هياتم، محمود الجندي، انتصار، اياد نصار، وامير شاهين، ومجموعة كبيرة من الشباب الذين يقدم بعضهم ادواره للشاشة لأول مرة بينما تكلفت ميزانيته 10 ملايين جنيه.
- ليست هناك حدوتة واحدة بل مجموعة حكايات متداخلة كما يقول ابو سيف قبل ان يضيف قائلا: «أثناء كتابتي السيناريو لم تكن هناك خطة واضحة لكل شخصية منفصلة بل كان مايشغلني هو صهر الشخصيات كلها بتداخلها وعلاقاتها المتشابكة، وكنت اسال نفسي (هو احنا قمنا بثورة ليه) وانا اعتقد اننا قمنا بثورة ضد أنفسنا وليس ضد نظام أو رئيس.. ثورة ضد فسادنا وسكوتنا. ضد الرشوة والدعارة. ثورة ضد الفساد في التعليم والفن وكل شيئ. واعتقد أننا تخطينا مرحلة الفساد الي مرحلة العفن فترك شيئ فاسد لفترة طويلة يدفعه للتعفن وقد بدأت إرهاصات ذلك تظهر قبل 10 سنوات علي الأقل».
- ويضيف ابو سيف: «عندما كتبت الفيلم كانت الجرائد تعج بحوادث من نوعية أب يقتل أبناءه لأنه لايستطيع إطعامهم، أو من يحرق نفسه أمام مجلس الوزراء احتجاجا علي البؤس والتجاهل. وقد سألني البعض ألا يجب أن تغير السيناريو بعد الثورة؟ وكان ردي لماذا؟ فلا الفساد إختفي ولا المحسوبية انتهت؟ لا شيئ تغير. نحن الآن مثلما كنا قبل الثورة.. لم يتغير شيئ .. كل مافعلناه أننا أظهرنا غضبنا ثم عادت ريما لعادتها القديمة .. وما أردت قوله عبر الفيلم أننا الفاسدون وليست الحكومات بل نحن الذين نفسد الحكومات».
- ولكن كيف نشأت فكرة الفيلم في ذهن صانعه؟ يجيب ابو سيف: «كتبت الفيلم عام 2007 عن واقعة شهيرة لقيام احدي الراقصات «دينا» بالرقص امام احدي دور العرض ترويجا لأحد الأفلام وهو مانتج عنه إنقلاب في وسط البلد وضجة كبيرة. وقلت لنفسي هل وصلنا الي هذه الدرجة التي يتسبب فيها حدث تافه بكل هذه الضجة؟ بعدها كنت عضوا بلجنة تحكيم مهرجان تنظمه مكتبة الإسكندرية وكانت هالة خليل تعرض فيلمه «قص ولزق» واعجبت جدا بالفيلم وصار بيني وبينها حوار، وقلت لها انني أفكر في موضوع انت السبب في إستفزازي له وهو تصوير فيلم كامل في الشارع المصري ورويت لها قصة الراقصة فقالت لي ولكنك الآن تملك نهاية الفيلم والمهم ما الذي وصل بنا لذلك.. بمعني ماهي المقدمات التي قادت المجتمع لذلك .. فهناك رحلة طويلة للوصول لذلك.. وكانت تلك البداية لكتابة هذا الفيلم الذي اعتبر نفسي مدينا بفكرته لهالة خليل».
- شخصية «حورية» التي قدمتها إلهام شاهين.. أو المتسولة.. واحدة من الشخصيات المترعة بالإنسانية والشجن وهي كما تقول: «ليست مجرد إمرأة تبيع أولادها أو تتعرض لخطفهم منها، ولكن الماساة الكبري في كيف وصلت الي ذلك خصوصا وانها جزء من نسيج عام لمجتمع وصل بها ومعها لما وصل إليه .. فالسيناريو يبدو مثل منمنات مصرية لو صح التعبير أو جرافيكي يشبه لوحة الفسيفساء فكل تفصيلة وحدها لاتكشف عن معني لكن تجميعها في لوحة واحدة يمنحها القيمة وهو ما أعجبني في هذا الفيلم منذ عرض علي. فكل مشهد في الفيلم لايتجاوز النصف صفحة والبطولة للعمل وليست لشخص بعينه وانا اعشق هذه النوعية من الأعمال».
- بدوره يري المخرج ان تجربته الثانية مع الهام شاهين بعد «خالي من الكوليسترول» سببها ان الهام شاهين هي أفضل ممثلة موجودة علي الساحة اليوم علي مستوي الأجيال الموجودة كلها بلا منازع فهي لاتمثل وانما تعيش الشخصية بصدق واندماج، كما ان هناك كيمياء للتفاهم موجودة بينهما. كما يري ان لديها مساحات واسعة من الأداء وهي تستخدم كل ادوات الممثل بدءا من لغة العيون مرورا بتعبيرات الجسد والوجه وصولا للصوت. كما انها من النوع الذي يعد نفسه للمشهد قبله وهي من القلائل االلاتي يندمجن في الاداء ويصبح إيقافهن صعبا عن الإسترسال.
- الأحداث ايضا تجري في نصف يوم تقريبا تماما مثل بعض افلام المخرج الأولي مثل «التفاحة والجمجمة» و«نهر الخوف» حيث ان تقديم عالم كامل في مكان واحد وفي وقت محدود رغم صعوبته يخلق قانونا دراميا وواقعيا للمكان وليس قانون هذا المجتمع المتعارف عليها وهو أمر يسمح بحرية أكثر في رسم العلاقات واعادة تشكيلها من جديد.
- والمكساج في فيلم كهذا له دور أساسي حيث خصوصية الصوت والضوضاء في الشارع المصري وهو هنا يعتمد علي الإيقاع الصاخب للفيلم بحكم طبيعته أيضا. فهناك مشهد يجمع أمير شاهين وزينة مثلا يطلبها فيه للزواج وسط مشاجرة وعندما تسأله مستنكرة هو في حد يخطب واحدة في خناقة يرد عليها قائلا: «ما احنا بنعيش حياتنا كلها في خناقة.. نأكل واحنا بنتخانق ونتفاوض واحنا بنتخانق ونتزوج أيضا واحنا بنتخانق». وذلك هو نسيج الفيلم وبالتالي إيقاعه وشريط الصوت فيه.
- نفس الامر في المونتاج فهو أيضا يلائم إيقاع الفيلم والسيناريو المكثف. ويري المونتير«محمد حسن» ان التركيز علي الإيقاع هنا أساسي وهو التدفق المناسب لإسلوب الفيلم ذي المشاهد التلغرافية. ولذلك فإن أطول مشهد لايتجاوز الثلاثين ثانية علي الشاشة.
- أما مدير التصوير «حسام الدين محمد»، فيقدم أول أفلامه واختاره المخرج من واقع انه حاصل علي كورسات ستيدي كام وابريتور مناسب لإسلوب فيلمه حيث يتحرك في كل اتجاه وهو الإسلوب الذي يناسب شكل وإيقاع الفيلم. وقد قام المصور بارتداء حذاء البايتناج فى قدمه رغبة من المخرج في تصوير مشاهد الحركة وليحل محل الشاريوه في بعض المشاهد.
- يقول حسام: «اعتمد الفيلم علي التوب لايت وعواكس لإنارة وجوه الممثلين، لأن اسلوب الإضاءة جمع بين المأساة والملهاة. فإضاءة النهار صاخبة وتلائم التناقض القائم بين الشخصيات بعضها البعض وبينها وبين الشارع، وهي اضاءة ترصد الخشونة في علاقات الفيلم حيث الظل الحاد والنور اللاطش بينما تجد اضاءة الليل اكثر هدوءا ونعومة.. بإختصار لايوجد فلاتر والوجوه بعبلها».
فيديو «سينماتوغراف» يرصد كواليس فيلم «هز وسط البلد»